أطرق باب الفصل ..أدفع الباب في لهفة , تهدأ جلبة التلاميذ بالتدريج حينما يلمحونني أدلف إلى الفصل , يعم الصمت ويقف الجميع في ترقب ,أبحث عن وجوه التلاميذ عن وجه مألوف .
في "الفسحة " كانت هند تأتي لي في غرفة المدرسين تجلس بجواري , تقاسمني شطائرها وتريني أخر رسم رسمته في كراستها .. تراقب رد فعلي ... إذا ابتسمت , ابتَسمّت , وإذا لم أبتسم تضم حاجبيها وتتظاهر بالغضب
نتقاسم الحكايات , تخبرني عن كائناتها الأسطورية ودميتها وابن الجيران الذي يضايقها دوماً ويهشم ألعابها
لم أرى
ملاكاً يوماً .. لأحدد كيف يبدو , لا أستطيع أن أقول أن هند تشبه الملائكة , ولكن
لها عينان توحيان أنها جاءت من السماء تواً , أنف دقيق وغمازتان تظهران حينما توشك
الضحكة على البزوغ , لتظهر أسنانها المُنمنمة , تشاكسها خصلات شعرها التي تسقط بين
الحين والآخر فترفعها بعيداً عن جبهتها الصغيرة ...
عندي لكِ هدية " لمعت عيناها ,و التقطتها سريعاً ورفعت حاجبيها وقالت "دي أنا!" , الفرحة في عينيّ هند لها لمعة مختلفة , لها شكل خاص يختلف عن كل أنواع الفرحة , يومها وبعفويتها المعتادة ,طبعت قبلة على خدي وقالت " لو علمتني إزاي أرسم كده ..هارسمك ".
عندي لكِ هدية " لمعت عيناها ,و التقطتها سريعاً ورفعت حاجبيها وقالت "دي أنا!" , الفرحة في عينيّ هند لها لمعة مختلفة , لها شكل خاص يختلف عن كل أنواع الفرحة , يومها وبعفويتها المعتادة ,طبعت قبلة على خدي وقالت " لو علمتني إزاي أرسم كده ..هارسمك ".
بحثت
بين التلاميذ , بلا جدوى , سألت التلاميذ "أين هند؟ " علت أصوات عدة
تلاميذ وتداخلت سريعاً , فلم أتبين ما يقولون ’ فطرقت بقوة على المنضدة ليهدأو
لأجد إجابة , عاد الصمت , فأشرت إلى من تجلس بجوارها "أين هند ؟"
فردت البنت " غائبة منذ يومين "
فردت البنت " غائبة منذ يومين "
أنظري ,
نرسم العين هكذا .. ثبتي القلم جيداً , نعم هكذا , لا تجعلي القلم يهتز , نعم , نعم , رائع
بعد أن تكملي قوساً , ارسمي في مقابله قوساً أخر , لا بأس , لا بأس , لا تتوقفي , رائع جداً
ارسمي داخل هذان القوسان دائرة . جميل يا هند أنت رسامة موهوبة , فابتسمت .
بعد أن تكملي قوساً , ارسمي في مقابله قوساً أخر , لا بأس , لا بأس , لا تتوقفي , رائع جداً
ارسمي داخل هذان القوسان دائرة . جميل يا هند أنت رسامة موهوبة , فابتسمت .
عين ماما جميلة , لكن لما بتكون زعلانه مني "بتبرق كده "
تتقمص هند وجه أمها حينما تغضب لتتسع عيناها فأكتم ضحكة , وأسألها "لماذا تغضب "ماما"؟
"أحياناً بتكلم مع جي جي , ولما ماما بتشوفني .. بتزعق " انتي مجنونة عشان تكلمي عروسة مش بتعرف تسمع ولا تتكلم .. المجانين بس هما اللي بيعملوا كده "
أنا أحب
ماما ولكن لا أحبها وهي غاضبة من "جي جي " ليه مش بتحبها هي مش بضرها .
من
الصعب أحياناً أن نقتلع الذكريات , أن نجتثها ببساطة كنبتة تضرب بجذورها فينا ,أن
نستيقظ في الصباح , بدون ذكريات , فلا نتعرف على وجوهنا في المرايا .
تذوب حلاوة الذكريات الجميلة وتترك في الفم مرارة يدوم تأثيرها لبعض الوقت . هنا مقعد "هند" كان يحتك كل يوم بفستانها الوردي وتلك المنضدة كانت بالفعل سعيدة باحتضان كفيّها الصغيرين , هذا قلمها الرصاص , كم وضعته بين أناملها الصغيرة , لتخط به كلمات مرتعشة أو رسم به زهور وفراشات وشمس تبتسم.
تذوب حلاوة الذكريات الجميلة وتترك في الفم مرارة يدوم تأثيرها لبعض الوقت . هنا مقعد "هند" كان يحتك كل يوم بفستانها الوردي وتلك المنضدة كانت بالفعل سعيدة باحتضان كفيّها الصغيرين , هذا قلمها الرصاص , كم وضعته بين أناملها الصغيرة , لتخط به كلمات مرتعشة أو رسم به زهور وفراشات وشمس تبتسم.
تعال
هنا , قف أمام زملاؤك , حافظ على النظام حتى أعود "فهمت " أومأ برأسه ,
وخرجت أنا ورأسي تنهشه كثرة الاحتمالات والشكوك , وبينما أنا أسير بدون وجهه
مُحددة إذ قابلني أحد الزملاء , تلقفته سريعاً , قرأني على الفور وقرأ سؤالي
" أين هند ؟" أتعلم شيئاً ؟
جذبني من ذراعي , ودخلنا فصلاً فارغاً , أغلق الباب بإحكام ,أستند بجزعة على أحد الأدراج , سحب سيجارة وأشعلها , سحب نفساً عميقاً ونفثه وكأنه يزيح ثقلاً عن صدره , "ماذا هناك ؟" لماذا صمّتَ الأن ؟ أخبرني
سأخبرك ولكن تماسك .
جذبني من ذراعي , ودخلنا فصلاً فارغاً , أغلق الباب بإحكام ,أستند بجزعة على أحد الأدراج , سحب سيجارة وأشعلها , سحب نفساً عميقاً ونفثه وكأنه يزيح ثقلاً عن صدره , "ماذا هناك ؟" لماذا صمّتَ الأن ؟ أخبرني
سأخبرك ولكن تماسك .
مررت بأطراف
أناملي على ألوان "رسمتها", خطوطها البسيطة المتعرجة , كان ملمسها يتدرج
بين الناعم والخشن , ابتسامة تشبه ابتسامتي تضيء منتصف الوجه ’ شعرت برجفة وأختل
توازني فارتكزت على أحد الكراسي فأسرع زميلي يتلقفني , فأشرت له بيدي لإبعاده .
" أنا رسمتك " ... وابتسامة بعرض وجهها , أعطتني إياها , ورقة مطوية , ولم أكد أخذها حتى جرت هاربة حتى لا ترى رد فعلي , فتحتها لأجد خطوط تنضب بالطفولة والبراءة , أنا و هي و دُميتها .. نحن الثلاثة فقط
" أنا رسمتك " ... وابتسامة بعرض وجهها , أعطتني إياها , ورقة مطوية , ولم أكد أخذها حتى جرت هاربة حتى لا ترى رد فعلي , فتحتها لأجد خطوط تنضب بالطفولة والبراءة , أنا و هي و دُميتها .. نحن الثلاثة فقط
انحدرت
دمعة رغماً عني لتبلل وجهها الصغير فتختلط الألوان وتمحو ابتسامتها .
كيف حدث
هذا ؟ كيف ؟
كيف امتدت يده لتسحق كل شئ جميل فيها , بماذا شعرت حينها المسكينة وهي مكتوفة
الأيدي , عاجزة عن كف الأذى , ظبية صغيرة لم تمكنها أرجلها الضعيفة من الهروب من
براثن حيوان ضاري , غرس مخالبه في رقبتها الصغيرة بمنتهى القسوة , بدون تفكير لحظة
في العواقب
أصرخت ؟ أم كتمت صرختها ؟ امتلأت عيناها بالدموع وأكتسح مزيجاً من الخوف والحيرة قلبها الصغير لأول مرة , هي لا تدرك أن بقعاً سوداء مؤلمة قد طبعت داخلها إلى الأبد , لن يستطيع الوقت محوها , لن تنساها , ستبقى داخلها الرعشة الأولى لا تفارقها , أنفاسه الحارة الكريهة , ملمس أصابعه الغليظة , نظراته الحيوانية التي تأكل جسدها الصغير الذي لم يعرف الأنوثة .
أصرخت ؟ أم كتمت صرختها ؟ امتلأت عيناها بالدموع وأكتسح مزيجاً من الخوف والحيرة قلبها الصغير لأول مرة , هي لا تدرك أن بقعاً سوداء مؤلمة قد طبعت داخلها إلى الأبد , لن يستطيع الوقت محوها , لن تنساها , ستبقى داخلها الرعشة الأولى لا تفارقها , أنفاسه الحارة الكريهة , ملمس أصابعه الغليظة , نظراته الحيوانية التي تأكل جسدها الصغير الذي لم يعرف الأنوثة .
لن تنسى
عجزها واستسلامها .
أجهشت بالبكاء وشعرت أنه بكاء للأبد , لن ينتهي , سقطت في دوائر لا تنتهي , أخرجتني منها فجأة يدُ زميلي تربت على كتفي . ثم قال : نسيت أن أخبرك أنها بالأسفل .
أجهشت بالبكاء وشعرت أنه بكاء للأبد , لن ينتهي , سقطت في دوائر لا تنتهي , أخرجتني منها فجأة يدُ زميلي تربت على كتفي . ثم قال : نسيت أن أخبرك أنها بالأسفل .
الأعمار
لا تقاس بالشهور والسنوات , الأعمار
تُقاسُ بكم الألم وفداحة التجربة , طالما أنت لم تتألم ولم تجرب فأنت لم تولد ,
نحن نولد بالألم ونعيش ونموت بالألم وبينهما ومضات من الفرحة تخفف منه قليلاً ,
تخدرنا وتبقينا أحياء لحين ألم جديد .
حينما نولد نصرخ من الألم , ألم اجتياح هواء الأرض المُلوث لرئتنا الصغيرة.
حينما نولد نصرخ من الألم , ألم اجتياح هواء الأرض المُلوث لرئتنا الصغيرة.
لمحتها , تجلس مع والديها في غرفة المدير , بدت مختلفة , ملامحها تكسوها الحزن , غرقت ابتسامتها , خفتت , وجهها وجه طفلة في الأربعين , كنت أود أن أتقدم ,أن أفتح الباب ,أختطفها وأودعها صدري ,أبقيها واحتفظ بها لي أنا وحدي , أحتفظ ببراءتها المتبقية .
أضمها
بشدة , ربما عادت هند , ربما عادت هند .
أرغب أن
أهمس في أذنها " أنا أسف يا هند , لم أحافظ على ابتسامتك في "الرسمة
", دموعي أذابت ابتسامتك .
6 comments:
رائع دائما يا صديقي
القصة جميلة بحق
آآآآه ياربى على الوجع
قصة واقعية بتوجع القلب أوى
ربنا يسامحك
اعتدت من كتابات "محمد السيد" على البعد الفلسفي أكثر من أي شيء إلا أن الأمر أخذ في الانحدار قليلا نحو المشاعر الإنسانية في القصة السابقة "كغريبين" ليتجلى هنا في هذه القصة "أنا آسف ياهند"..
* بداية العنوان جميل وشدني ولم أتوقع منه ماجرى بعد ذلك لكنه لفت انتباهي للقصة والبداية اللغوية كانت قوية .
* لمحة ذكية إن المدرس يطرق الباب قبل الدخول قلما تحدث في الواقع ، فعل مهذب يعطى للمدرس احترامه.
* "في لهفة" غيرت الشعور فجأة لماذا؟
المفروض طرق الباب أعطاني انطباع تأنى بعد ذلك سرعة واندفاع من الدفع .
*"أبحث عن وجوه التلاميذ عن وجه مألوف " هل المقصود "بين وجوه التلاميذ"!
* القفز الزمنى بين الفقرات بين تصور الذكريات مع الوصف وبين الحدث الجاري جاء سلس ولم يتعارض ورائع جدا ، استخدامك دايما للومضات الزمنية كان موفق أذكر منه قصة "مبتسر " .
* وصف البنت كان رائع بصدق والتعبيرات عنها كانت بريئة ورقيقة وخاصة ما جاء بذكر عيناها .
* ( القبلة العفوية منها – هارسمك – لمعت عيناها – فرحتها – تقاسمها الشطائر – تراقب رد فعلى - إذا ابتسمت ابتسمت ....) كلها صور لعلاقة حب ولكن بمعناه البرىء ، قوة الترابط نوع من العلاقات اللي لها معنى مش معتاد انه يتصوف بالصورة البريئة دى بين مدرس وتلميذته .. يمتد لآخر مشهد "أودعها ...." كلها براءة شعورية ، حب مختلف وبدون أغراض عكس ونقيض ما حدث لها من ضرر بعد ذلك .
* " من الصعب أحيانا أن تقتلع الذكريات ....... الى نهاية الفقرة دى"
حستها دخيلة أوى على الأحداث مش منسجمة معاها وذهبت بتفكيري بعيدا ، ببساطة اللي يقرأها يظن أن هند لم تعد هنا ربما رحلت أو تركت المدرسة لكن الغياب لمدة يومان لايفعل ذلك " اقتلاع الذكريات " بالذات هل هي مبالغة بالنسبة للموقف !
ادتنى انطباع آخر بأن البطل معتاد أن يسرح بخياله خارج إطار الموقف ليعبر بذهنه في أفكار فلسفية بعيدة عن الواقع الذى هو بداخله نوع من الغياب وكأن الموقف يذكره بأشياء أخرى فيلقيه حيالها وما موقف وذكريات هند سوى إسقاط لذلك ربما !!
* باقي القصة مؤلمة لدرجة تعجزني عن النقاش فيها !
* "لم يعرف الأنوثة " أظنها محتاجة بعدها كلمة "بعد " للتحديد .
*" ألم اجتياح هواء الأرض الملوثة لرئتنا الصغيرة" التعبير ده بالذات جميل جدا وأعجبني .
* "غرقت ابتسامتها " وجود "خفتت" بعدها أظنها ضعفت المعنى لأن غرق الابتسامة أقوى وتدل على تلاشيها.
* "كنت أود اختطافها ...... لآخر الفقرة حتى آخر جملة في القصة رغم ألمها "
أرجعت للقصة شعور البراءة التي رسمت أولها والتي لم يؤثر عليها الحدث القاسي الآخر ، لتنتهي القصة بالبراءة التي ابتدأت بها فأعطاها نقاء جميل وساعد على هذا عدم التصريح بالفعل وان تم فهمه من الوصف والتضمين في الكلام.
* السؤال هنا وبعد هذا ... استنتج المدرس أن هند لن تعود كسابق عهدها ولن تعود ابتسامتها ثم أراد أن يساعدها كي ترجع "ربما عادت هند ..." وكررها لتأكيدها ،
لكن هل ستربط هند بين كونه "رجل" ومن سبب لها الأذى؟ ، هل سيظل المدرس الأقرب إليها وستظل براءة شعورها نحوه كما هى دون أن تربط بين هذا وبين "نوعه" ؟، هل ستبقى الرسمة حاوية ثلاثتهم : هند والدمية والمدرس؟
أم أن دموعها هي الأخرى ستجعل الألوان تتصارع لتشويه صورة المدرس وربما تلاشيها ؟!!!
أشكرك على هذه الكلمات ذات العمق الانسانى المؤلم و الجميل ودمت موفق ،
فرغم اختلاف التفاصيل كل منا بداخله هند التي مرت بتجربة قاسية في مجال من مجالات الحياة المختلفة ،
منا من قاوم واختار الحياة وبدأ من جديد ، ومنا من اعتزل وتقوقع بنفسه واختار الموت ، ومنا من يقف متردد على الحافة بين الأمل والمحاولة :)
ربما يذكرني الموقف بنهاية رواية نقطة النور لبهاء طاهر :
"وهل قال لك يا سالم ما الذي ينقذ هذه الأرواح ؟
نعم , قال الحب”"
ستكبر هند ... ستلتقي بالحب الذي سينقذ روحها ويجدد براءتها يوما ما :)
Hanaa Art
أول مرة ألج إلي عالمك
ولن تكون الأخيرة ، فلقد لمست هنا الكثير من الصدق النادر
دمت بود
أحرف قصت علينا من البراءة ما نتمناها ومن الألم كم لانطيقه
.
. كم أنت رائع
الكثير منا يبحث عن اسرع و اسهل طريقة لكيفية عمل cv بالانجليزي
و لكن يجب أن يكون فى نفس الوقت مناسب و احترافى بحيث يتقدم به الشخص إلى ما يريدة من وظائف
Post a Comment