أستمتع .......وأفتخر أولاً
-------------------------------------------------------------------------------
نحن الأن في منتصف الطريق , إذا ظن الكثير أن الثورة أنتهت , أعتقد أن هذا ليس صحيحاً , النظام كان أشبه بورم خبيث تم إجتثاثه من بدن الوطن وهذا لا يمنع أبداً أننا في مرحلة تطهير للجرح المفتوح الأن وبالتأكيد مازال البدن عليلاً بعد تلك العملية الصعبة التي كادت أن تودي بحياة الوطن , مازال في الوطن الكثير من أذناب النظام السابق وما تخلصنا منه هو فقط رأس النظام وهو بالتأكيد الجزء الأهم , بالتأكيد ما حدث في الأيام الماضيه قبل التنحي من مراوغات للإبقاء على النظام التي كانت تشبه طائرة تهوي ويحاول قائدها التخلص من الأوزان الزائدة للإرتفاع مرة أخرى والتحليق ولكن لا جدوى ...سقط النظام سقوطاً ذريعاً ولكن ماذا الأن ؟
فلنبتعد قليلاً عن هنا , هناك في أوروبا بالتحديد في جنوب غرب أوروبا في القرن الثامن عشر , تلك الثورة التي غيرت الكثير من الأمور في أوروبا وهزت عروش الملكية في أوروبا عملياً كانت أوروبا هي التي تقود العالم حينها فلم تكن قد ظهرت أمريكا بعد على الساحة , أنا أتحدث هنا عن الثورة الفرنسية , يُقال أنها أعظم الثورات في العالم , بالفعل هي غيرت خارطة العالم , ولكن أنتظروا قليلاً , أولاً ما هي أهداف الثورة الفرنسية ؟ بالتأكيد الثورات تسقط أنظمة متغلغلة في أرض الوطن , أسقطت الثورة الفرنسية النظام الملكي والنظام الإقطاعي هذا أبرز ما نجحت الثورة في إسقاطه ولكن بعد أن تم إعدام الملك , للأسف أتخذت الثورة طابعاً دموياً تمثل في إعدام كل من كان ضد الثورة وكان هناك ما يسمى بالجمعية الوطنية وهم من أمسكوا بزمام الأمور وسُمي عصرهم بعصر الإرهاب , كانت الفترة الأشد دموية بالفعل حيث تحولت الثورة إلى إنقسام وتصارع على السلطة و مقاصل لكل من يُتهم بأنه ضد الثورة بل خلقاليعاقبة ( وهم من كانوا يمسكون بزمام الأمور في الجمعية الوطنية ) ديانة جديدة تم محو الكاثوليكية على إثرها وسميت بعبادة العقل
بعد ذلك كانت حكومة الإدارة التي يمكن أن نقول أنها أعادت الأمور إلى نصابها السليم لولا بعض المشكلات الداخلية والثورات الصغيرة وبالتأكيد العديد من الأرواح التي أزهقت , كل ذلك مهد لقدوم نابليون بونابارت وميلاد الإمبراطورية الفرنسية , ما أود أن أشير إليه :
أولاً - أن النظام الملكي والإقطاعي لم يسقط بسهولة ودُفع الثمن غالياً من دماء الفرنسيين لإسقاطه هو ونبلاؤه المزعومين
ثانياً - ليس معنى إعدام الملك في ميدان الجمهورية بباريس أن مؤيديه سقطوا هم ايضاً .
ثالثاً - ألبست الثورة ردائاً دامياً بأيدي بعض الثوار الذين أنشقوا على بعضهم و ارتكبت مجازر في حق الملكيين أي مؤيدي الملك السابق
رابعاً- بالتأكيد أبتعدت الثورة بكيلومترات كثيرة عن مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ الحرية والإخاء والمساواة
خامساً - الثورة بالتأكيد أطاحت بكل الأنظمة الفاسدة ولها الكثير من المميزات ولكن استغرقت فرنسا أعواماً طويلة جداً حتى يتخلصوا من هيمنة جماعة معينة أو فرد معين على الحكم وما كانت الثورة إلا خطوة أولى في طريق طويل وممتد إلى الحرية التي تنعم بها فرنسا الأن .
نعود مرة أخرى إلى مصر , فبعد أن تتبعنا الثورة الفرنسية وسقوط الملك والجمعية الوطنية وحكومة الإدارة ومن ثم الإمبراطورية الفرنسية وانفراد بونابارت بالسلطة حتى وصلنا الى الجمهورية الخامسة بنظام برلماني نصف رئاسي .
لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نفصل ثورة يوليو عن الثورة الحالية لأننا بالتأكيد نسير على خط ومسار واحد , فبعد أن قامت ثورة يوليو أسست ما يمكن أن نطلق عليه الجمهورية الأولى برئاسة عبد الناصر ومن بعده السادات ثم مبارك , الثلاثة كان حكمهم قائم على الحكم العسكري المتمثل في حكم الفرد الواحد , لا نستطيع تجاهل مكاسب الثورة التي قام بها الضباط وكان أهمها أيضاً إنهاء النظام الملكي والنظام الإقطاعي والأهم من ذلك كله جلاء الإستعمار الإنجليزي ولكن ماذا قدم المصريون ثمناً لتلك الثورة ؟
كانت ثورة بيضاء بالتأكيد ولم يتم سفك دماء مصري واحد , فكما يطلقون عليها هي ثورة بدون نقطة دم واحدة , حيث تم إجلاء الإنجليز عن مصر بدون حرب , هذا ما يُقال .
دعونا نتفق في البداية أن الثورة ضد الظلم والفساد وقتها سواءاً ضد الملك وحاشيته أو ضد الإنجليز كانت ستقوم إما عاجلاً أو آجلاً , حيث أن الحنق ضد القصر كان يتنامى بعد النكبة في فلسطين وفالثورات ضد الظلم لم تنتهي من مصر ابداً قبل ثورة يوليو فكانت هناك ثورة 19 ومن قبلها الثورة العرابية وان كانت ثورات غير مكتملة ولكنها ثورات حققت مكاسب وان كانت ضئيلة ولك الشعب المصري أثبت التاريخ أنه ليس شعباً خانعاً , إذن الثورة كانت قادمة لا محالة إما على عربات الجيش أو حتى بأيدي الشعب المشكلة فقط من يقوم بالثورة أولاً ليسانده الأخر الشعب أو الجيش .
مرة أخرى ما هو الثمن الذي دفعه المصريون لتلك الثورة .
أولاً - حرب 56 حيث كانت تلك الثورة مرفوضه من القوى الخارجية والإستعمارية لأن إستقلال دول المنطقة توالى تباعاً
ثانياً - إنفراد مجموعة بالسلطة والحكم
ثالثاً - أكلت الثورة نفسها وليس بالأحرى أن نقول أن الضباط قتلوا بعضهم البعض ولكن حدث ذلك بشكل أخر حيث أنقسم البعض عن الضباط وأبرزهم محمد نجيب لذا تم التخلص منه ومن غيره
رابعاً - كلفت الثورة مصر الكثير حيث عاشت مصر في أحلك عصور الإستبداد والقمع على يد فرد وجماعة مستفيدة فقط
فلا ديموقراطية ولا حرية وبالتأكيد الحياة السياسية تؤثر سلباً على الحياة الإقتصادية وأنا هنا أتحدث عن ثلاثة حكام توالوا مستخدمين نفس الأدوات .
خامساً - كانت أعتى سقطات النظام نكسة 67 وبالرغم من أن مصر أستعادت الأرض ورأت بعض الإنفراجه في عهد السادات ولكن تبعتها نكسات أخرى وتردى المجتمع طوال ثلاثون عاماً من نكسات متوالية صغيرة كادت أن تبتلع الوطن .
إذن كان الثمن القمع والإستبداد والسلطة المطلقة زاعمين أن مصر تحررت ولكن ما حدث أنها خرجت من حفرة إلى حفرة أخرى
لتتراكم وتتراكم مسببات ثورة أخرى لتنفجر في وجه الثورة الأولى تلقائياً وهذا ماحدث بعد تسعة وخمسون عاماً من القمع والإستبداد.
الجمــــهوريــــة الثـــــانيـــــة
كانت ثورة يوليو هي أيضاً الخطوة الأولى في طريق طويل إلى الحرية والمساوة والعدالة بين كل أفراد الشعب, نحن الأن في منتصف الطريق , فنحن لا نعود إلى الوراء وحكم العسكر( هو الأن مؤقت ) أنتهى وأتمنى أيضاً أن تكتمل ثورة 25 يناير بنظام ديمقراطي يؤسس الحرية والمساوة بين الجميع لأن الشعب دفع الكثير ولا أقصد بضع المئات من القتلى أو حتى آلاف المصابين ولكن دفع الثمن طوال مايقرب ستون عاماً لأنظمة فاسدة , وأود أن أشير إلى :
أولاً : أنه ليس معنى أن حكم مبارك أنتهى أن نظامه مايزال قائماً بشكل أو بأخر هنا وهناك ومازال هناك أذناب للنظام
ثانياً : الثورة تمثلت في تظاهرات وإعتصامات طوال ثلاثة أسابيع ماضية أسقطت النقطة الأقوى في النظام .
ثالثاً : أنتقلنا من مرحلة التظاهرات بعد التنحي إلى تشكيل لجنة من الشباب للحوار مع المجلس العسكري في بقية الإصلاحات لإنهاء نقاط النظام الأضعف التي مازالت تصارع لإبقاءها .
رابعاً :أنتهت التظاهرات ونحن الأن في مرحلة إنتقالية تتكون من جزأين وهي التنظيف والبناء , إذن لا معنى للتظاهرات الأن بل هي تضر بالثورة قبل أن تضر بجسد الوطن العليل .
خامساً: يحاول بعض أذناب النظام الأن للتبرير والتلون لمحاولة الهروب من المحاسبة وأيضاً إختلاق مشاكل داخلية في شكل إعتصامات في أكثر من مكان حساس في مصر بالإضافة إلى خلق جو من التعاطف مع الرئيس بإشاعة أخبار عن سوء صحته.
سادساً : كل ما أخشاه أن تأخذ الثورة مساراً يبتعد عن المسار الأول الذي خلقته لنفسها , بإعتلاء السلطة نظام جديد استبدادي أو حتى نظام قديم ألبس رداءاً جديداً .
أصنــــــــــع التــــــــاريخ
ولكن ما يبعث في نفسي الأمل أن الشباب تنفس الحرية ولن يفرط فيها مرة أخرى , لأنه عرف طريق الميادين والبهجة والتحليق .
وكل ما أريد أن أنصح به نفسي وإياكم أن نكتمل مسيرة الثورة ونعمم خلق وحضارة التحرير وغيرها من الميادين لتشمل كل حياتنا ولا ندع أحداً يشكك في الثورة ولا نفرط في حساب كل من فرط في حق الوطن .