Saturday, July 07, 2012

عُريّ


كانوا يمارسون هذا الفعل بشكل متقطع و فج ..فليس للتعجب أو الإندهاش مكاناً حين تجد عدد "ممن لا يُعدون على أصابع اليد"  قد بدأ يتجرد من كل ما ثقل وخف..يجرد نفسه بالتدريج مما يغطيه من قشرته الخارجيه ..  فتنكشف عوراتهم المُغلظة , لتظهر سوءاتهم ومساوئهم , لتنكشف بطونهم وأثدائهم المترهلة , تنكشف لحومهم الطرية لتلفحها بعض من سخونة الشمس وأحياناً بعضاً من الصقيع ,  لا يبالون ويصرون على التفنن للفت الأنظار أكثر , لايبالون بنظرات الإستهجان ... , وبمرور الوقت يعتادون كل هذا وتضعف نظرات الإستهجان ويصبح إصرارهم على التعري والتجرد أقوى .. فيضحى التعري مقبولاً وتألفه النفوس .. والقلوب والأبصار ,و
يمارسون هذا الفعل بشكل دائم و فج و لا يجدون غضاضه ..فليس للتعجب أو الإندهاش مكاناً حين تجد عدد "لا تستطيع أن تحصيه على  أصابع اليد "  قد بدأ يتعرى وأنت الأخر معهم

Friday, July 06, 2012

غوايـــة


غواية || لو كنت في عصر غير ذلك العصر , لظننت أنها إمرآة العزيز , ترتدي الجينز والملابس الملونة المكشوفة وغيرها من الملابس الملونة الزاهية التي لم تصمد أمام إنحناءات الجسد , لا أنكر أنها تمتلك قدراً من الجمال واللباقة البراقة, وتعلق إبتسامة تغريك لتبادل الحديث .. وما أن تقترب منك يعصف بك عطر نفاذ يستثير حواسك ويراودها .. حَذرَني منها , ربما تودي بي في لحظات , أنقر بأصابعي على المنضدة محاولاً تجنبها أو تحاشي النظر إليها ... محاولاً سد أنفي من "لقط" عطرها النفاذ ... محاولاً أن أغمض عينيّ عن قوامها الممشوق ... وكأنني بمحاولتي تلك للإبتعاد أقترب أكثر ... أقتربت أكثر , تبادلنا التحية والإبتسام ... تحسست ملمسها الناعم , فركتها .... وأشعلتها
------------------------------------------------------
 على مدار الأيام القادمة .. سأنشر على التوالي مجموعة من الحالات المُركزة .. قليلة الكلمات

Thursday, July 05, 2012

بعد التحية ....



مازالت أم محمود تتعارك كل يوم مع عُمال جمع القمامة وتكيل لهم السباب والشتائم فيهدأهم أهل الشارع محاولين إقناعهم أنها سيدة عجوز بلغت من العمر الكثير , الكثير مما شهدت فيه حوادث وتجارب تشيّب الطفل الصغير , مازلت أتعرف على صوتها تفاصل بائعة الخضراوات  كل صباح على ناصية الشارع وتناهد مع هذه المسكينه فتعطيها ماتريد لتذهب عنها .. مازالت تتكأ على عصاها مائلة بجزعها إلى الأمام لتشق الشارع ببُطئ شديد و تتمتم بعبارات لايفهمها غيرها ,تتهادى بجلبابها الأسود نحو مدخل بيتها حتى تبتلعها ظلمة نهاية الشارع, هل تصدق أن محمود وأخوته لم تراهم أمهم ولا الشارع منذ خمسة شهور أو أكثر

,  مازال جاري عم سعيد الموظف بالإدارة التعليمية  يتشاجر مع زوجته كل صباح ونسمع صياحهما يخترق فضاء الشارع المكتظ بروائح الصباح , روائح الزيت الحار المخلوط بفول " أبو زينب " المدمس " وروائح الأبخرة  المتصاعدة من قدر الزيت المغلي العائم على وجهه أقراص الفلافل وقطع الباذنجان , رائحة الكلور و مساحيق الغسيل الشاردة من قطع الملابس المُعلقة  في الشرفات تتراقص في زهو, وفي أخر الليل  أسترق السمع إلى ضحكات عم سعيد وزوجته من " المسقط "  يخالطها صوت التلفزيون وجو عائلي حميم

مازالن النساء في الشارع  يقفن في الشرفات ساعة العصاري يتفاخرن  بغسيلهن  الزاهي ينشغلن في تعليق قطع الملابس المتباينة الألون بعد أن يقمن بتثبيتها بالمشابك الملونة  , فيضعن الملابس الداخليه البيضاء والغالب عليها اللون الأزرق "بعد أن نُقعت في الماء المخلوط بالزهر على أول حبل" ... ثم يضعن الملابس الملونة من جلابيب و سراويل وملاءات وشراشيف فتظهر كلوحة تتدرج فيها الألوان ثم يخبئن خلفها أقمصة نسائية

مازال رجال الشارع , عم سعيد و أستاذ ابراهيم زميله و عم أبو زينب و الحاج ربيع النجار ومعه حفنه من شباب من الشارع وآخرون من شوارع مجاورة  يجلسون في المقهى يشاهدون محطة تلفزيونية ما تعج بالتجليّات و الخزعبلات التي تُصب في آذانهم صباً , فنذهب أنا و أبو خليل صديقي إليهم  لنجلس ونفتعل مشاكل , وبعد الكثير من الجدل والصياح والصراخ  يغيرون المحطة .. فيستبدلوها بمحطة تتمايل فيها فتيات على دقات الطبول أو بأخرى يتصارع فيها رجال وصياح المشجعين يهز الحلبة  .. فنهدأ عله أخف الضرريّن


لم يتغير الشارع كثيراً بعد أن تركته,  فقط تزايدت أعداد عربات الباعة الجائلين كإنتشار البراغيث في جسد قط شوارع ,وبعد صلاة المغرب لازلت تستطيع أن تميز بوضوح هرج ومرج الأطفال يلعبون في وسط الشارع نفس الألعاب التي يلعبوها منذ عشرات السنين , تجدهم قد أنقسموا إلى مجموعات على حسب أعمارهم وجنسهم , فتجد مجموعة تلعب الكرة وأخرى يلعبون "الإستغماية " وأخرون يلعبون " كهربا " ومجموعة من الفتيات يلعبن " صندوق " فيتقافزن كالعصافير فوق مربعات رسمنها بالطباشير 
وأخرون يتسابقون بدراجات قديمة وصدأة أستئجروها من فوزي " العجلاتي " في أخر الشارع و مجموعة أخرى قد أنزوّا بجوار أحد مداخل البيوت يلعبون "ملك وكتابة " أو يلعبون بصور وورق أبتاعوه من الدكاكين وحينما تتعالى صيحاتهم تخرج لهم أحد سيدات البيوت فتصرخ فيهم فيهرولون هاربين وهم يتقاسمون الضحكات العالية .. يبدو لك حينها ياصديقي أنه مهرجان لن ينتهي أبداً , وعندما نسمع ضجيج غلق الدكاكين قبل منتصف الليل نعرف حينها أن يوماً رحل بدون رجعة , ويحط الصمت كطائر عملاق على الشارع ,على المنطقة بل على المدينه بأسرها , ينتهك صمت الشارع بعض نقر أحذية العائدين , أو صوت صياح بعض القطط  المتصارعة على كيس قمامة أو أنثى , أو نباح كلاب تسير في جماعات صغيرة تخترق الشارع والشوارع المجاورة


 أتذكرك كلما مررت على شرفة شقتكم التي لم تُفتح منذ أن رحلت , شرفتك التي ملأتها الأتربة  , تلك الشرفة التي تشهد على كل شئ , تشهد عن وقفتنا حتى منتصف الليل أو إرتشافنا الشاي فيها حينما أزورك ,أو حتى سهرنا فيها نستمع إلى أغاني عبد الحليم و فيروز وأم كلثوم على الكاسيت الذي أشتراه أبوك من السعودية بعد أن قلبنا الكتب على صفحاتها المفتوحة , أراهن أن ضحكاتنا و دندنات أغانينا المفضلة مازالت تتردد بين جوانبها  وجوانبي


غرفتك .. لم أستطع منع نفسي من سبرها كأنها جرحي العميق الذي لا يلتئم , رص كتبك في مكتبتك الصغيرة ومكتبك وسريرك وخزانة ملابسك و سجادة صلاتك المطوّية على حرف السرير , حاسوبك المُغطى , صورتك المُعلقة على الحائط مؤخراً , لم أستطع منع نفسي من دخولها حينما حملنا والدتك الطيبة بعد أن عادت من هناك , عادت من حيث أصرت أن تذهب ... إلى المُحاكمة
     

Tuesday, July 03, 2012

أن أبقيني داخل دائرة "آمنة "

سألني صديق لي ذات مرة ... ماذا أنجزت طوال حياتك ؟

صمّت طويلاً ... ولم أنطق و فكرت كثيراً .... ربما أكون مولعاً بالبدايات ...أكون متحمساً دائماً ... وما أن يمر الوقت حتى يتسرب الملل ... يلقي بأذرعه الطويلة الملتفة ... حتى على قراءة الكتب ... العلاقات ... الكتابة ,وما أن أقطع شوطاً ...أتوقف كالأبله لايدري شيئاً .... يوخزني ألم الإحساس بالتقصير الدائم ... لأني لا أكمل ما بدأت فيه

ربما يا صديقي ... تكون إنجازاتي طوال عدد سنين طويلة من الحياة
مجرد " وردة " أهدتني إياها طفلة يوماً ما ... وكلمات خطتها لي بأناملها , ربما تكون نظرة ... مجرد نظرة رضا ...أو إبتسامة رضا ... وحينما يتسرب الملل ممزوجاً بألم ... تراودني تلك الأفكار ...

كون أن ألم الإنسان على هذه الأرض ليست له نهاية .... فنحن نولد بالألم ونعيش بالألم ونموت بالألم , وما بال ... الحياة تجذبنا بتفاصيلها الكثيرة ... فتغرقنا بنشوات عابرة وجيزة .. ثم تقزفنا في هوة .. ... فأختلس ذكرى الوردة والإبتسامة والنظرة

الآلم و الأم ..... وكأن الكلمتين أقترنا حتى في تشابه الأحرف

ورغم أني كنت متسبباً في آلام وضعها .. كنت قرة عينيها .. غريب؟
من يتسبب في الآلم يكون الأقرب إلي قلوبنا , فالوطن رغم أنه يكدر ما تبقى لنا في الحياة من وقت ... إلا أننا كلما ضقنا به ذرعاً  نلعنه ونبتعد وسرعان ما توخذنا برودة ... فنعود سريعاً

ورغم أن تلك السيدة أصبحت لا تقوى على الكثير ... لم يرحمها ولدها وهي تستجديه أن يرفق بها ... أن يرحم تلك الهشه ... فترطتم كلمة " يا ضنايا " .... بي ... فأهتز ... تطلقها الأم بعد أن مزجتها ببعض الإستجداء الرحيم ..... تلك الكلمة التي تحمل بين طياتها سنون من الآلم يتبخر مع أول إبتسامة ... نظرة ... أو كلمة رضا ... وتصبح الوردة حُلماً باهظاً ومرهقاً


صديقي .... لا أجد الكثير مما أنجزته .. غير محاولاتي الغير مكتملة
(ألم أخبرك بأنني مولع بالبدايات )... لإستجداء الحياة كما تستجدي الأم ولدها العاق ... لإختلاس لحظات تبعدنا بقدر الإمكان عن الآلم ... أن أبقيني داخل دائرة "آمنة " ..... ولكن هيهات فكثيراً ما تأتي تلك السيارة المُسرعة بمحاذاتي تشق بركة في وسط الشارع .. فأحصل على " اللي فيه النصيب " 

Monday, July 02, 2012

أُسْطورَةٌ الشَامَـــات



(1)
أصبحت تشبهُ أمها إلى حد كبير , كان وجهها مدوّراً , مُنمنم القسمات ذو أنف دقيق , وحين تبرز قتامة السماء تلألؤ النجوم وبريقها, كانت قتامة شعرها و حاجبيها الكثيفيّن يحدان وجهها الصغير فيظهر مُشعاً كقطعة من القمر و عينيّها في وسطه كزيتونتيّن , كان شعرها  مُصففاً بعناية الساقط على جبهتها الصغيرة يفوح منه رائحة زيت مميزة تزينه بأطواق , ألوانه كانت تعجبني ,حتى أنني تمنيت حينها أن أكون بنتاً لنتبادل الأطواق الملوّنة , كنت أذهب إليها لأجدها مُقرفصة أمام أمها على الأرض ومستسلمة لها تماماً تدير ظهرها لها وهي منهمكة في جَدل شعرها المنسدل , تبادلني أمها السلام بدون أن تنظر لي لإنشغالها , تسأل عن أحوال أمي وأخوتي فأجيبها وأنا منشغل أنا الأخر في متابعة الرسوم المتحركة
   
توطدت علاقات عائلتيّنا ربما لأننا تجاوّرنا في المسكن , وربما لأن أبيها كان يقلني إلى المدرسة , وربما لأن أمي أعجبت بكعكة التفاح التي صنعتها أمها يوماً , كان ما يوطد علاقة أي طفلين لم يتعدا الثامنة مشاهدة الرسوم المتحركة واللعب لمجرد اللعب و لكننا زدنا على ذلك الحديث , نعم الحديث , الحديث الذي يتخلله بعض الكذب اللذيذ , إختلاق المواقف والتقمص والبطولات الزائفة و أحلام اليقظة الطفولية و الأساطير التي كانت تتحول إلى حقيقة على ألسنتنا , فنعيشها رغم أننا لم نعيشها يوماً
 
كان مايزال لدينا خيالاً خصباً نحلق به بعيد عن المدرسة والفروض المدرسية والمدرسين والمدرسات و الحقائب المكدسة بالكتب والكشاكيل , لكي نحلق بعيداً عن الأطفال المشاغبون الذين يضايقوننا دوماً, يضايقونها تحديداً وأنا أهب كبطل من الخوارق لأدفع عنها الأذى ضد هجوم الوحوش الكاسرة والعصابات المدججة بالسلاح 

أتعلمين أنني رأيت سوبر مان يسير في السوق بالأمس , فتتسع عينيها منتبهة لكلامي وكيف عرفته ؟ .. فأقترب منها أكثر كأنني أخبرها مكان مغارة علي بابا  السريّ , لقد رأيته يرتدي زيّه الأزرق المُميّز تحت ملابسه ,  هل حدثته ؟   فأهز  رأسي و وجهي يكتسي  بخيبة الأمل .. للأسف , يبدو أنه كان مُستعجلاً جداً  , ربما كان  ذاهباً لإنقاذ أحدهم  من براثن الأشرار و المجرمين
فترتسم على وجهها هي الأخرى علامات خيبة أمل كأنها تواسيني
 
كنا حينها نظن أن الحياة  فيها فقط الأشرار والطيبون , ويمكننا أن نتعرف عليهم بسهولة  فالأشرار وجوههم مُكفهرة , عابسه , يضحكون بأصوات عاليه ضحكات شريرة متقطعة و لهم حواجب مزجزجة ومنكوشه ,أتضح لنا فيما بعد .. العكس تماماً , ليس بالشكل ولا بالمظهر يُعرف الأشرار فنخدع بسهولة  في البداية ,  بل أتضح لنا أيضاً أن داخلنا أيضاً أشرار ... داخلنا ذلك الجزء الشرير , الجانب الأخر من القمر , الجوانب الخفية والشوارع الخلفية الذي لا يطأها الكثير .. حتى نحن لا نطأها أحياناً ولا نعلم عنها شيئاً 

أتعلم ... قالت لي صديقتي أنها رأت ساحرة شريرة , أخافتها كثيراً عندما نظرت إليها , كان شعرها منكوشاً ووجها يملؤه التجاعيد ... تحكي لي ذلك بنبرة في غاية التأثر  بالحكاية  , و كأنها هي من رأتها وليس صديقتها, فأرد أنا بلا أي مبالاة مُظهراً عدم خوفي, وماذا في ذلك ؟ , جدتي  في وجهها تجاعيد أيضاً , أيعني هذا أنها ساحرة شريرة ؟
 
هل تمتلك مِكْنَسَة ؟  نعم جدتي تمتلك مكنسة تكنس بها أحياناً مدخل البيت ... لا لا , ليس لتكنس بها مدخل البيت , من أجل ماذا إذاً؟
لكي تطير بها , فأضحك أنا .. ساخراً منها فتغضب جداً , أتصدقين أن المكانس  والمقاش الخشبية .. تطير  
فتضربني ضرباً لا يؤلم وتجري وقد أنفجرت باكية لتشتكي أمي ... كنت أعود في اليوم التالي وكأن شيئاً لم يكن نلعب ونجري مع أبناء الجيران في الحوش الخلفي , ورغم ضيقه كان عالماً شاسعاً بالنسبة لنا نصول ونجول فيه حتى نودع الشمس لا نمل ولا نكل ونكمل اللعب في شقة أحدنا ... حتى يحط علينا طائر النوم الكاسر فأغل حتى تحملني أمي بعد أن تنتهي من مسامرة هنا أو هناك وتودعني إلى السرير وأنا أحلم بالحكايات والأساطير .. 

هل رأيت شامة من قبل ؟   ما هي الشامة ... وكأنها أكتشفت قارة جديدة و أستطرد في حديثها المشوّق , كانت أمي تحمم أختي الصغيرة هذا الصباح ولمحت تلك البقعة الداكنة اللون على ذراع أختي , فقالت لي أمي إنها " شامة أو وحمة "    إنفجرت الأسئلة في عقلي حينها  هل هي موجودة عند كل الناس ؟ وما فائدتها ؟ هل من يمتلكون تلك الشامات تميّزوا عن بقية البشر , يمتلكون قوى خارقة  مثلاً وهل عندي واحدة مثلها ...؟  تسللت إلى المطبخ يومها لأحاول أن أعرف من أحد مصادر معلوماتي حينها ... أمي أمي هل تعرفين ما هي الشامة ؟

نظرت لي بإستغراب , وبلا أدنى مبالاة ... وهي منهمكة في تقطيع البصل ..  بالتأكيد , ماهي إذاً هل عندي واحدة ؟ وهل فعلاً أصحاب الشامات يمتلكون قوى خارقة ؟  صرخت في وجهي باكية من تأثير البصل  أغرب عن وجهي الأن " الله يخرب بيت الكرتون اللي بوّظ دماغك "
.... أبي .. أبي وأرتميت في حضنة متدللاً على حين غرة " كالقضا المستعجل"   فتكرمشت الجريدة
فحملني ليضعني جانباً بعد أن قبلني ... وقال بدون ان يلتفت " بابا يقرأ الجريدة "  ... فتأملته بنظارته الساقطة على أرنبة أنفه ممسكاً بالقلم يحل تلك المربعات السوداء والبيضاء .. ولم أكن أعلم كيف يستمتع بشئ صعب وسخيف كهذا , وأخترت الوقت المناسب لألقي أسئلتي في وجهه الواحد تلو الآخر ...." بابا .. هل عندي شامة ؟"    فلم ينتبه فأعدت سؤالي بنبرة أعلى  .. فأنتبه
شامة ... لماذا تسأل ؟ ... هل كل الناس عندهم هذه الشامه ؟ ,  بالتأكيد لا , نحن لا نشبه بعضنا البعض , هناك من يمتلكها وهناك من لا يمتلكها ... فوجدت العبارة صداً داخلي .. إذا أنا مُحق .. إنها شئ  مميز لا يمتلكها الجميع , ما حكايتها إذاً ؟ 
وجذبت أبي للحكيّ بعد أن أستلذه... حينما تتوّحم الأمهات يا صغيري في فترة الحمل على طعام معين .. يجدن أطفالهن بعد أن وُلدن قد طبعت على أجساد أطفالهم .. صورة مشابهة للطعام الذي توّحمن عليه ... فقاطعته وما معنى .. تتوّحم
تتوحم أي  ترغب في أكل طعام ما قبل الولادة ...  راقتني الحكاية كثيراً , حكاية ساحرة  , ياله من شئ رائع كم أود أن أتوّحم على 
زجاجة كولا فأجدها قد أنطبعت على جسد طفلي  بعد أن يُولد ... أبي .. أبي و على ماذا توّحمت قبل أن أولد ؟   ماذا ... من توحم ؟ أنت يا أبي  ...  كاد أن ينبطح على الأرض من شدة الضحك ... "الرجال لا يتوحمون يا ولد "  ... يا خسارة ... ماذا ؟
إذن على ماذا توّحمت أمي قبل أن أولد ؟ ...  إذهب وأسألها هي من توّحمت وليس أنا ؟...  فأدرت ظهري وشرعت في شق طريقي مُفكراً كيف أحاول أن أعود لأسأل أمي مرة أخرى ولا تضربني ...  وإذا بأبي يقول ... " أتذكر أنك بعد أن ولدت كان هناك شامة على وسط ظهرك "   فجريت حينها إلى المرآة المُثبته في دولاب غرفة النوم بعد أن شلحت قميصي ... ووقفت ظهري للمرآة أبحث عن الشامة ........  وبعد بحث مُضني
صرخت كأرخميدس ... وجدتها وجدتها ... ولكن ما هذه ... أنها بقعة داكنة اللون , بطول نصف عود ثقاب , ما هذا الشكل ؟ 
سيف؟  ... أنه سيف .. أي سيف يا أبله , لقد قال أبي "طعام"  ... إذن ماذا يكون؟

كيف حال بُرتقالتِكِ الصغيرة؟  ضحكِت وحينما ضحِكت شعرت بتلك الطفلة التي كنت ألهو معها . تلك الطفلة التي غاصت وسط إمرآة لم أعد أعرفها , تشبهين أمُكِ إلى حدٍ كبير ,عينيّك أصبحتا أعمق , يكسر بعضاً من بريقهما نظارة طبيّة , حاجبيّك الغزيران أضحيا   مشذبان أنيقان
ماذا تطلبين ؟   نسكافيه لو سمحت, وأنا  نسكافيه أيضاً ... شكراً 

سادت فترة صمت طويلة وحينما شرعت في سؤالها عن أحوال العائلة , كادت هي الأخرى أن تتحدث, فضحكنا... أنتابتني حالة من الحنين والإشتياق إلى تلك الأيام , تسألت هل هي الأخرى تنتابها نفس الحاله , تذكرت ذلك اليوم الذي كانت تعانق الشمس فيه السُحب التي تطوي داخلها بعض أشعتها الحارقة , كنا نجلس متجاورين وبدا عليها الحزن 
لا أريد أن أكون كبيره يوماً 
ولكن أنا أريد أن أكون كبيراً ... سأصبح في طول أبي ورفعت يدي في الهواء 
نظرت لي و كنت أرى بوادر دموع في عينيّها... الكبار يؤذون بعضهم البعض كثيراً , يسببون الألم 
لم أفهم حينها ما تقصد ولكن فهمت جيداً أنها تتألم 
 إذن سأخبرك أمراً لا يعرفه الكثير...   فقاطعتني.. عن الشامة , أتضح لنا أن الجميع يمتلكون شامات تحت ملابسهم ولا شامتك زادتك شيئاً ولا شامتي  فعلت .. إنها مجرد علامة
فأجبتها في إصرار .. سأعرف حتماً ولكن الأمر الجديد الذي أريد أطلعكِ عليه مختلف , هل تعرفين أين تنام الشمس طوال الليل ؟
لا أعرف ... خمني إذاً ... في البحر نعم في البحر رأيتها عندما سافرنا للبحر , كانت تغوص فيه ولا تخرج إلا ثاني يوم 
لا .. ليس في البحر