Saturday, June 18, 2011

صُدفة أم ألعوبة


الجمال وهو أمر نسبي يختلف من شخص لآخر فليس هناك مقاييس محددة للجمال

الخُلق ... على خلق أي طيب المعشر وهذا يرجع بشكل ما إلى المحيط والبيئة والعائلة والتربية والتنشئة الجيدة

التدين ... أي التمسك بتعاليم الدين الصحيح وإقامة الفرائض والإلتزام بها وانعكاسه على الخُلق
حتى هنا رائع جداً 

السن ... هو عمر الإنسان أي الفترة التي قضاها الإنسان في الحياة منذ ميلاده و فترة طفولته ثم المراهقة ثم الشباب حتى العجز والكهولة ثم الموت وينتهي عندها عُمر الإنسان .

المستوى الإجتماعي ... وهو مرتبط بالحالة المادية بشكل ما والعائلة إذا كانت ذات سُمعة طيبة 

المستوى العلمي أو التعليم أو الثقافة ويرتبطون ببعضهم البعض بشكل ما .. ويختلف التعليم من أدنى مستوياته حيث يمكن أن يكون منعدم تماماً أو تعليماً أساسياً فقط ..أو حتى تعليماً ثانوياً سواءاً كان عاماً أو فنياً ومن ثم ننتقل إلى أعلى المستويات التعليمية أي التعليم الجامعي ويتدرج هو الآخر في مخيلة المجتمع فيرى المجتمع أن أعلى المستويات التعليمية هي دراسة الطب البشري ويطلقون على مدارسها وكلياتها ..القمة يأتي بعدها الدراسات المختلفة بداية من الهندسة والمحاسبة والتدريس واللغات والمحاماة وغيرها من العلوم الآخرى المتعارف عليها من قبل الإنسان .
وليس شرطاً أبداً أن يكون الشخص الذي يتمتع بمستوى تعليمي عالي أن يكون على مستوى علمي مرتفع أو حتى يتمتع بثقافة عامة أو فكر ما .

المرض أي العطب سواءاً كان مزمناً أو مؤقت وهي حالة أختص بها الله مخلوقاته ليشعره بعبوديته وضعفة وإحتياجه المستمر يمكن أن يكون هذا المرض ظاهرياً أو غير ظاهري .. فإزدياد أو نقصان إفراز الإنسولين مرض ... والسمنة مرض .. والإعاقة الحركية مرض ..والإنفصام مرض أيضاً  الامراض معروفة وغير معروفة  .. ومنها المجهول حتى الأن برغم وجودها .

الحالة المادية سواءاً كان غنى أو فقر وبالتأكيد يتدرج من فقر مدقع حتى غنى فاحش وثراء 

الحُب .. وهو أسمى المشاعر في الوجود والحُب بالتأكيد أنواعه ودرجاته كثيرة ومتعددة فمنه 
الهوى والصبوة - مغرم صبابة -  و الشغف والوجد والكلف و العشق و الجوى و الشوق والوُد و الخُله - خليل- والغرام و الهيام 
ومنه حب الله و حب الأم و حب الأخ وحب الزوجه أو المرآة ويمكن أن يكون أفلاطونياً أو جنسياً وبالتأكيد حب النفس... وما يعنينا الأن ذلك الحب المولود بين الرجل والمرآة .. الحب ليس شرطاً أساسياً لبقاء الإنسان حيث أن عملية تكاثر الإنسان عملية بيولوجية بحته كالحيوان تماماً ولكن مايميزالإنسان هو المشاعر فقط.

ونقلاً عن الموسوعة فالزواج اصطلاحا هو العلاقة التي يجتمع فيها رجل (يدعى الزوج) ومرأة (تدعى الزوجة) لبناء أسرة. الزواج علاقة متعارف عليها ولها أساس في القانون والمجتمع والدين، وهي الإطار المشروع للعلاقة الجنسية وإنجاب الأطفال للحفاظ على الجنس البشري.


أغلقت حاسوبها الصغير وتناولت كتاباً بجوارها وأسندت رأسها على وسادة صغير , ثبتت نظارتها  وبدأت في القراءة
"
زهور الحب حمرا لأنها شايلة دم تجاربنا. شايلة موتنا. يمكن مينفعش ندوق طعم العشق ونرفض مر الموت” فكرت قليلاً , وأين ذاقت عشقاً أو حباً , تبدو الكلمات ضئيلة بجوار المشاعر المختزنه داخلها , تبدو الكلمات دائماً تافهه أمام التجربة و التجربة تعني الألم وما دمت تتألم فأنت حي , بئساً لحياة تؤلمنا وتوخزنا بتجاربها لنستمر في الطريق , طريق الألام , هل هي مجرد صدفة أو ألعوبة جديدة , نجد أنفسنا فجأة في وسط الطريق أمام سيارة مسرعة... ويحدث الإرتطام, ونفيق على واقع مختلف , مصبوغ بالمرارة .


معنى حبى ان قلبك لو نادانى اجمع العمر في ثوانى
واهديهولك في ابتسامة احلى من كل المعانى



هكذا قالوا "أن الأوقات المحلاه بالسكر المطحون تكون ألذ من الأوقات السادة ... تذوب الأوقات المحلاة في الفم سريعاً ولا تخلف إلا القليل القليل من طعمها الذي يترسب في الذاكرة. كان حُباً بكراً , وكانت مشاعر الحب تتقافز داخلهم كطيور الصباح على فروع الحياة  كما لو كانت أول مرة على وجه الأرض , أحب أدم حواء كما لم يحب من قبل , وأحبته حواء كما لم تحب من قبل , ربما أطلق أسمها على النجوم والأقمار وربما هي سمّت الانهار والبحار بإسمه , نقشا أسماءهم على صفحة السماء الزرقاء وخلقا موسيقى فريدة عزفاها سوياً على أوتار الطبيعة, زقزقة العصافير وحفيف الأشجار ونقر المطر, كان الحب الإلهي بداية وتلاه أول حب بشري .. حب بين أدم وحواء كزوجين كرجل وإمرآة ليكوّنا عالماً .... كانت الأجمل في عينيه فهو لم يرى قبلها أنثى .. وهي لم ترى قبله رجل ,خُلقت منه فاتكأ عليها طوال مشوار  , ليرحل الأشخاص وتبقى أساطيرهم وحكايتهم ترفرف في ثنايا الكوكب  وظل كل رجل يحب أمرأة كما لم يحبها من قبل وظل يحسبها الأجمل في الكون كما لوكان لم يرى قبلها أنثى وظلت المرأة تحب الرجل وتهبه ذلك الصندوق الوردي الصغير الذي يضخ مشاعر بكر و يتكأ عليها في الحياة كما لو كانت خُلقت منه.


تقدم لخطبتها , ورُفض ...لماذا؟ كان مُحاسباً .. هكذا كان رأي والديها كما كان رأي أخيها الطبيب المشهور ,  مُحاسب ؟؟ أتتزوجين مُحاسباً وأنتي مُعيدة بالجامعة ..؟ كما أن عائلته ....؟  كتمت داخلها صرخه وأتخذت قراراً ..ستتزوج من تحب وأقنعت بالفعل والديها  و تزوجا وعاشا مايقارب شهر ... شهر فقط أستطعا أن يسرقاه سوياً من الحياه هذا هو ما أستطاعا أن يحصلا عليه , ولكن .. وعندما تذكر "لكن " يتلوها ما لا يسر , أخوها وشقيقها وإبن أبوها وأمها... لم يشأ أن يتركهما وأصر على أن يخرب هذا العُش , هي الأن مُطلقة ولم تكمل بعد عامها الخامس والعشرين ... مُطلقة , أصبحت في نظر المجتمع تلك المُطلقة لأسباب يجهلونها هم ويحاولون أن يحزرونها .
جُل وقتها تقضيه منهمكة في القراءة و تدوين الملاحظات و الإستماع إلى أغنيات لا تخلف إلا ألماً كما تمر عليه الساعات بين أرفف المكتبات ,بين الصفحات والسطور و بين صفحات الإنترنت بين مسارات حاسوبها الصغير وكأنها تختبأ في كل هذا من الحياة من البشر, هي الأن بين أكناف قسمها الذي عشقته دوماً " علم الإجتماع " وأكثر ما تمقته الأن هو .. المجتمع بكل مافيه ,ماذا يعني المجتمع غير مجموعة من الترهات ,  ترى الأن الوجه الآخر من المجتمع , الوجه الأسود القاتم الذي يراقبها كفريسة لينقض عليها وينهش فيها كل يوم, كل ساعة , كل لحظة, ذلك الوجه الذي طالما قرأته في كتب ِقسمها وبين أرفف مكتبتها العامرة بمؤلفات ابن خلدون و أوجست كونت وماكس فيبر وغيرهم ,كفرت بعلمها وليست إلا مجرد إمرآة فشلت في إرتباطها بمن أحبت فقط وجدت نفسها في مواجهة رسالة ماجستير موضوعها فشل الزيجات في المجتمع وأسبابه . -------------------


النص الأول من رواية " نون " لسحر الموجي
الأغنية " معنى حبي " لأنغام

Saturday, June 04, 2011

بلــدي وإن جــارت


 كانت هناك على ناصية الشارع تلقي مجنزرة بثقلها على الأسفلت الذي لم يعتاد على جنازيرها الثقيلة وعليها بضعة من العسكر بزيهم اللافت للنظر
, أصطدم بناظريه ذلك المشهد في صباح السبت الباكر عندما فتح نافذة غرفته , تذكر أياماً شاء أن ينساها دوماً ولو كان بيديه لمَحاها من الذاكرة ..

جندي طبيب
.. أحمد محمد عبد الحي محمد
أفنـــــدم
سين أربعة طب .... تعالى هنا
كان مايزال جندياً مستجداً ولم يعرف شيئاً  وصراحة لم يرغب أن يعرف ما هية تلك السين أربعة التي نطقها الصف الواقف على رؤوسهم , كما لو كان واقفاً في سوق نخاسه , الأفضل في تلك الظروف كما تراءى له أن يظل هكذا منتظراً المجهول كما هو بخيره أو بشره , لا يسأل ولا يستفسر عما سيحدث غداً فقط هو يسير في الركب , على عكس آخرون أعتبروا أنفسهم يُساقون ......

أنتقل أخيراً إلى وحدته تلك السين أربعة التي تشكل نقطة منسية في الكون ..أو نقطة سوداء في بحر من الرمال المتلاطم , كانت المرة الأولى التي يرى فيها دبابة عن قرب ذلك الكائن الثقيل الذي كان يترك غمامة في نفسه بمدفعها الشامخ في السماء الذي يعلن عن وجودها وقسوتها الغير مبرره أبداً , مختبراً بذلك خاصية إنسانية صميمة في ذاته ألا و هي التكيف على كافة أشكال الحياة القاسية والتي أبقت الإنسان حتى الأن عى وجه الأرض , ها هو يختبر تلك النظريات على أرض الواقع , يبدو الأمر كابوساً في البداية ولكن مع مرور الوقت يصبح جزءاً من المكان و يصبح المكان جزءاً منه , كأنه ينحت داخله خصائصه المقيته ويتشكل داخله حتى يظن أنه سيبقى في ذلك المكان إلى أبد الأبدين.

تلك النظرة التي رأها في عين إبن أخته ذو العشرة أعوام كانت تختلف تماماً عن نظرته أول مرة لذلك الكائن الثقيل ... الدبابة , كان الصغير ينظر إليها نظرة إجلال غير عادية كأنه يرى شيئاً خارقاً للطبيعة , طلب منه الصغير أن يحمله ليجلس على جسدها البارد الصلب , ولم يشأ هو أن يقترب أكثر , كأنه كان يخشاها ولكنه رضخ في النهاية ..... " بعد إذنك يا ..... " وفكر في ثواني .. كان يمقت تلك الكلمة" دفعة "...  لم يكمل عبارته و أبتسم له الجندي المصلوب على المجنزرة و أومأ برأسه .. أراد الصغير أن يظهر معه في الصورة . "إلا هذا الطلب " ألتقط له الصورة سريعاً والطفل لم يرفع نظره عن صديقته " الدبابة " الذي تمنى أن يقتنيها كلعبة خاصة به بجانب طائرته النفاثة الموضوعة على رف ألعابة.
كانت حرباً بكل ما تعنيه الكلمة , قتلى و جرحى ورصاص حي وقناصة و مولوتوف ... ودماء يضج بها المكان لتصبح رمزاً أو علامة تلتصق بالذاكرة ولا تبرحها أبداً , كان قد جاء بالأمس بعد أن دعاه صديقه وزميله في المستشفى الواقعة في حي من أحياء القاهرة المُعدمة , هناك في وحدته العسكرية قبل سنوات كان أقصى ما يتعامل معه جرح سطحي نتيجة آلة حادة أصابت أحد الجنود أثناء صيانة أو ما شابه أو حتى إغماء أصاب جندياً من حرارة شمس لا ترحم .....أما الأن رؤوس مهشمه وعظام مفتته وعيون مفقوعة, كانت لحظات صعبة الإدراك بالنسبه له ... أنتصف النهار وهدأت الشمس ولم تهدأ وتيرة الأحداث في هذا اليوم الدامي , الساقطون في تزايد ... وهو و زملاءه يلهثون لمحاولة الإبقاء على أنفاس أخيرة متصاعدة  هناك في "وحدة الجبهة" في الميدان هكذا أسموها كانت قريبة من المتحف حيث يتوالى البلطجية كسيل جارف من تلك الثغرة ويهاجمون المتظاهرين بجميع أشكال المقذوفات .


هناك أحداث لا يستطيع الزمن أن يحتويها , تكون أكبر من أبعاد الزمان والمكان , تتفرد تلك الأحداث بتصاعدها وتلاحقها وكأنها ترغم الزمن أسيراً لديها تسوقه أينما شائت وكيفما شائت على عكس المعتاد , كأنما تسوق وتُسيّر الزمن , كأن الأحداث هي النهر  والزمن هو السفينة , تلك الأحداث تبقى حية إلى الأبد برغم إنتهائها , تبقى داخلنا وتشعر أنها مستحيلة أن ندركها بالكامل وأحياناً تعجز الكلمات عن وصفها .. وإن أدركنا أو وصفنا فالبعض وليس الكل فنحن نعجز عن وصف الألوان , عن وصف الأحمر أو الأسود , عن وصف الحب , عن وصف الشجاعة ..... عن وصف البسالة التي تجلت أمام عينيه في شعب , كأن هذا الشعب غير الشعب الذي يعرفه منذ أدرك الحياة منذ أدرك هذا الوطن وأدرك شوارعه بالسائرين المنصهرين فيه , كان يرى في عيني ذلك الشاب قوة ما خفية ... كأن داخله كائنٌ أسطوري ككائنات الرخ والعنقاء , إنها المرة الثالثة الذي يأتي له فيها بجرح أخر ينزف في مكان مختلف  , يلتقط الطبيب الشاب أداته التي بردت قليلاً بعد أن ألهبها ببعض الكحول الذي أشعله ليطهرها و بيدين مرتعشتين بدأ في خياطة جرح قطعي في الرأس , وأنهي " أحمد "على عجل خياطة الجرح ليعود الشاب مرة أخرى لميدان المعركة .... حيث أطفال في عمر الزهور يحملون الحجارة إلى المتظاهرين على الجبهة ... وحيث أمرأة تملئ زجاجات الماء وتخترق الصفوف الأمامية بها لتسد رمقاً جافاً ... وحيث هناك يُجلون مصابين إلى النقط الطبية ... وحيث أطباء إستشاريون وجراحون كان فقط يتمنى أن يقابل أحدهم في أحد أروقة المؤتمرات ليسلم عليه فقط .... إنها ملحمةٌ تجلت أمام عينيه ... ملحمة لن تتكرر يتذكرها كلما نظر إلى ذلك الجرح الذي أكتشفه في نهاية اليوم ولم يشعر أصلاً به عند الإصابه .



وضع بضعة ورقات من فئة المائة جنية في جيبه وشق طريقه هو وصديقه بعد أن حصلا على قبض شهر متأخر وتركا المستشفى المغلقة تقريباً إلا أقسام قليلة بعد هجوم بلطجية بالأمس إثر موت أحدهم نتيجة أعيرة نارية في مشاجرة في الجوار , وأنطلقا إلى أحد مختبرات التحليل لإجراء فحوصات مطلوبة قبل السفر بعد أن أقنعة صديقه بأن هناك مركزاً طبياً في دولة خليجية في حاجه ماسة إلى تخصصه ... كان "أحمد " يسير معه على مضض وهو يتردد تارة ويرفض تارة ويقتنع بوجهة نظر صديقه الذي يشجعه على السفر معه حيث ان البلد " حالها واقف " ومر شهر على الثورة والأمور تسوء , هو لا يفكر الأن إلا في هناك ... عقله ووجدانه تركه هناك بجوار المتحف وعند المسلة وفي المستشفى الميداني في المسجد  , وجوه الشهداء ونظرات المصابين التي كانت تائهة وموقنة في نفس الوقت , كان لأول مرة لا يشعر بإمتعاض من إرتداء معطفه الأبيض طوال الوقت أو حتى بقطعة الورقة التي لصقت على صدره " د/ أحمد    جراحة  "  ذكرته بأخرى كانت موضوعة أيضاً على صدره ولكن حينها نزعها خجلاً بعد أن أنطلق مع زملاءه ليقوموا بتنظيف الصرف بالأمر .

" أحمد ؟"
" ها .....؟  ماذا ؟"
" هل أنت بخير ؟"

أحياناً يكون التفكير قاتلاً ... كان كذلك مع "أحمد " .. كان شغله الشاغل ذلك القرار الذي أعتبره مصيرياً .. تذكر ذلك الشاب الذي يسكن داخله الرخ والعنقاء والذي جُرح لأول مرة فوق الحاجب  ... ومرة في رسغه الأيمن .. والمرة الثالثة  كانت
في رأسه .. أيقن وقتها أن هذا الشعب غير عادي .. خارق لكل قوانين الطبيعة هل يقول فقط هكذا لأنه ينتمي إليه ؟  هل هناك شعوب أخرى خارقه للطبيعة وللتصور ... أللإستبسال والإندفاع للموت بصدورهم العارية معنى آخر غير ..... مِصري , أم أن تلك هبة للإنسان أجمع .... صدق الرسول ....." لقد قررت ...... لن أسافر ...... ؟"

نظر إليه صديقه وهو في حالة صمت مطبق ... وملامح متجمدة

" أحمد ....... عليّ أن أقول لك شيئاً

.......

نتيجة الفيروس إيجابية .

Thursday, June 02, 2011

خـــــفوت مــؤقــت

 
يترك مصحفاً وعباءة ومسبحة خشبية , ويذهب الى صلاة العشاء ,ليصلى الفجر ويعود شهيداً... يمتلك صوتاً أعلى من صوت الرصاص, تتسع ارادته لتنطلق وتشمل قطاعاً بل لتشمل وطناً , برغم كرسيه الذي اعتاد عليه منذ سنين ولكنهم كلفوا انفسهم الكثير ليتخلصوا منه 

ما بال طفلاً لا يهتم الا بألعابه ومدرسته , ما وجه الضرر الذي يمثله طفلٌ مازال يخطو خطوات قليلة في حياة قاتمة , حياة من خلف المعابر و السياج , حياة تُشكل على هدير الرصاص و أزيز الطائرات الأمريكية الصنع , حينها قبض على أصابع يد أبيه , وكأنه لا يريد أن يتركها أبداً, وجد الأب نفسه أعزلاً عارياً وحده أمام رصاص كأنها حدايات لا تفرق ...شكل نفسه درعاً واقياً لجسد طفله الهزيل. 


  كأن هاجساً يطارده بقرب النهاية ,أراد أن يُطل على قريته البعيدة, كانت الأمور قد ازدادت سوءاً في الأيام الماضية ... فقد أعتقل الكثير وزُج بهم في السجون وتُرك هو وحيداً , وحيداً ليواجه قدره , نعم كان قوياً وصلباً ولكن الضربة هذه المرة كانت قاصمة, يتمنى الأن فقط أن يرتمي بين أحضان مُعلمه و أبيه , مرشده ومن أتكأ عليه , تمنى فقط أن ينحني ليمرر كف ابيه على وجهه , ليشتم رائحته التي تعيده الى أزقة قريته الضيقة و ركضه فيها , صحبته , مسجدها الصغير الذي شهد صلاته الأولى واستمعت جدرانه لترديده آيات من الكتاب

تتباطئ دقات القلب .... وتبدأ شعلة الحياة في الخفوت رويداً رويداً .. رغم أنهم يظلون

Wednesday, June 01, 2011

نحن لا نحارب طواحين الهواء... بل نحن في إنتظاره


  هناك قاعدة هامة جداً في تاريخ الشعوب تؤكد أن هناك علاقة طردية بين التقدم والرقي الحضاري ونظام الحكم , ومن خلال قراءة متأنية وموضوعية للتاريخ الإسلامي نجد أن الخلافة الإسلامية التي أستمرت قرون من الزمان وأتحد تحت رايتها المسلمون , هي ليست إلا شكل من أشكال نظم حكم الشعوب التي كانت متعارف عليها حينها , وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم بالفعل بأن الخلافة الإسلامية لن تستمر على نفس النهج الذي أسس له وقد ورد هذا في احاديث كثيرة عن الذي لاينطق عن الهوى ومنها هذا الحديث التفصيلي الذي يوضح نظم الحكم المختلفة 

" ‏تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا ‏ ‏عاضا ‏ ‏فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا ‏ ‏جبرية ‏ ‏فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت " رواه أحمد


وكلمة عاضاً أو عضوض في المعجم تعني   فِيهِ عَسْفٌ وَظُلْمٌ  " الْخِلاَفَةُ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ عَضُوضٌ " أي أن هذا الملك الذي أستمر لقرابة قرون كان فيه عسف وظلم وهذا لا يعني مطلقاً أن حكم الخلافة الأموية والعباسية وما تلاها كان كله عسف وظلم وكان حكماً دموياً طوال أربعة عشر قرناً ,إذاً هناك فرق بين أن جزء منه فيه عسف وظلم و ان كله عسف وظلم
نستنج من ذلك أنه كان هناك  حكم رشيد و خلفاء عادلون قادوا العالم وصنعوا حضارة كانت سابقة لعصرها وشيدوا مدناً كانت قبلة لسائر البشر وشجعوا علوماً أنارت وما زالت تنير العقول , إذن هي حقيقة أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخلافة الراشدة كانت ثلاثون عاماً فقط ومن بعده يكون حكم في عسف وظلم أي فيه قتل ودم وفتن وليس كله .

عثمان بن عفانمن الظلم أيضاً أن نتجاهل حضارتنا الإسلامية الذي أجلها واحترمها الغرب ونعتبر تاريخنا الإسلامي بالكامل تاريخاً دموياً قائم على الصراع على السلطة , فقد كان هناك حكاماً لهم ما لهم وعليهم عليهم كأي بشر يخطئون ويصيبون , فعبد الملك بن مروان الذي حارب الصحابي عبدالله بن الزبير ونحن هنا بمنأى عن الدخول في مهاترات فات أوانها ولم يعد يجدي النقاش فيها , ولكنه في نفس الوقت بنى المساجد والمدارس ودور العلم وصك النقود وعرب الدواوين , وسار على حذوه كافة الخلفاء من بعده حيث اتسعت الدولة الإسلامية لتصبح من اقوى الإمبراطوريات في العالم حينها واكثرها ازدهاراً في العلوم والفنون والثقافة , كما أنار الإسلام مدناً لأول مرة في أوروبا وآسيا .


اما بغداد والتي إذا زرتها تكاد تنطق حجارتها بمجدها التليد , تكاد تنطق بغداد بحاكم رشيد أسس للعدل والإسلام , تكاد تنطق أرصفتها وشوارعها بأقدام وطائتها من سائر أنحاء العالم لتنهل من انهار العلم والفن والثقافة , تكاد تنطق جدرانها بما شنفت أذانها من نصوص ومعادلات وألحان فتحت الأذهان قبل أوانها , نعم كان هناك فتن وحروب ولكن كان هناك حاكم كهارون الرشيد الذي تعمدوا تشويهه رغم أنه نقل لنا انه كان ورعاً وكان يصلي مائة ركعة في الكعبة , وفي عهده وفي عهد غيره كانوا يحتفلون بأعياد المسحيين بل أرتقوا في المناصب والدرجات كغيرهم , ألا تعتبر تلك أزهى عصور المساواة والعدل وإلا ما كان الخليفة المنصور لقب " بأبي النصاري " بعد علاقة وطيدة مع بطريرك مسيحي حينها , ألا تعتبر تلك أزهى عصور التعايش والتي أحتضن  فيها الشريعة الإسلامية كافة الأديان سماوية وغير سماوية بل حتى الوثنية منها عبدة الأفلاك والنجوم , وكان حاخام اليهود في بغداد رأسًا للطائفة اليهودية في العالم أجمع , ولم تجبر قبائل مسيحية عربية على الدخول في الأسلام , وبنيت في بغداد قلب الخلافة الإسلامية الكاتدرائيات في حين أنه لم يُبنى مثلاً حينها مسجداً في "آخن" وهي مدينة ألمانية كانت مركزاً لحكم شارلمان إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة وبمناسبة ذكر شارلمان هناك قصة مشهورة جداً تبين التقدم الهائل الذي كان يحظى به المسلمون حيث أرسل الرشيد هدية ساعة مائية إلى إمبراطور الروم وكانت الساعة في منتهى الدقة تحسب الوقت بالثواني فحسبها شارلمان سحراً ومكيدة , هذا الزمن الذي لم يتكرر وكان المسلمون يعدون رعباً للإمبراطوريات الأخرى وكان أباطرة العالم يأتون ليعقدوا الإتفاقيات لدرء شرور المسلمين عنهم بل ويدفعون لهم الجزية , أتدري لماذا لأن المسلمون كان قد توحدوا تحت راية الإسلام الذي يهان الأن ويُقتل المسلمون وتتعالى صراختهم في انحاء العالم و لا مجيب ألا تتذكر عبارة " ومعتصماه " ألا تتذكر رد هارون الرشيد على إمبراطور الروم حين نكص بوعده واتفاقه فبعث له هارون قائلاً " من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".

هذه الحقيقة التي يعلمها القاصي والداني , الصغير والكبير , مستشرق كان أم مستغرب , نحفظها نحن المسلمون عن ظهر قلب كما حفظنا حديث الرسول الذي ذكرته سابقاً والذي يؤكد أن الخلافة عائدة شئت أم أبيت وخلافة ليست كخلافة الامويين أو العباسيين بل خلافة على منهاج النبوة يكون أساسها الإسلام القويم , فقط البعض نسى أو تناسى تلك الأمجاد بل يريد أن يمحوها من الذاكرة بإدعاء أنه تعلق بوهم أو محاربة لطواحين الهواء , بل أنت من تحارب طواحين الهواء بإعتقادك بان الحل هو المدنية والديمقراطية في حين أن الإسلام يشمل كلاهما وهو الذي رفع من أتخذوه منهجاً رفعهم إلى أعلى الدرجات وجعلهم يسودون العالم بالرقي والحضارة وليس بحد السيف , فهذه المدنية والديموقراطية منقوصة وما هي إلا لعبة يستخدمها الغرب للوصول إلى مأربهم وإلا ما كانت جثث الأبرياء تناثرت في أنحاء العالم بإسم الديموقراطية , أليست الديموقراطية تلك هي التي تغمض عيونها عن قتل هنا و ترصد بنفس العين تعدياً على حقوق الإنسان هناك , لماذا صمتت ديموقراطية الغرب طوال عقود عن التنكيل بالفلسطينيين في حين لم تتراجع لحظة في احتلال العراق وأفغانستان , لماذا لم تصمت ديموقراطية أمريكا عما حدث في مصر وطالبت بإنتقال سلمي وفوري للحكم في حين خرست عما حدث في البحرين واليمن أو حتى السعودية , إنها الديموقراطية , ديموقراطية تشبه تفاحة مغطاة بالعسل المغري في حين أنها من الداخل عفنة وتفوح بالروائح الكريهة , أليست تلك الديموقراطية .

عرفت الأن لماذا هم يخافون من الإسلام ويحاربونه في أرجاء المعمورة , لأنهم لا يريدون حاكماً مثل المعتصم أو الرشيد أو حتى حاكماً مثل عثمان بن عفان الحيي " ذو النورين " الصحابي الجليل الذي نعتّه بعدم العدل في حين أن هناك حديثاً عن الرسول أشار إلى أنه يموت شهيداً عوضاً على أنه من المبشرين بالجنة ولا يدخل الجنة إلا مؤمن فكيف لا يكون عادلاً, و
الذي جنى على عثمان هم كما قال  كبار المؤرخين أقاربه الذين كان يحسن إليهم. وقد أجمع أهل السنة على أن  عثمان كان إمامًا ب‏إجماع الأمة وأنه قتل ظلمًا، فإن كان في الأمة من استحل دمه فقد كفر‏.‏
  عن أنس رضي الله عنه قال: صعد النبي (صلى الله عليه وسلم ) أحدا ومعه أبوبكر وعمر وعثمان، فرجف، فقال: اسكن أحد  "أظنه ضربه برجله"  فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان .
هذا هو الإسلام الذي نريد تطبيقه وهذه هي الخلافة التي نريد إستعادتها , خلافة الرسول والصحابة من بعده , وليس بالتأكيد خلافة فيها عسف وظلم , أياً كانت المُسميات ولكن نريد إستعادة أمجاد الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون , نريدها دولة تطبق الشريعة الإسلامية , الشريعة التي شجعت العلوم والفنون والثقافة , الدولة التي جعلت من اليهود وزراءاً ومن الصابئة قضاة , هذا هو الإسلام الذي نريد تطبيقه إذن نحن لا نحارب طواحين الهواء بل نحن في إنتظار جودو " مسرحية الأيرلندي صمويل بيكيت الشهيرة ولكننا نعلم أن جودو  قادم لا محالة والفرق الجوهري أن جودو لا يأتي في المسرحية برغم إنتظار كلا الشخصيتين لجودو وثقتهم الشديدة في قدومه ولكنهم ييأسون في النهاية ولكن نحن لا نيأس.... هو قادم بشكل أو بأخر .... قادم... الإسلام قادم بإذن الله.