Tuesday, December 06, 2011

كان الميدانُ جسم أحمدْ. وطنٌ من نوع آخر


أحمد  كان يحلم يوماً ... كان يرى وطنه في عين حبيبته  , أحمد كان شاباً يرتدي الجينز ... يطلق النكات " الأبيحة " أحياناً .. كان يخاف أبيه ويُجله كثيراً  ... وإذا أراد طلباً يذهب إلى أمه في المطبخ  ... يمسك بأي شئ على طاولة المطبخ  ليساعدها  ...فتنظر له أمه ,نظرة بطرفها .." عايز إيه ؟" فيبتسم أحمد إبتسامه نصف ماكرة ونصف بريئة ....تلك الإبتسامة التي كانت تحبها كثيراً  حبيبته...  كان يدخن الشيشة أحياناً  في جلسات الضحكات العالية مع الأصدقاء .و تلفت أنظارهم الفتيات الجميلات اللاتي كان يمرن بين الحين والأخر ... كانوا يتبادلون القصص والحكايات ... عن الذكريات والأحلام والأمنيات ... التي تصعد كلها إلى السماء دفعة واحدة

كان أحمد كائناًَ يقتات على الأحلام ... وكانت تشاركه إحداهن... يوماً ما " سأزوركم في البيت .. أجلس في صالون منزلك... ممسكاً في يدي " بوكيه ورد .. نقيت كل ورده فيه بنفسي " ... أعلم أنني حينها ستكون ركبتي " بيخبطوا في بعضهم " ... أنا الأن سأفعل كما يفعلون في الأفلام ... " عمي أنا يشرفني ويسعدني ... إني أطلب إيد بنتك " وأنتي هناك تختبئين وراء الستائر .. تترقبين وحالك لا يختلف كثيراً عن حالي ....


" انت متخيل فرحنا هايكون عامل إزاي ؟
مش عارف ... إيه رأيــِك نحتفل بيه إحنا الإتنين وبس ... ؟
تصف له الكوشه والمعازيم والسيارة التي سيزفان فيها ... تخبره عن كل التفاصيل

وبعد أن نكتشف ..أننا سنستقبل أملاً جديداً يُولد ...بعد تسعة أشهر...
يوما ما سنجلس سوياً نبحث عن أسماء ... نسمي بها أملنا الجديد في الحياة .... وسنعلم حينها من يحب الآخر أكثر ..أنا أم أنتِ ... " لو كان شبهك يبقى انا بحبك أكتر .. ولو كان شبهي يبقى أنتِ بتحبيني أكتر ..." .... طيب لو كان شبهنا إحنا اللي الإتنين ..؟ ..... واخد " مناخيرك النونو دي " ... بلاش بقك ... أصله كبير ... فتنظر له بغضب مُغلف بالحب ... وتضغط على شفتيها في غيظ ... وتوجه ضربه خفيفه بيدها في كتفه 





يوماً ما

... سأعمل في وظيفة أحبها وأتقنها جيداً ..
. يوماً ما " سأشتري أول سيارة بكل ما نملك من مال ... وتكونين " أنتِ " أول من يجلس بجواري ... نتسكع بها سوياً حول المدينة طوال اليوم ...  وحين ينفذ بنزين السيارة ... نترجل سوياً من السيارة المعطلة ... ندفعها سوياً ونحن نضحك ويظننا المارون أننا مجانين ...   حتى نصل إلى محطةالوقود .. فنفتش جيوبنا عن ماتبقى من نقود  " فكة " لنملئ بها خزان السيارة الجديدة "

" يوماً ما ... سنجلس كهذان العجوزان العاشقان ... في الشرفة

نرتشف الشاي مع " البقسماط " سوياً  في الصباح ... نتفرج على السيارات والمارة ... نجلس طول الصباح نتحدث ونتحدث ..ولا نمل من الحديث ... حتى تلفح أجسادنا الضعيفة نسمة باردة ... فنتساند خارج الشرفة ... إلى داخل شقتنا التي وضعنا كل جزء فيها بجوار بعضها البعض 

راح احمدُ يلتقي بضلوعه ويديه
كان الخطوة-النجمه
ومن المحيط الى الخليج، من الخليج الى المحيط
كانوا يُعدّون الرماحَ
وأحمد العربيُّ يصعد كي يرى حيفا
ويقفزَ
أحمدُ الآن الرهينةْ
تركتْ شوارعها المدينة
واتتْ اليه
لتقتلهْ
ومن الخليج الى المحيط، من المحيط الى الخليج
كانوا يُعدُّون الجنازةَ
وانتخاب المقصلةْ



كانت تتوجه كل يوم إلى الميدان ... على أمر أن تراه .. تتلمس خطواته بين الزوايا ... تتنفس بملئ رئتيها .. ربما تمر نسمات تحمل رائحته ... تبحث عن بقع الدم الباقي المترسب فوق الأرصفة ... وعلى الأسفلت .. بين الضمادات .. تتلمس الحوائط والأسوار والأشجار فربما أسند رأسه أو يديه هنا أو هناك ... تبحث عن بقاياه لتخزنها داخلها .. ذهبت هناك لتقف مع آخرون يشبهونه يحملون نفس ملامحه .. كأنه هو ولكنه ليس هو ... كان لهم نفس عينيه... نفس كفيّه  .. لكن مازالت تفتقد ذلك الجزء الباقي ... الضائع ... تفتقد الوطن .. كان وطنها هو أحمد ... مات أحمد... فمات الإحساس بالوطن داخلها ..!؟

 
لا تسرقوه من الأبدْ
وتبعثروه على الصليب
فهو الخريطةُ والجسد
وهو اشتعال العندليب
لا تأخذوهُ من الحَمامْ
لا ترسلوهُ إلى الوظيفة
لا ترسموا دمه وسام
فهو البنفسجُ في قذيفه
... صاعداً نحو التئام الحلم تَتخّذُ التفاصيل 


---------------------




الأبيات باللون الأحمر ... للشاعر محمود درويش من قصيدة   أحمد العربي