Wednesday, April 13, 2011

مُستَفتَح الكَلِم " ليتَ شعري مَن يقتلك بَعدي؟


هنا لثمهُ جده لثمة مازال يتحسسها على خديه و من هنا كان يهدهده جده ويحمله بحنو ويحتضنه , ما زال يتحسس بشرة الجد الناعمة , رائحته الذكية التي كانت تنبعث من بين ثناياه , ملاطفته له هو وأخيه , كانا هو وأخيه قرتا عينيه وريحانتيه , يحملهما فوق كتفيه , ويلثمهما , ويطوقهما بذراعيه , وإن بكيا تأذى , هو من أسماه حسيناً, مازال يتحسس يديه الشريفتين وهما يربتان على كتفه ويفركان رأسه مداعباً إياه , كان  يركب على ظهره الشريفة في طفولته كان يمشي بهما على اربع ويقول ، نعم الجمل جملكما ونعم العدلان انتما , هو الأن يقف ومن وراءه أهله وبنيه في صحراء شاسعة وقد أشتد عليهم القيظ من بعد حصار شديد , يقف الأن ومازال وجه النبي يمر عليه بين الحين والآخر , صوته وأبتسامته الصبوح.
سقطت دمعة حارة لتسيل على خد لثمه نبيّ يوماً, وبعد أن تساقط أقرب الناس إلى قلبه أمام ناظريه , جعفر وعتيق ومحمد وابنه الكبير علي، وابنه عبد الله ومعظم رجاله , وبعد أن حرقوا خيام نساءه , تقدم بفرسه وأمامه أخوه العباس حاملاً اللواء تاركاً نساءه , بنات النبي , ولكن إرادة الله تسيّر الأمور إلى حتفه وإستشهاده المحتوم فبعد أن سقط العباس . هاهو الحسين وحيداً في الميدان و قد علم أن النهاية قد أقتربت , النهاية التي كان متيقنا منها كما تيقن جده قبل سنوات طويلة , هناك بعيداً عن حجرته النبوية , بعيداً بلاد الأنصار , هناك قريباً من بلاد الفرات , هناك عند كربلاء.

"كان النبي صلى الله عليه وسلم نائما في بيتي فجاء الحسين يدرج قالت: فقعدت على الباب فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه قالت: ثم غفلت في شيء فدب فدخل فقعد على بطنه قالت: فسمعت نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت فقلت: يا رسول الله ما علمت به فقال: إنما جاءني جبريل عليه السلام وهو على بطني قاعد فقال لي: أتحبه ؟ فقلت: نعم قال: إن أمتك ستقتله ألا أريك التربة التي يقتل بها ؟ قال: فقلت: بلى قال: فضرب بجناحه فأتاني هذه التربة قالت: فإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول: ليت شعري من يقتلك بعدي"   **

ثلاثة وثلاثون طعنة في جسد هدهده الرسول الكريم بيديه الكريمتين , أجتذت رأسٌ كان محياها يدخل السرور في نفس الرسول , هو من قال "  أحب الله من أحب حُسيناً"  وقال لنساءه والحسين مازال طفلاً " لا تبكوا هذا الصبي". الألم يكون فقط عند البداية , عند أول طعنه و أول قطرة دماء , أنسابت الدماء وأنسابت معها رائحة أخرى , غريبة وبها شذى لم يشتمه أبدا على وجه الأرض , إنها رائحة الجنة , عند أول طعنة للحسين عليه السلام شعر حينها بقرب رؤياه لجده الذي استوحشه . 

كانت ثورة ضد الظلم ميدانها صحراء شاسعة , أنتقلت تلك الصحراء إلى ميادين وشوارع وقتل ملايين من الحسين عليه السلام , ممن وقفوا في وجه القمع , وقفوا بأجسادهم ليتحملوا ألم البشرية جمعاء , الظلم واحد وان اختلفت اشكاله والشهيد واحد أيضاً , كأنني كنت أرى الحسين بوجهه يُطل على الميادين والشوارع , كأنني رأيته على صهوة جواده يخترق الجموع شاهراً سيفه , هي نفسها الدماء , دماء الحسين التي سالت هنا وهناك في تونس واليمن و ليبيا  والجزائر والمغرب والسعودية وسوريا والعراق وسوريا والبحرين وعُمان ..... إنها نفس الدماء التي سالت من نفس الجسد وبنفس اليد الآثمة .
أسمع الحسين عليه السلام وصوته يتردد في جنبات الميدان ليقول : 
  ليس شأني شأن من يخاف الموت ما أهون الموت علي في سبيل نيل العز وإحياء الحق ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة، وليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه، أ فبالموت تخوفني هيهات طاش سهمك وخاب ظنك لست أخاف الموت إن نفسي لأكبر من ذلك وهمتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت وهل تقدرون على أكثر من قتلي مرحبا بالقتل في سبيل الله ولكنكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزي وشرفي فإذا لا أبالي بالقتل.و هو القائل: موت في عز خير من حياة ذل، وكان يحمل يوم الطف وهو يقول: لو كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي يا سيوق خذيني.

كان طالباً ذو تسعة عشر عاماً يدرس الحقوق في مدينة الثغر الأسكندرية , سماه أبوه حسيناً كجده الذي سُمي أيضاً حباً لسيدنا الحسين, ربما يكون حسين طه حسين قراً عن حفيد الرسول الذي استشهد في صحراء الطف هو و اخوانه وبالتأكيد لم يتخيل أنه هو الآخر سيقتل غدراً برصاصة بعد آداءه للصلاة في مسجد القائد إبراهيم يوم الجمعة , كلاهما قتل غدراً وظلماً وعدواناً , كلاهما قتل بدم بارد , كلاهما شهيد بإذن الله , قتل حسين الصغير الغض ولم يكن إماماً أو حفيداً للرسول , لم يكن متوجهاً الى الكوفة لنصرة من استنجدوا به , وكما حزن وبكى الرسول على الحسين , بكته امه واعتصر قلبها كمداً.... وها هو حسين طه حسين ينطلق نجماً في السماء .
نجماً بين نجوم زينت سماء شاسعة , نجوم متوهجة بإستمرار ولا تنطفأ وكذب من ادعى أنها تنطفئ بل هم أحياء عند ربهم , نجوم تتزايد كل يوم لتضيئ لنا طريقاً مظلماًحسبنا أنه أظلم للأبد , نجومٌ برغم تباين أحجامها ولكنها في النهاية لها نفس الوهج الذي يترك أثراً ذو شجون .
----------------------------------------------------------------
** الحديث :
الراوي: أم سلمة - المحدث: البوصيري - المصدر: إتحاف الخيرة المهرة - الصفحة أو الرقم:  7/238خلاصة - حكم المحدث: سنده صحيح