Showing posts with label قصة. Show all posts
Showing posts with label قصة. Show all posts

Tuesday, March 29, 2011

- معطف من قيود - الجزء الثامن

 مــعـــطـــف مـــن نـــوع آخــــر
كأنه صادق حانات وكؤوس النسيان , يعود كل ليلة إلى غرفته المعتمة التي عششت في جوانبها خيوط العنكبوت , كروحه تماما , تجد الكتب المتراصة كأنها تجذب الغريب أن يرفعها , ينفخ الأتربة من فوق الغلاف , ويقلب بين الصفحات التي ما أن يفتحها , تهاجمه رائحة الأوراق العتيقة , الأوراق الصفراء الشاحبة التي تاهت بين سطورها الكلمات.
كاتب قصص , نعم هو كاتب قصص وحكايات , يعشق البوح , يعشق أن يخلق أبطاله ويزج بهم في أحداث تحركهم وتدفعهم دفعا, يتحكم بمصائرهم ويقرر سعادتهم وبؤسهم , أبطال على الورق , يشكلهم من الحروف والكلمات على هواه, هنا على مكتبه بين أقلامه وفي غرفته المنعزلة عن ضجيج الكون , يجلس بين أبطاله و يشعر أنه الآمر الناهي , هنا فقط وليس في أي مكان آخر.
بالتأكيد قصاصاته لا تأمن له خبزاً كافياً يقتات عليه , بل له وظيفة أخرى لايحبها ولا يحب ذكرها أبداً بين أصدقائه , قالوا يعمل  نادلاً في خمارة يقدم كؤوس شراب  , وقالوا يعمل في مكتبة عتيقة في مصر القديمة مع كهلٍ نساه الزمن , وقالوا يعمل مع طبيب للأمراض النفسية والعقلية كتمرجي , قالوا وقالوا كثيراً ولا أحد يعلم الحقيقة أين ؟ ... يستيقظ مع انسحاب آخر أشعة للشمس , ليبدأ رحلة ليلية يعود بعدها مع شمس الصباح ... وهكذا دواليك .
الإنسان كائن محبٌ للبوح ... عاشق ومتيم ومجذوبٌ بالحكايات حتى لو كانت أساطير وخرافات , ولكنها تومض أجزاءاً في سبات عميق , عندما تبدأ في سرد حكايتك , تجدهم قد أودعوا لديك أذانهم وخيالهم ... تتسارع نبضات قلوبهم عندما تقترب الأحداث من ذروتها , من اللحظات الفاصلة , تجدهم قد قدموا لك دموعهم تأثراً بشخوص في خيالك أنت , ولكنك كأنك تزرعها في خيالاتهم , لتجعل تلك الشخوص من لحم ودم , كأنك تصورها أمامهم وهم يمارسون حياتهم اليومية , هنا يجتمع أفراد أسرة يتناولون وجبتهم الآخيرة وهم لا يعلمون ذلك , وهنا فتاة في العشرين تقف خلف النافذة ولا تعلم أن حبيباً يطرق الأبواب الأن ,ليأخذها إلى عالم حلمت به منذ أمد , وهنا سائق عربة لا يعلم أنه سيعود إلى بيته ليجد زوجته تبشره بآمال تعاود من جديد .... لا تنتهي الحكايات , هي مستمرة بإستمرار الحياة , كأننا نعيش حكاية كبيرة نحن ننسجها ولا ندري , نعيشها ولا نعي ما تخبئه بين ثنايها , كأن تلك الحكايات نتوارثها كجينات داخل خلاينا من جيل إلى جيل إلى يوم الدين .
وضع القلم وآخذ يرسم في خياله تلك البطلة كأنها مركزاً لمجرة جديدة ولكنها على الورق , تدور في فلكها الأحداث والشموس والكواكب والأقمار والشخوص في دوران لامتناهي , فبعد أن كتب مقدمة بسيطة عن البوح والحكايات , آخذ في تشكيلها ونحتها كأنها تمثال لأفروديت أخرى , آخذت تتعاظم وتتعاظم حتى ......... طرق شديد على الباب , الساعة الأن تقارب السادسة صباحاً , من ياترى يطرق الباب في ذلك الوقت , قرر ألا يجيب , ولكن الطرق تزايد , قام في عصبية ليفتح الباب , ليجد صديقاً , يدخله مستفهماً عن سبب زيارته له في هذا الوقت المبكر ... كانت علامات الذعر والإنهاك ظاهرة على وجه صديقه , حاول أن يستفهم , وصديقه يشير له بيده أن ينتظر قليلاً حتى يسترد أنفاسه .........
وضع القلم مرة أخرى , ليست بداية موفقة , أحياناً تهرب منه الأحداث المتلاحقة كما لو كانت فرسه جامحة تطيح بفارسها ولجامه, إما ضعفاً من الفارس أو لجموح الفرسه , نعم لقد نحت تلك الشخصية الخرافية لإمرآة تدور في فلكها الأحداث والشخوص وتوقف عند ذلك الجرف لا يعرف أين يذهب ولا يعرف له سبيل , ينظر إلى الساعة التي قاربت منتصف الليل , يقرر النزول متجاهلاً كل مخاطر تلك الساعة , يرتدي معطفه القديم ويلف وشاحه المغبر , لا بأس من تمشية في شوارع وسط البلد الخالية الآن من المارة , عله يتصيد أفكاراً لحكايته الجديدة , كان يسمع من بعيد ضجة تحملها الرياح مصدرها ميدان واسع ورحيب يعج بالآلاف , لم يلتفت وآكمل طريقه , لم يشعر برغبة في التوجه الى هناك الى حيث اصدقاءه جميعاً , يتذكر تلك الليلة التي قرر فيها أن يبيت هناك , وطاردته الأسئلة كما لو كانت وحوشاً تنهش فيه , كانت النظرات تلتهمه التهاماً وتلقي به في قبو مظلم كالشارع الذي يسير فيه الآن , قطع تفكيره نحيب مكتوم يأتي من آخرالشارع , لم يتبين من أين , ولكنه تخيل أن شخص ما يجلس على الرصيف هناك في نهاية الشارع , لم يتبين ماهيته بسبب الظلام وربما بعد المسافة , آخذ يقترب في هدوء وهو يوقن أن مصدر الصوت ذلك الشخص , وما أن قطع نصف المسافة حتى وجد هذا الشخص, الذي تبين انه آمرأه تنهض بسرعة وتبتعد مسرعة مُخلفة وراءها شئ ما , كأنه طفل رضيع ..... أقترب أكثر وهو يسرع عله يحمل الطفل ويعطيه لأمه , حمل بين يديه ما كان يظن أنه طفلاً ... ولكنه تبين أنه ليس طفلاً ...أنه .. أنه معطفٌ مكوّم .
واضعاً المعطف الذي ظنه طفلاً تحت إبطه وصاعداً السلم إلى غرفته , وما ان دخل إلى غرفته حتى فرَدَ المعطف, وكأنها تجسدت أمامه تلك الخرافية , كأنه يراها الأن وهي تتبختر بمعطف أبرز مفاتنها , بطلته التي نحتها بكلتا  يديه على الورق , كأن المعطف قد صُنع لها خصيصاً هي وحدها فقط , وضع المعطف بحذر على أريكته كأنه يحمل رضيعه الأول ويضعه في سريره الصغير . ووقف هنيهه يتابعه ويتأمله وكأنه فتن به , أبتعد عنه ببطأ إلى الوراء ولم يرفع ناظريه عنه حتى أقترب من سريره , فجلس قليلاً ثم مال بظهره الى الوراء شارداً ومستلقياً على السرير حتى ذهب بعيداً .. بعيداً حيث عالمه .. عالم الحكايات .
لي شئٌ يخصني عندك " هكذا فتح عينيه في وقت مبكر لم يعتاد ان يستيقظ فيه , انها العاشرة صباحاً وقد ذعر على طرق شديد ,ليفتح الباب فيجد حارس العمارة وبجوارة إمرآة فقط ...... هكذا هي امرآة , لا توصف بكلمة أخرى غير أنها امرآة , امرآة بكل ما تعنيه الكلمة .... دعاها للدخول وشكر الحارس , " أعتذر المكان لا يليق كما ترين" .... " لا يهم , لا يهم ولكن لي شئٌ يخصني عندك "
" ها ... ماذا تقصدين " ....... " هذا هو ... النائم على أريكتك" 
" هذا المعطف ... هو لكي "
" نعم هو لي "  وبدأت المرآة في رفع المعطف ولكنه سارع و اختطفه من بين يديها 
" ماذا هناك ... أليس من العيب أن تأخذ شيئاً ليس لك , أنك غريب الأطوار حقاً .. ماذا تفعل ياترى بمعطف نسائي كهذا"
.....
" أتعطيه لحبيبتك ؟ "
" ليس لي أحباب "
" إذن لماذا انت متمسك به هكذا ؟ "
" وكيف أعلم انه لكي ؟"
"هناك حيث الميدان ...ميدان واسع ورحيب يعج بالآلاف, هناك حيث اصدقاءك جميعاً , هناك حيث الشارع المظلم الذي كنت أجلس في نهايته على الرصيف "
ولماذا كنتي تبكين ؟
لا يخصك
" إذن لماذا تركتيه ؟ "
" جل من لا يسهو "
في أثناء ذلك الشد والجذب , كان المعطف يُسحب من بين يديه , ليستفيق فجأه وهي ترتديه , ليرى فيها بطلته التي تحولت فعلاً إلى حقيقة من الورق إلى كائن من لحم ودم , نعم إنها هي مجرة تدور في فلكها الشموس والكواكب والأقمار .
توالت اللقاءات هنا وهناك , كأنه أقتيد في طريق لا يعلم له آخر , طريق يُسمى مجازاً بالحب , أحب بطلته الجديدة , عرف النهار وعرف الميدان وعرف الحرية ,بالتأكيد لاحظ أصدقائه ومعارفه تغيراً ملحوظاً وغير متوقع أبداً, فلأول مرة يخبر أصدقائه أنه يعمل في عيادة لطبيب ليس مغموراً هناك عند أسوار القاهرة القديمة , كان يستيقظ مبكراً ليهجر الليل وكائناته الكئيبة , ليبدأ حكاية جديدة يصنعاها سوياً كأنها عجينة يشكلنها كما يحبان بالزعتر كانت أم بالنعناع , فنجان قهوة صباحية يقلبانه سوياً فتغمس أصبعها ليتذوق الحلاوة ويحدد .. مقطوعة موسيقية يؤلفان نوتة لها سوياً ويرقصان رقصتهما على آلحانها ، هما فقط . نسي المعطف وتعلق بصاحبته التي لايعلم من أين هبطت عليه , لم يستفهم ولم يسئل كثيراً , كأنها هدية من السماء لا يجوز السؤال لماذا ولا كيف بل عليه أن يتقبلها فقط .
وضع القلم أخيراً بعد أن أدرك الأن أنه تمرس في ترويض فرسته الجامحة , تمكن من الأحداث تمكناً تاماً , وأصبح يوجه الدفه أينما يشاء , نظر إلى الساعة التي قاربت على الرابعة عصراً , لتعلن عن قرب مجيئ المرأة ذات المعطف , يفكر كيف غيرت تلك المرآة  حياته من النقيض الى النقيض بدون أن يدري , سلبته عقله وفؤاده معاً حتى بات لا يفرق بين الواقع والخيال , بين مالمسه بيديه وما يدور في خيالاته.
ينظر في الساعة مرة أخرى ليكتشف أنها قاربت على منتصف الليل,ويكتشف فجأة أن المعطف مازال جاثياً بثقله على أريكته لم يتزحزح , أين بطلته وأين ...... 
يبدو ... يبدو أنه تاه في وسط النص في دوامة ..كأنها أحدى المجرات , نعم تلك المجرة التي تدور في فلكها الشموس والأحداث والكواكب والأقمار و الشخوص وكل شئ , إنها تلك المرأة , إنها تلك المجرة , هل أصبح هو الآخر يدور في فلكها بدون أن يشعر , جذبته في مدارها حتى أصبح واحداً من تلك الأشياء ... مجرد شئ , لم يصدق أنه أسر بتلك السهولة , فجأة وبدون مقدمات بات أسيراً لكائن خلقه بيديه .. شكله ونحته كتمثال آخر لأفروديت ... حمل المعطف بين يديه ونزل إلى الميدان باحثاً عنها ... إمرأة ... إمرأة بكل ما تعنيه الكلمة , لم يُدرك أنها لم تخلق بعد لم تخلق إلا في خيالاته , كان مازال مأسوراً بها هائماً على وجهه باحثا عنها بين الوجوه , رفع المعطف عالياً في وسط الميدان وأخذ يصرخ " لمن هذا المعطف ؟ "  ظنوه مجنوناً !  كان الجموع في وادي وهو في وادي آخر, لم يجدها ولن يجدها برغم أن داخله آمل أن يصحو على طرقات سريعة وعنيفة على الباب لتوقظه من نوم ثقيل ليسارع لفتح الباب ويجدها تأتي لتسترد معطفها الذي نسيته في أحد المرات السابقة .
ترك القلم وأحتضن المعطف وقرر أن يخرج من دائرة النص التي صنعها بنفسه وأُسر داخلها ... ليفتح الباب ويسمع من بعيد ضجة تحملها الرياح مصدرها ميدان واسع ورحيب يعج بالآلاف... ويقرر أن يترك نفسه للرياح علها تحمله إلى صاحبة المعطف الذي يحمله.

Sunday, March 27, 2011

مُـــخـــتـــلـف


كنت أسارع الدقائق والثواني , قبل أن ينتقل العقرب الصغير ليعلن منتصف الليل , كانت دقات قلبي قد توحدت مع ساعة اليد في معصمي , أسارع الخطى قبل الثانية عشر , قبل موعد حظر التجوال , أنظر إلى الهاتف الجوال , الذي أستسلم منذ قليل للإنهاك والتعب بعد يوم شاق , أحاول أن أنعشه قليلاً عله يعود , كل ما أخشاه الآن أن يحدث لي مكروهاً ولا أستطيع أن أخبرهم في المنزل عن مكاني , بالتأكيد هم الآن في غاية القلق والفزع , أتخيل أبي يقف أمام الباب , وأمي تبحث في المفكرة عن أرقام أصدقائي لتتصل بهم وتسألهم عني , بالتأكيد سيخبرونها أنني تركتهم منذ أكثر من ساعة , اللعنة على الطرق وخطوط السير المزدحمة قبل ساعات الحظر.
أنها الثانية عشر وأسمع الآن بأذني صوت أبواق عربات دوريات الحظر, وقد بدأت في شق طريقها الخالي والموحش إلا من بعض الهوام و بعض سيئي الحظ مثلي , أركض وأركض في الشوارع الجانبية , تتقافز الأفكار في خاطري  , رؤيتهم لي فقط وأنا أركض كافية لتثير الشك والريبة في نفوسهم , إذاً ماذا أفعل هل أسير بشكل طبيعي , أم ماذا ؟  
أحاول أن ألتقط أنفاسي مختبئاً بجوار صندوق نفايات في زقاق ضيق جانبي , أقرر أن أركض على جانب الشارع وإذا شعرت بقرب إحدى الدوريات , فلأختبئ بسرعة في أحد الأزقة الجانبية,
أسير على الخطة التي قررتها , ركضت كثيراً على الرصيف , وفجأة رأيت أضواء مصابيح عربات الدورية الساقطة على الإسفلت عند التقاطع , تراجعت بخطوات فزعة حتى لا أثير جلبة, وما أن استدرت لأدخل زقاقاً حتى شعرت بكفٍ ثقيلة تدفعني بقوة لأرتطم بالرصيف , أحاول أن ألتفت إلى الوجه , ولا ألمح إلا خوذة صماء ... أرى فيها انعكاس ملامح موجهي المذعورة !

لا أشعر إلا وإبرة تنسحب بعنف من يدي , لأكتشف أني قد وقعت في يد دوريات الأمن , كنت مستلقياً على سطح أملس وبارد و يدي اليسرى مُقيدة في أحد الأعمدة خلفي , جاء أحدهم ليفحص يدي اليمنى ويرفع ذقني إلى الخلف , ويذهب ... لا تتخيلون أبداً كم الأفكار الرهيبة التي كانت تتخبط في رأسي وتتصارع , كانت تتوالد وتختفي كأمواج هادرة تضرب بلا هوادة داخلي مُخلفة رعشة قوية ليست سبباً لبرودة الجو أو حتى السطح البارد الأملس الذي أرقد عليه , قطع شرودي في السقف المصمت أحد الحراس ( هكذا ظننت ) ليفك القيد ويصطحبني إلى غرفة أخرى تشبه غرفة تحقيق , تشبه التي أراها في الأفلام , مصباح صغير معلق في وسطها , مُسقطاً ضوءه في وسط الغرفة .

 في ذلك اليوم عندما عدت بصحبة أبي وأخي , نُهرت كثيراً من كليهما , وما أن فتحت الباب حتى أخذتني أمي بين ذراعيها وتخيلت أنها لن تتركني بعدها أبداً , نظرت لي ولطمتني لطمة خفيفة , كان لها وقعاً أكبر من تلك الضربة التي تلقيتها في الزقاق تلك الليلة , كانت تحاول النظر في عينيّ وأنا أشيح بوجهي إلى الأرض , لا أريدهم أن يروا دموعي رفعت رأسي و كانت تقبض بيديها على كتفيّ وتهزني بعنف " أنت رجل ... أنت رجل ..الرجال لا يبكون " .

لا أنسى أبداً تلك الدقائق الأخيرة في مقر الأمن في تلك الغرفة , رجل في اواخرالثلاثين يجلس على كرسي خلف المكتب الصغير , يشعل سيجارة , يقدم لي واحدة  فأومئ برأسي بالرفض على استحياء و يبدأ في الحديث : أنت تعلم ظروف البلاد جيداً لذا أنصحك في المرة القادمة ألا تتأخر إلى هذا الوقت , تواجدك في الطرقات إلى هذا الوقت يعرضك إلى الإعتقال .
أتهيأ لإطلاق بعض الكلمات ولكنه يسبقني "أعلم أنك لم تقصد ذلك لقد تأكدنا من هويتك " ...... وفي لمح البصر قفز بجسده فوق المكتب ليمسك بذقني بعنف " إذا كان هذا لايعجبك .... هَاجر ..أترك البلاد ..نحن لسنا جالسون هنا لنقبض على أمثالك لنكتشف بعدها أن طفلاً كان يلهو في الشارع لوقت متأخر " ....كان صوته يعلو ويعلو ورذاذه يخترق مسام وجهي بعنف , ترك ذقني وانتفض من مكانه فقمت بدوري لأجده يقبض بيده رقبتي ويدفعني إلى الحائط " إياك ... إياك أن نجدك مرة أخرى حينها لن يعثر عليك أباك أبداً " و سدد في بطني ضربة سقطت على الأرض على إثرها وأنهال بقدميه يركلني في أنحاء جسدي بعنف, وعاد إلى كرسيه لينفس الدخان كما لو كان ثعباناً ينفس سُماً و هو يطلق بعض الضحكات وأناأتلوى من الألم.
هَاجر" تلك الكلمة التي ترددت لأيام داخلي , بل لأسابيع كنت أتحاشى النظر إلى أبي , وهو أدرك السبب , يبدو أنه كان مُتفهماً , ترك ذلك المحقق داخلي أثراً سيئاً لا تمحوه الأيام ولا الأسابيع , كنت لا أطيق النظر في وجه أبي , كنت أشعر أنه يتألم بل يتقطع من داخله , لم ... لم تتلاقى عيوننا منذ فترة طويلة , في تلك الليلة , كنت مستلقياً على السرير .. لم أغفو بعد , وسمعت طرقاً على الباب , أجبت " من ؟ " ..... " أنا ... أنا أبوك " ..بصوت منخفض ومستكين , عضضت على شفتي , ونهضت في بطأ إلى الباب , وأرتميت جالساً وراءه " ماذا تريد ؟ .... أتركني أرجوك ..أتركني الأن , لا أريد أن أراك , لا أريد أن أسمع صوتك ..!؟
أرجوك يا بني .....أ ..أ..أنا أبوك وليس المحقق ...أعلم  أن هذا مؤلم ....؟
أرجوك ...أرجوك إبتعد ...إبتعد ..إذهب بعيداً 
  لمـــاذا "  أطلقها أبي وكأنه يقتلع شوكة من قلبه , أحسست بالألم في بحة صوته المتهدج وهو يمتنع عن البكاء 
ضربت على الباب عدة ضربات ...ونهضت من مكاني وفتحت الباب بعنف 
نظرت في عينيه ..وكأنه تلقى ضربة مني ...." أتعلم لماذا لا أريد أن أراك ...أتعلم لماذا؟  لأنك تذكرني به ..أنت لم تشعر بالإزدراء والقهر والظلم من رجل يحمل وجه أبيك ...لم تشعر بتلك المشاعر التي تدفعك إلى الجنون..أتعلم لماذا ؟ علمت الأن ...بالتأكيد لا تعلم شعور أن يسبك ويلعنك بنبرة صوت أبيك ..؟
علمت الأن ... أن يقهرك و يسبك أبيك 
أنا لست من قمعك أنت تعلم ذلك ... وليس لي ذنب في ذلك , أنت من تسببت بذلك
نعم بالفعل أن السبب ...أنت بالتأكيد لست هذا المحقق أنا أعلم ذلك ولكنك تحمل ملامح وجهه ونبرة صوته 
هذا ليس ذنبي .... هكذا هو العالم , هكذا خلقنا ...كلنا لنا نفس الملامح والصفات والعقول والأفكار والهويّات , والتقاليد و كل شئ ... كل شئ , ألست تشبه أقرانك في سنك , وأمك كذلك , وأختك أيضاً وأخيك وكل البشر من حولنا ... كلنا متشابهون , كلنا نمطاً واحداً , نفكر بنفس الطريقة , ونسلك نفس السلوك , ولنا نفس المعتقد والدين؟
لماذا ؟
لا تسأل ..لن تجد إجابة 

----------
هكذا ولدت في هذا العالم الذي تطابق فيه الجميع ليصبح كأنه نسخة واحدة , فمنذ ان تفتح إدراكي على هذا العالم وانا لم أبلغ اصابع اليد الواحدة , لم اميز أبي وأمي من صوتهم ولا وجوههم أو حتى أشكالهم , وعندما أرتدت مدرستي الاولى كان أقراني متطابقين في الشكل و في الهيئة وفي نبرة الصوت , وعندما كبرت قليلاً علمت ان هناك رقماً وإسماً على يدي اليمنى و أعلى رقبتي مطبوعاً منذ ان ولدت , وأيضا بطاقة هوية معلقة في الرقبة ...هكذا أعتدت على هذا العالم المتطابق, فكلنا نمتلك نفس الافكار والتقاليد والمبادئ , لذا اعتدنا على التطابق الذي وهبنا الراحة , هم كانوا يقنعونا بذلك في المدارس والجامعات, ان التطابق نعمة وميزة , لأن الإختلاف يسبب لنا الكثير من المشاكل والكوارث , وكانوا يبرهنون على ذلك بالآخرون ,  ولم يعطونا تعريفاً محدداً للآخرون ,  فقط أخبرونا انهم يقتلون بعضهم البعض , بل أنهم سينقرضون في النهاية بسبب إختلافهم , وقالوا أيضاً أننا تعرضنا لغزو ما تسبب في شذوذ بعضنا في أفكاره أوحتى هيئته , فأصبح مريضاً " بالإختلاف "؟
كان ذلك منذ سنوات طويله , سمعت أن النظام قاوم ذلك و نجح بالفعل في القضاء على معظم المختلفين عن طريق محاكم التفتيش التي كانت تعدم كل من يُتهم بالإختلاف , فكانت تهمة واحدة بالإختلاف من أحدهم كفيلة بالقضاء عليك انت واسرتك , وان كان القضاء على المختلفين من حيث الشكل كان سهلا ولكن كان القضاء على هؤلاء المختلفين من حيث الأفكار كان صعباً ,هكذا خلقنا نرفض الإختلاف بعنف ,لاننا أعتدنا على التطابق في كل  شئ 
منذ أن يولد الطفل الصغير وتولد معه مشاعرٌ تغرس في قلب أمه , تميز طفلها بين العشرات برغم تطابقهم في الشكل , هناك رابطة غيرمرئية ما تربط بين أفراد العائلة الواحدة , فأنت لا تميل إلى احدهن لأنك أعجبت بملامحها ,بل لأن هناك قوة خفية تجذبكما سوياً .
أعتدت تلك الحياة ورتابتها , فكل شئ هنا متطابق يسير على نفس المنوال, فالبنايات هنا ذات نفس الطراز حتى الطرق والمركبات والملابس , هنا لا مجال للإختلاف ولا مجال للتميز, لا مجال للشذوذ عن القاعدة, تلك القاعدة التي خرقتها تلك الليلة وأنا أركض في الشوارع عند منتصف الليل , هنا مقرات علاجية للمختلفين , فهنا أضحى الإختلاف مرض , والمختلفون مرضى ...؟
--------------------------------------------------------------------
أنتهت القصة ولم ينتهي عالمنا من إختلافه وتباينه منذ أن هبط آدم عليه السلام من الجنة لأنه أختلف, وسفك الأخ دم أخيه لأنه أختلف معه , وأختلف كل الأنبياء مع أقوامهم فإما أهتدوا وإما ذهبوا بغير رجعة , وأختلفت الشعوب مع حكامها فقامت الثورات , وأختلفت الدول فقامت الحروب , وأختلف رجل وآمرأة .... فخلفا طفلاً ممزقا ؟
قبل مئات السنين أختلف المسلمون مع ماجاورهم من حضارات مختلفة ومتباينة , فأنصهروا جميعاً في إناء واحد , أنغمست فيه فرشاة لترسم لوحة بديعة على مر العصور , ذاب فيها المسلم وغير المسلم , المسيحي واليهوي , حضارة مازالت تتحاكى بخرافيتها الأجيال حتى الآن,عندما يتتلمذ المختلفون على أيدي بعضهم البعض فيشكلوا لنا أربعة مذاهب كأربعة أعمدة ترفع سقف الإسلام عالياً...إختلافنا رحمة

Friday, March 11, 2011

يمامة



كان لي صديق أعتبره واحداً من الأصدقاء المُقربين , صهرتنا السنين معاً لنشكل مزيجاً متجانساً برغم إختلافنا , أعرفه منذ الكثير, نعم منذ الكثير ,سنين تكفي لأعرف تقريباً كل تفاصيل حياته ,اشاركه أفراحه و أحياناً همومه التي يبوح بها , فرقتنا الحياة ورغم ذلك بقينا سوياً , تقاربت عائلتينا كرد فعل طبيعياً , كان له أخاً كان يصغرني بحوال أربعة سنوات.
كان الأخ الأصغر المدلل دائماً أخر العنقود كما يطلقون عليه , كان لطيفاً ومرحاً ومحبوباً من الجميع , أتذكر ألعاب الطفولة في الشارع والعراكات الصبيانية , يوم ان كانت ضحكاتنا تعلو لتلمس السحب , كنا نضحك حتى تكاد تتوقف قلوبنا من كثرة الضحك, كانت أمي تسمينا عصابة , كنا نقضي الوقت سوياً أناوأختي الصغرى وصديقي وأخيه الأصغر أكثر مما نقضيه مع عائلتينا , في مدخل بيت الجدة نجتمع وكل منا يخرج الأشياء التي أتفقنا على أن يحضرها منا سلفاً , فهذه أعواد خشبية طويلة وهذه قطع "مشمع " وأكياس وهذه بكرة خيوط وهذا صمغ و هذه أوراق ملونة , كل هذا لنصنع طائرة ورقية .
كان حُلماً بعيد المنال حينها , نعم أن نصنع طائرة ورقية وتطير عالياً لتلمس السحاب كما تفعل ضحكاتنا , أنهمكنا نحن الأربعة ولو كانت أختي الصغرى ليست كبيرة كفاية لتدرك تلك الأحلام ولكنها كانت تشاركنا ذلك لم تكن قد تجاوزت السابعة , كانت تضحك لأننا كنا نضحك , فقط هكذا , فالنعد لحُلم الطائرة الورقية , ربما لم نكن نحكم ربط الأعواد جيداً من الوسط لذا لم تنجح , أم أن الذيل ليس طويلاً كفاية , كنا أصغر من أن نتقن صنع طائرة ملونة كبيرة , سئمنا من تلك الطائرات الصغيرة التي لا تقوى على مواجهة الريح ولاترتفع عالياً . في المحاولة الثالثة أو الرابعة على ما أتذكر نجحت , أتذكر تلك البسمة التي أرتسمت على وجه أختي وهي تقفز عالياً والطائرة تعلو وتعلو وتعلو وتعلو وتعلو , وتعلو ضحاكتنا نحن الأربعة و وترتفع " يمامه " هكذا أسميناها , أختارته أختي , كانت تحب اليمام وحلمت أن تقتني واحدة , كانت تحبها لأن جدتي حكت لها كيف أن اليمامة ساعدت النبي في الغار , لذا أحببنا نحن أيضاً " يمامة "أتفقنا أن تنام بين أحضان كل منا ليلة , كنت أساعد أختي عندما كانت تمسك بالخيط حتى لا ينفلت منها لجذب الرياح وحتى لا تطير نعم هكذا كنت أظن أني لو تركتها ربما ستطير مع " يمامة " .
كانت في البداية أياماً صعبة علينا, كنت أنتظر تلك الصورة المنطبعة في ذهني له , يوم أن جاء صديقي من أول زيارة له , أخرج هاتفه لأشاهد صورته , تغير تماماً أو ليس تماماً , فقد الكثير من وزنه بجانب شعرة القصير جداً , أشعر أنه أصبح أطول , أصبح لون بشرته داكناً إلى حد ما , متى أول أجازه له ؟ سألت صديقي , أجاب بعد شهر , وقت طويل ولكن هو أختار ذلك الطريق فليتحمل ويدفع الثمن .دقت أختي على الباب بعنف لأستيقظ , فتحت ووجدتها تلهث وتحاول تكوين جملة , لقد جاء !!.... من؟ وكأني أسأل السؤال وأستحضر الإجابة في نفس الوقت " ديدو " ,أومأت برأسها وألمح في عينها دمعة تحاول سحبها بسرعة , هرولت بسرعة وأنا أقفز على درجات السلم , وأفتح البوابة , وأجري إلى وسط الشارع لأحتضن " ضياء" , أحتضنته بدون أن أدقق في وجهه أو فيما يرتدي ,كان صديقي يقف بجواره " ديدو " لا هذا الأسم لا يليق أبداً بضابط شرطة , كفارس يرتدي بذته البيضاء النقية , دققت في وجهه أصبح رجلاً , كأني أكتشفت رجولته فجأة بدون مقدمات , برزت عظام وجهه , أصبح في طولي لفقده بعض وزنه , كان يبدو قصيراً فيما مضى ,لمحت أختي تقف في الشرفة , نظرت ورأيت نفس بسمة يوم أن أرتفعت "يمامة" و" ضياء" هو الأخر نظر ,أشار لها وأتسعت ضحكته بعرض وجهه تقريباً , ولمحت حباً ينبت ولم أشأ أن أتدخل .هاهي العصابة أجتمعت مرة أخرى " وتعالت الضحكات , أطلقتها أمي كمزحة وهي تقدم العصير للضيوف صديقي وديدو ووالديهوأضافت أم صديقي " كبرتم و شيبتونا " أتتذكرين يا "هند" وأنتي لم تتجاوزي الخامسة عندما كنت تنادين على ضياء ب "ديدو " هاهو ضياء سيصبح ضابطاً , أجابت أمي "كان صعباً عليها كثيراً لفظ ضياء وقتها , كان ديدو أسهل , " والله ومازالت تناديه ديدو بل نناديه جميعاً " وتعالت الضحكات ووجه هند قد أزدادت حمرته وهي مرتبكه تهرب من النظرات .أخرج سيجارة من علبة كانت متخفية في جيب سترته أثناء ما كنت أقود وكلينا متوجهين إلى وسط المدينة , أسترقت نظرة إليه تاركاً الطريق , ووجهي يعلوه نصف بسمة وحاجب مقتضب جراء إستنكار ومفاجأة , " منذ متى ؟" لم يجب , لا حظت قليلاً أنه تغير , حاولت أن أبدأ حواراً معه لأحاول أن أفهم , " ها كيف الحياة هناك ؟ هل أنت سعيد ؟ " أجاب بلا إكتراث وهو ينفث دخانه من النافذة التي أجبرت على أن أفتحها " نعم , قليلاً " , حاولت أن أستفهم منه عن وجود مشكلة ما , حاولت أن أسلك طريقاً ربما تكمن فيه المشكله , وحاولت أن أقنعه" تبقت سنة فقط على تخرجك من كلية الشرطة ", وأنه يجب أن يصبر قليلاً , غداً سيتخرج ويُعيّن ويصبح ضابطاً . لكن يبدو أن تلك ليست هي المشكلة , تركته قليلاً ربما يتكلم من تلقاء نفسه .أرتجلنا ومشينا وسط زحام وسط المدينة , لنصل إلى أحد المتاجر التي أقنعني أنها تبيع ملابس جيدة أبتاع منها في أحد المرات .
كنت أسير معه تاركاً له الشوارع التي نسلكها لمعرفته مكان المتجر , وجدته متوجهاً نحو شارع ضيق يقف بعرضه صفاً من الجنود الذين يسدوه , لم أشأ أن أعلم لماذا هو مسدود, ولكني وجدته متوجهاً مباشرة إلي ذلك الشارع بالذات , جذبته من يده وسألته إلى أين هو ذاهب , يبدو أن هناك مشكلة ما في هذا الشارع , وأشرت إلى الشارع المجاور والموازي له , أعتقد أن هذا الشارع سيوصلنا إلى نفس الإتجاه , أجاب " لا لا سنمر من هنا تعال " , لم أفهم ووجدته أخذ بيدي مخترقاً صف الجنود , وقام الجندي بدوره بالوقوف أمامه قائلاً " ممنوع يا أستاذ " غضب ديدو أوضياء لا يهم , وحاول دفعه ولكن الجندي كان أسرع فدفعه هو , لم تكن الدفعة قوية لدرجة جعلت ضياء ينعته بالجنون ويلطمه على وجهه وينهال عليه ضرباً , كنت واقفاً مذهولاً لا أتحرك ,و كان الجندي أيضاً مذهولاً وسقط على الأرض جاحظاً وناظراً إليه , فتجمع الجنود عليه وكادوا أن يفتكوا به , لم ...لم أعلم ماذا أفعل حينها هل أضرب صديقي الأرعن أم أضرب الجنود , ولكن أستدرك هو الأمر صارخاً فيهم " الا تعلمون من أنا ؟ " " أين الضابط المسئول هنا ؟ " جاء الضابط وأخرج ضياء " الكارنيه " ضحك ضحكة حاول أن يكتمها " فعلت هذا وأنت طالب فماذا تفعل وأنت ضابط " .

لم أشأ أبداً أن أتحدث أو أبدأ حواراً لأنني الأن فهمت , كنت أقود السيارة في طريق العودة والصمت يقودني في طريق الوجوم وهو ينفث دخان سيجارته الذي يكون غمامة رعدية فوق رأسي تضرب برعدها بعنف .هرولت لأفرغ ماتبقى في جوفي , ولم أتبين السبب هل كان دخان السجائر أم سبب أخر , سحبت قدمي إلى غرفتي , وأغلقت بابي لاحظت صغيرتي " هكذا أدعوها " حالتي تلك فتسللت في حنو إلى قلبي , أحتضنتها حضناً طويلاً ونظرت في عينيها وأنا أرى حزناً يشبه حزناً يوم علقت " يمامه " في سلك عمود الإنارة .
------------------  
كُتبت قبل الثورة بأسبوعين بعد أن أستلهمتها من موقف حقيقي

Thursday, January 13, 2011

صياد


ثبت كعب البندقيه في تجويف كتفك الأيمن , نعم هكذا ,ثبته جيداً , أحتضنها كما لو كنت تراقص إحداهن التانجو , ألمس بخدك الأيمن جسدها البارد , دعها تأخذ من الدفأ الذي يسري في جسدك ,أحتض براحة يدك اليمنى الحلقة , ودع إبهامك يتسلل في حنو إلى التتك , أما يدك اليسرى فتوّق بها مؤخرة الماسورة , ضمها بعنف إلى صدرك , دعها لا تفلت منك , كأنها جزء من جسدك, فإن خفتها أستنقصتك , دعها تشعر برباطة جأشك, إغلق عينك اليسرى , وخذ نفساً عميقاً حتى تشعر أن صدرك أمتلئ هواءاً,حدد هدفك جيداً ساكناً كان أو متحركاً , خذ نفساً أخر إذا أردت ولكن ,لا تشعرها بتوترك حتى  لا تهتز بين يديك ,هل أنت جاهز الأن ؟ أسفل منتصف هدفك وأسحب التتك ببطأ وأجذب جسدها إليك ودع الطلقة تشق الفراغ
جيد جداً أصبت الهدف , ينطلقا إلى الهدف الساقط من السماء , الذي يبعد بضع أمتار
أنت الأن أصبحت جاهزاً لتصبح صياداً ماهراً , فقط إتبع إرشاداتي وستصبح محترفاً , بل أنت الأن محترفاً  
أتخذا طريقهما بين الحقول الشاسعة, فيما يتحدثان 
أخيراً أتقنت الصيد وسأصبح مثلك 
بالتأكيد وأفضل مني ,ألا يتفوق التلميذ على الأستاذ أحياناً
لا , أبداً يا أستاذي
يصلان أخيراً إلى الهدف الساقط على الأرض, مجرد حُلم أخر ساقط من السماء, ينظر إليه بفرحة عارمة ويرفعه من الأرض ويضمه إلى صدره كما لو كان أول مولود له 
يندهش معلمه, ماذا تفعل ؟ أنه ميت 
أعلم أنه حُلم ميت , ولكنه ثمرة جهدي طوال الفترة الماضية 
أستحوذت عليه تلك الهواية , هواية الصيد , صيد الإحلام ,يشعر بسعادة بالغة وهو يقنص الأحلام ويحيلها صريعة بطلقة تنفذ إلى قلبها ,يراها تطير فرادى أو في جماعات , يشعر بذاته بقوته وقدرتي على إنهاء حياة كائن ما , حتى لو كان حُلماً يطير ولا يؤذي
ربما تندهشون وتعتقدون أنه مريضاً نفسياً , ولكن يرى إنه مجرد حُلم تافه ليس له وزن في هذا الكون , والله أعطاه تلك المهارة على إقتناصها , إذن فلا ضير من ذلك 
كانت كل رحلة صيد تضيف إليه الكثير , ربما لاتضيف إليه الكثير مادياً, ولكنه يصبح كبالون منتفخ , يرتفع في سماء بلاحدود
هناك أحلام قيّمة وثمينة , كان يحنطها ويضعها كقطعة ديكور في منزله الذي إمتلئ بفرائسه الجاثمة هنا وهناك لتشهد على قسوته  
وهناك أخرى كان يُطعمها لكلابه الجائعة , لا يهمه إذا كانت أحلاماً مُحنطه أو أحلاماً تأكلها الكلاب المهم أنه يُغذي مهارته 
يعود بحقيبته المملوءة أحلام ,ويأخذ في إستعراض أشكالها وأحجامها وألوانها المتعددة, ولكن هل يعلم أنه بإصطياده الأحلام يحيل أصحابها أيضاً إلى أموات , يموتون بموت أحلامهم 
يوم أمس أصطاد حُلماً لفتى في العشرين كان يحلم بأن يتزوج فتاته , سقط الفتى صريعاً, وأصبح جسداً فارغاً بلا حُلم , ينبض قلبه ولكن بلا روح  بلا حُلم يحلق , يعيش كشبح أو طيف يتخبط في الظلمات , ويبقى هكذا حتى تخبو شعلة قلبه بالتدريج
الجو صحو والنسمات تلاعب الغصون والسماء صافية والأحلام ترفرف في السماء, إنه الطقس المثالي للصيد, جهز بندقيته وحقيبته وأصطحب كلباً وأنطلق بين الأحراش ,يبحث عن حُلم يزقزق هنا يرفرف هناك, يضرب بأجنحته الهواء ويحلق بعيداً,
هناك عند بركة الماء ,يرى سرباً من الأحلام , يتجه إلى هناك ويرفع رفيقته إلى كتفه ,يعمرها و يثبتها جيداً , ويغلق عينه اليسرى وينتقى حلماً , أحدهم يقف هناك على غصن يوشك طرفه على إحتضان صفحة البركة الساكنه , يقترب ببطأ ويحاول أن يتفادى الأوراق الجافة والأعواد المتناثرة على الأرض حتى لا يحدث جلبة تنبه الحُلم من مصرعه الوشيك , يتخذ من أعواد الأحراش ستراً له ويُمد فوهته  بين الأعواد , يأخذ نفساً عميقاً  ويوجهها إلى الحُلم ويضغط على التتك فتنطلق الرصاصة نحو الهدف مباشرة
يشعر بغصة , وتزداد نبضات قلبه , يسحب نفساً بصعوبة , يضع بندقيته على الأرض ويحاول رفع قدميه بصعوبة بين الأعواد الرفيعه  ويشق طريقه نحو الحُلم الذي يطفو فوق صفحة الماء , يدنو منه وقد فقد الشعور , فقد شيئاً ما , لا يعرف له وصفاً 
أصبح خاوياً , يرفع بيديه المرتعشتين الحُلم المألوف بالنسبه له , لايشعر بتلك الفرحة العارمة ولا بنفس الشعور الذي يصاحبه كلما أوقع بحُلم جديد
بل يشعر بكآبة ووجوم سرت في جسده كما لو كانت أنتزعت منه روحه , بل ...بل أنتزع حُلمه

Friday, January 07, 2011

مِصرُ عَسكري آمَن مَركَزي


 تسللت أشعة الشمس في هدوء شديد لتصنع ظلالاً مرتعشة أمامهم , كأن الشمس ترفق بهم لتنسحب من فوق رؤوسهم وجباههم العارية  ,لا يتذكر بالضبط كم من الوقت وهو على هذا الوضع , قدماه وكأنهما مسماران قد دقا في الأرض , أصبح لا يشعر بهم من كثرة الألم , يحاول أن يستغل غفلة  " الصف " ليتكأ على قدمه اليمنى ومن ثم يتكئ قليلاً على اليسرى عله يُسكن الألم , يدور "الصف" كثعبان يحمل خرطوماً غليظاً ينهمر على قدم كل من يتحرك , ينظر إلى قبعته الملقاه والممرغة في التراب , يتمنى فقط أن يضعها فوق رأسه  علّها تمتص بعض العرق المنهمر الذي بلل ملابسه الداخليه  , يشعر بحبات العرق التي تسيل في تشققات جسده الممصوص وهي تشق طريقها  خلال ظهره , أردافه وقدميه إلى أسفل , يشعر بأنفاسه المتقطعة والتي تحمل حرارة تخيل أنها يمكن أن تشوي عليها "كوز ذرة "
" ثـــــــــــــــــــابت منك ليه "
أنا هاخلي الراجل فيكم يجيب ميه من كل حته في جسمه "
" الكل واقــــف إنتباه من حديد ...إيديك لزقه في جسمك الشمس ماتعديش بينهم "

يحاول أن يقاوم أجفانه التي تنهار, وكأن صداعاً بدأ في ثقب رأسه بالتدريج , وفجأة يفتح جفنيه على صوت إرتطام وإذا بمن أمامه قد سقط مغشياً عليه منكباً على وجهه ,بين ذرات الأتربة التي تصاعدت جراء إرتطام الجسد  , أثار ملح العرق الذي ترك بقعاً بيضاء يظهر جلياً تحت إبطيه وبين أفخاذه وكأنها غمامات في زي حالك السواد ,لم يتحرك عضو ولم ينطق لسان وكأن شيئاً لم يكن , ظل الصريع ملقاً على الأرض حتى أنتهى
 " الطابور الزيادة "

يرى دائماً العالم من خلف قضبان عربة وحتى عندما تفتح الأبوب يكون أسيراً لزيه الأسوّد الحالك , يرى الناس ويرونه , يبحث بين الوجوه على ملامح مألوفة في حين أن زملاؤه يحاولون إختزان  صور أنثوية يسترجعونها في نومهم القصير , أحياناً يرمقه الناس بنظرات شفقه يفهمها ولا يحبها أبداً , وأحياناً يرمقه آخرون بنظرات ازدراء  لا يفهما أبداً ولا يحبها , يرى أنه رجل و زملاؤه يرون أنه غبي , لو كان أحد زملاؤه لاستغل الفرصة ونجا بجلده من هذا الشقاء , ما لضير من غسيل بعض الأطباق والأكواب وصنع الشاي والقهوة وتقديم بعض الوجبات إذا لزم الأمر وتلميع الأحذية لو أراد وغسيل بعض الملابس إذا كان ضرورياً .
كانت الإجابة " لا "  قاطعة عندما مال "الصف" على أذنه هامساً في أذنه أن "الباشا " يريده معه في المكتب.
ماذا سيخبر أبيه عندما يعود ويسأله عن عمله في المعسكر "بّغسل صحون " ,لم يكن مقتنعاً أن خدمة الوطن يمكن أن تكون "غسيل صحون " في حين أن الكثير كان مقتنعاً بذلك.
دائما ما تكون العودة إلى المعسكر كئيبة حتى لو كان عائداً من فض شغب أو مظاهرة عنيفة , المعسكر حيث كل شئ بــ"صفارة "  الأكل بصفارة والاستيقاظ بصفارة والنوم بصفارة والطابور بصفارة ...العديد من الطوابير والقليل من النوم , يتأهب أن يندس في الفراش لينال قسطاً من الراحة القصيرة بعد يوم شاق وطويل وممل ليستقبل يوماً لم تشرق شمسه بعد لا يختلف عن ما قبله , ما أن يضع رأسه على الوسادة تعلو أصواتاً  مرغم على التكيف معها واعتبارها غير موجودة بالمرة , يحاول الخروج بتفكيره بعيداً عن العنبر عن المعسكر عن المدينة القاسية ,هناك حيث قريته , كان العمل في " الفاعل " أهون عليه , كان المقاول  المستغل أهون عليه مع أن الطوب و"شكائر " الأسمنت كانت أثقل من الدرع والهراوة ولكنه ..... صوت صراخ يعيده ويهب فجاءه ويستيقظ الجميع على زميل لهم يتشنج ويهذي على الأرض , يحاولون الإمساك به , ينصحهم أحدهم بسرعه ليضعوا قطعة قماش في فمه حتى لا يبتلع لسانه , يرتفع الصراخ أكثر ويفشلوا في وضع قطعة القماش كانت عيناه جاحظتان وجسده أصبح متيبساً واللعاب يسيل بغزارة من فمه وأخذ يردد عبارات بصوت عالي
" تمام يـــــافندم "
" تمام يـــــافندم "
" تمام يـــــافندم "
مازالت صورة زميله المصاب بالصرع لم تغادر تفكيره بالرغم من مرور أسبوع كامل على ما حدث ويبدو أيضاً أن الأحداث أصبحت أكثر سخونة أم أن أحدهم أصبح يدفعه إلى كل تلك البؤر العنيفة , كل يوم وحين يريح رأسه طالباً بعض الراحة كان يحمد الله أنه لم يعد جريحاً أو مصاباً أو ميتاً إذا شاء القدر , لم تعد القرية تأتيه في أحلامه ولم تعد نظرات الشفقة التي كان لا يحبها يجدها بل أصبحت نظرات الازدراء تطارده , وأصبح يشعر بالكآبة والضيق كلما ترك المعسكر إلى الشارع ليواجه أعمال عنف أو يفض مظاهرة أو إحدى مباريات كرة القدم الجماهيرية , أصبح عنده المعسكر والشارع سواء بل الشارع أصبح أسوء , ولم يعد يفارقه وجه زميله المصاب بالصرع , أصبح يبتعد عن الصفوف الأولى التي تكون في المواجهة حتى فطنوا إلى ذلك فاخذوا يدفعوا به إلى المقدمة وأصبح مضطراً أن يرفع هراوته ليهوي بها على شخص لا يعرفه  , إذا لم تضرب ستُضرب بقسوة وبعنف , ينظر إلى عيونهم ويوأد الأمل , الآن يعرف لماذا نظرة الازدراء , كانت وجوههم تطارده في نومه مع وجه زميله , كانت عيناه تدمع عندما ترفع العصيّ وتبدأ حلقة جديدة ,كان يتمنى طوابير الذنب والثبات في ظهيرة شهر يوليو عن فض مظاهرة والنظر في عيون هؤلاء المتظاهرين ,
إذا سأله أبيه " بّغسل صحون " ذلك بالتأكيد أهون , لم يكن يفهم لماذا لا يخاف هؤلاء ولا يعبأون بالضرب والسحل ,لم يفهم لماذا ما يزال الأمل ينبعث من عيونهم  , الأوامر دائماً أوامر غير قابله لأي شئ غير التنفيذ , كانت الأوامر صريحة وهي منع المحتجين من التقدم بكافة الوسائل ,لا تبدؤوا في الهجوم , بدأ المحتجين في دفعهم إلى الخلف وتطور الدفع إلى ضرب وركل ........وارتفعت العصيّ والهراوات , وما رفع هراوته هو الآخر ألتفت إلى زملاء له يشرعون في رفع العصيّ على مجموعة من الفتيات والسيدات , هرول سريعاً وألقى بنفسه ليحيل بينهم وانهالت الضربات عليه من كل جانب وهو يصيح "حريم لاااااااء "

ياماااااااااااااااه ......إنت فيييييييييين
ياماااااااااااه  زهقت من الجبنه النستون نفسي في الجبنه اللي بتعمليها بإيديكي
انتي فين يامه...إنتي فين
الناس كلها بتكهرني
مش عارف ليه
مسلمين ومسيحيين بيضربوني ...أسكت ولا أعمل إيه
بضربهم أعمل ايه
ناس بتقول "بالروح بالدم نفديك ياإسلام"
وناس بتقول " بالروح بالدم نفديك ياصليب"
وتلاميذ الجامعة والمدارس والعمال
وبتوع فلسطين واللي بيقولوا " كفاية"
و
 حتى اللي بيشجعوا كورة
هو كده عاد في وطن نخدمه

منذ تلك اللحظة وهو يهذي في تلك الغرفة في إحدى المستشفيات, يتمنى أن يعود إلى قريته التي نساها ليجد أمه وهي تجلس أمام الفرن البلدي تشمر عن يديها المغطاة بالدقيق وهي تعجن العجين لتصنع الخبز الذي يحبه ليأكل بها جبناً .
--------------------------
الصورة فقط من مدونة   يالالاللي

Tuesday, December 28, 2010

مَأسَاة السُلحُفَاة التي تَظنُ نفَسها أرَنباً


كان ياما كان في سالف العصر والأوان كان هناك أرنباً مغروراً وسلحفاة في غابة الحيوانات , أستهزء الأرنب بالسلحفاة مخبراً إياها أنها أبطأ حيوانات الغابة , نظرت له السلحفاة بتحدٍ  وقررت انها ستسابقه لتلقنه درساً لاينساه,صُدم الأرنب حينما سمع ذلك,وأنقلب على ظهره وهو ضاحكاً ,لا أصدق أيتها السلحفاة أستتغلبين عليّ أنا, لا أصدق,سيكون سباقاَ طريفاً,لامانع عندي أيتها السلحفاة من بعض التسلية,إذن فالنتسابق,هيا.؟
بدأ السباق على مرأى ومسمع حيوانات الغابة التي تجمعت لتشاهد ذلك السباق التاريخي,وأنطلق الأرنب وأنطلقت السلحفاة
بل أنطلق الأرنب ومن وراءه السلحفاة ترفع قدميها في بطاً تشق طريقها المستحيل في الغابة
مر الكثير من الوقت والكاتب يراقب السلحفاة وهي تزحف على الأرض,حتى قرر أن يتدخل
عزيزتي السلحفاة....لا جدوى صدقيني أرجوكي
نظرت إليه السلحفاة بتعجب ! من أنت؟
لا يهم من أنا الأن ولكن أنت تهدرين الكثير من الوقت
يالك من أخرق ,ما أدراك أنت ,أبتعد عن طريقي "وبعدين القصة لم يكن فيها آدمي يخرج للسلحفاة من بين الشجيرات ويقول لها ما تقول "؟ يبدو أن الأرنب قد أستأجرك لتحاول تعطيلي
أرجوكي ,عزيزتي السلحفاة,لا أنا مستاجر ولا أحاول تعطيلك ولكن كل ما في الأمر أنكِ تهدرين وقتك في لاشئ
كيف ذلك؟
أولاً أنت تسيرين في الطريق الخاطئ, يبدو أنك ضللت الطريق,لا أعلم وأيضاً حتى لو كنتي في مسارك الصحيح أنتي بطيئة جداً ألا تدركين ذلك؟ بديهي جداً الأرنب أسرع منك؟
الأرنب المغرور , لا ....أنت لا تعلم شيئاً,(وهي تبتسم إبتسامة الواثق من نفسه) الأرنب المغرور يغط في نوم عميق
أيتها السلحفاة المتخلفة(في غضب شديد) أريد أن أخبرك شيئاً صدقيني أو لا تصدقيني , ولكن الأرنب بالفعل كان نائماً,لقد أستيقظ و تناول الغداء مع أسرته وشرب الشاي تواً ومشى الهوينى حتى خط النهاية وفاز بالسباق وأنتي هنا تائهة بين الأشجار
أبتعد أيها الأدمي الخرف,لن يتغير رأيّ عن الأدميين البلهاء
شكراً...كما تشائين
      كما ترى أسير على خطاً ثابته وواثقة نحو تحقيق معدلات نمو مرتفعه لرفع مستوى المواطن
مااااااذا ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!
إييه أقصد أسير نحو خطاً ثابته وواثقة نحو خط النهاية والفوز.....ألا ترى الصورة في الأعلى وأنا أحمل الميدالية الذهبية
أيتها الغبية, هذا قصة أنا من ألفتها ويا ليتني ماكتبتها, ياليت قلمي قد كُسر قبل أن يخط حرفاً فيها, كيف لسلحفاة بطيئة أن تفوز بسباق على الأرنب, حتى لو كان مغروراً ,ولكنه سريع ,كيف لسلحفاة أن تتوقع أن الأرنب سينام وهي تفوز ,إنها قصة لا منطق فيها وتعلم الأطفال الإتكال على أخطاء الآخرين لبناء فوزا غير عادل 
لم تستمع السلحفاة وأكملت تخبطها في ظلام الغابة متخيله أنها تسير في الطريق الصحيح وأنها ستفوز ومازالت تظن أن الأرنب نائم
فقد الكاتب الأمل في إقناع السلحفاة ,وأخذت الأفكار تتخبط في عقله, هل تظن السلحفاة نفسها أرنباً,أما  ماذا؟
حتما هناك حل, أه وجدتها بل حلين إثنين
إما أن أقنعها بأن تجري عملية تحويل جنس ونحولها إلى أرنب,أعلم أنه حل صعب وسيأخذ وقتاً حتى تدرك السلحفاة أنها أصبحت أرنباً, أو حل أخر نذبح الأرنب الذي مثل لها عقده,ونكون ضربنا عصفورين بحجر تخلصنا من الأرنب وحصلنا على ملوخية  بالأرانب

Thursday, November 04, 2010

ثلاث رسائل

من صديقك / أحمد
السلام وعليكم ورحمة الله 
أتمنى أن تكون بأفضل حال , صديقي لا تحزن ولاتعجز  , لا تنسى أن الله معك دوماً ونحن ورائك بدعواتنا , لا أعلم بالفعل كيف أقولها لك ولكني أفتقدك جداً , أفتقد لبسمتك , لضحكتك التي دوماً كانت تغمرني سعادة , أفتقد حزنك , أفتقد جنونك , أتتذكر جلساتنا سوياً , جدالنا الدائم حول بعض الأمور, سهراتنا حتى الصباح , التمشية بعد الفجر, طقوس رمضان الخاصة , بعد يومين عندي أول إمتحان من إمتحانات الدبلومة , لا تنسى الدعاء لي , أنا أعلم أنك تتساءل الأن عن أحوال (منار) كويسة الحمدلله , تدعو لك كثيراً أن يفك الله كربك ويعيدك سالماً , أسكت مش أتخنقنا إمبارح تاني , ولكن أنت تعلم "بموت فيها " ,عادي سبب تافه ,( الخلطات بتاعة الحمام) مش عايزني أشتريهم دلوقتي , وانت عارف انا دماغي ناشفة إزاي , من يومين كنت مع أخيك , أخوك مش زيك  خالص على فكرة , بس كويس يملك هدف يسعى  لتحقيقه , عموما لا أريد أن أطيل عليك , تذكر ياصديقي دوماً أن من يؤمنون دوماً بأفكارهم ويسعون لتحقيقها , هم من يعانون كثيراً في هذا الوطن 
صديقك المخلص/ أحمد
......................................................................................................................................
من أمك حبيبتك
السلام عليك ورحمته وبركاته ومغفرته ,أسأل الله أن يلهمك صبراً وإيماناً , إبني وفلذة كبدي كم أشتقت إليك , أتلمس صورتك بين ثنايا عقلي أستحضرك في غرفتك وكتبك ورفاقك ,كم هم طيبون رفاقك , دوماً مايسئلون عنك وعنا , إبني حبيبي نحن ننتظرك بفارغ الصبر, فلا تهمل في نفسك " كُل كويس"  أنا عارفه طبعاً إن أنت بطنك صغيرة , لا ياحبيبي لازم تاكل كويس , عايزه أشوفك حينما يفك كربك " تخين" عشان نجوزك , نفسي أشوف ولادك ,أكيد هايطلعو زيك , بالمناسبة هاجر كل يوم تقريباً عندي , ربنا يخليكوا لبعض , واطلع بقه ولا انت خلاص عاجبتك حكايه كتب الكتاب دي ومش هاتعمل الفرح ,  ربنا بيمتحنك وانشاء الله هاتنجح في إختباره , بابا بيسلم عليك وأخوك مجنني , نفسي ربنا يعقله كده ويرسى ,مستنينك , وحشتني قعدة الصفرة معاك , أنا الحمدلله  كويسه وكلنا كويسين , الشغل دائماً  " زي ما انت عارف متعب" مشاكل على طول , المرضى دائمي الشكوى , من الصعب إرضائهم و ولكني أجتهد لأرضي ربي وأبذل كل جهدي,شد حيلك , كلنا في شوق إليك
ماما / ضحى
........................................................................................................................................
حبيبتك وخطيبتك /هــاجر
السلام عيكم ورحمة الله وبركاته , إنت عارف كويس قوي إن انت وحشتني ومتأكده إن أنا وحشاك , بس عايزه أسئلك سؤال هو فيه حد يكون خطيبته وحشاه  ومايردش عليها ,أنا زعلانه منك على فكرة , وعارفه أن انا أول ما هاسمع صوتك هسامحك , انت عارف أنا ازاي عبيطه معاك وانت بتستغل عبطي ده كتير , على العموم أشتقتك إليك , بحاول أقلها أهو بالفصحى زي ما انت بتحبها ..مش انت بتحب الفصحى , أشتقتك إليك ..لا أعلم لماذا لا تحتوي كل ما أعنيه ..حتى لو قلتها بالفصحى لن تستطيع الفصحى ولا العاميه أن تعبر عن ما أشعر به  ...مستنينك كلنا بابا وماما وعُلا وأحمد , كلهم بيسلموا عليك , كنت عندك النهاردة في الجورنال وكنت قاعدة على مكتبك مع سميرة زميلتك , أصبحت خطيبة المناضل , كل زمايلك في الجورنال بيسلموا عليك , زمانك بتسألني كالعادة عن أخبار الكلية أنت  عارف أنا مايتخافش عليا أنت سايب وراك عبد الجبار في الكليه مش هاجر,كالعادة الدكاترة خنقونا , والسكاشن وموعيدها والامتحانات المفاجئة الفارما مطلعه عيني إدعيلي بجد عشان أنا شكلي هاسيب الكليه دي بسببها, أه قبل ما أنسى هند وميار وكل صحباتي بيسلموا عليك
نصك التاني /هاجر   

Saturday, August 16, 2008

هل من معترض؟

ينظر الكاتب الشاب إلى شاشة الكومبيوتر متحيراً , لم يكتب شيئاً جديداً منذ فترة طويلة , يريد شيئاً جديداً يثير زوابع وأحاديث جدليه إلى الأبد فقد سئم من تعليقات القراء التي تشيد بما يكتب دوماً , وتنقر على الكيبورد بعبارات المديح والثناء كأنه الكاتب الأوحد في بر مصر والعالم العربي كله , هل يعقل أن يكون كل مايكتب بذلك الكمال وخالي من العيوب , مازال متحيراً فيما يكتب هل يكتب مقالة جريئة أم قصة قصيرة أو موقف أم ماذا , مقالة جريئة , لا لن يكتب مقالة جريئة مع أنها ستساعده على تنفيس وإخراج مابداخله ولكن سيكون لها عواقب وخيمة لايتوقعها أو حتى يتوقعها , حتى أن الأنواع من تلك الكتابات النارية يوجد بوفرة في صحف المعارضة .إنتقادات بالجملة للرئيس وحرم الرئيس وإبن الرئيس وحتى حفيد الرئيس لم يسلم من الإنتقادات , السادة الوزراء وزيراً وزيرا, ثم أن لاشئ مضمون في ذلك البلد , فيمكن أن يتعرض للمسائلة ,أو حتى يحل ضيفاً على أحد الأماكن التي لايود أبداً أن يكون ضيفاً فيها رغم أنفه,
أحدهم يستجوبه كما يرى في الأفلام , مكتب مُعتم , رجل متجهم لايظهر منه إلا ملامح وجهه , مصباح كهربائي مهتز منخفض الإرتفاع , إضاءة خافته جداً ,يصيح الرجل في وجهه , ماالذي جعلك تكتب هذا؟
لا ليس أنا من كتبت هذا.؟
لاداعي للإنكار نحن نعلم كل شئ , أتعلم أن أمك كانت متزوجه قبل أن تتزوج أبيك ؟
يفكر الكاتب ( أنا شفت المشهد ده قبل كده ..؟فين ؟)؟ : نعم ياباشا أنا من كتبت هذا و( اللي تأمر بيه سيادتك )؟
لماذا كتبته ؟
تنفرج أسارير الكاتب الشاب "نحن في عصر الديمقراطية ياباشا ,مش الرايس بيقول كده برضه ولا إيه"؟
ينظر الرجل إيه في غضب : نعم ياروح أمك ..ويصفعه على وجهه
يتلقى الشاب الصفعة كأنه أفاق تواً من تخدير عملية قلب مفتوح :أسف والله نحن في عصر الباذناجان الأسود واللي تأمر بيه سيادتك
...
وإذا بأم الكاتب توقظه وهو نائم على المكتب ,يستيقظ وينظر إليها ,تسأله هل أنت جائع , يجيب عليها بأنه ليس جائعاً ,تخرج الأم وهي تتمتم "أمال إيه حكاية الباذنجان الأسود هذه "؟ أما أمر هذا الولد عجيب ...؟
مازال الكاتب يفكر بعد أن صرف نظر عن المقاله بعد هذا الكابوس المريع الفظيع , إذن ماذا يكتب ,يريد أن يكتب شئ غير معتاد , لا يثني عليه القراء كالعادة ,للأسف كانت ستفي المقالات بالغرض فلن يثني عليه أحد أبداً , لن يتجرأ أحد مطلقاً على وصفه بالجرئ , فقد يرافقه في الضيافة الإجبارية , يالحظه العاثر ,تومض فكرة في تلافيف المخ , وجدها أخيراً ,سيكتب قصة قصيرة جريئه أيضاً تتناول موضوعاً ساخناً وتحوي بين سطورها الكثير من الأشياء التي ستجلب الكثير من القراء ليعترضون عليها , كقصه تحكي عن شاذ " كلمه منمقه " تُظهره على أنه ضحية وأنه مُضطهد من الجميع لأنه ممنوع من الإرتباط بصديقه المثلي " كلمه منمقه أخرى " ,يُقلب الكاتب الفكره في رأسه ,نعم تبدو جيده ورائعه جداً وياحبذا أيضاً لو أضفنا إليها بعض التحابيش والبهارات من كم مشهد جنسي بين الصديقين يستخدم فيها الكاتب بعض الكلمات والإيحاءات الجنسية الساخنة التي تثير الجميع ضده , نعم هكذا سيجد الكثير من القراء الذين سوف يلعنوه ويسبوه بكل سهوله , ولكنه سيجد أيضاً المتفقين معه فهذا أمر غير مضمون , فربما يتضامن معه الكثير من الشواذ , وهنا يحدث مالايُحمد عقباه سيشك الجميع في أمر الكاتب ويعلنون أنه شاذ هوالأخر , وهذا مالايريده أبداً . يستبعد الكاتب فكرة قصة تتحدث عن شاذ تماماً وإلى الأبد , ماذا يفعل الأن الكاتب ؟ يفكر للمره المائة ويغير قليلاً في الفكرة السابقه , سيكتب قصة تتحدث عن عاهره ويصف فيها علاقتها مع الرجال المختلفين الذين قابلتهم في حياتها وإستمتاعها , أو حتى يمكن أن يكون رجلاً ويتحدث عن علاقته المختلفة مع النساء وفتيات الليل اللائي قابلهن طوال حياته , فكره رائعه وسيصف بدقه شديده تلك العلاقات الجنسية المحرمه والممنوعه بأدق التفاصيل بعد أن ينتزع من اللغة كلمات شديدة الوقاحة والإباحية وسيطلق عليها كلمات
جريئه وسيدعي أنه أستخدم ذلك الوصف للمصداقيه إذا هاجموه بأنها تشبه قصص البورنو الجنسيه المتداوله بين عموم المراهقين ,المراهقين رنت الكلمه في أذن الشاب ,تخيل أن له إبنه أو حتى إبن هل سيتجرأ يوماً ليعطيها لها لتقرأها ويحدثها عن قصته بفخر كبير, بالتأكيد لا ,لن يحدث هذا أبداً ,لا يرضى أبداً الكاتب بأن يلوث عقلية إبنته بقصص كتلك فهي تترك إنطباعاً سيئاً في النفس , هناك كتاب كثيرون يفعلون ذلك ولكنه ليس كذلك ,لايقبل شيئاً على نفسه إذن لايقبله على غيره ,هؤلاء الكتاب" المتفتحون وهي كلمه منمقه أيضاً تعني بالأعنى منغلقون " في رأيه تجارتهم كاسدة ,وليجذبون القراء لبضائعهم الواقف حالها وليُقال عليهم كتاب الواقعية بجراءة ولكن هناك بين الجراءة والوقاحة شعرة , يعتقد أنهم تعدوها بمئات الأميال,علاء الأسواني أو حتى كاتب مثل محمد صلاح العزب و أخرون يروجون لسلعتهم الكاسدة بطرق ملتوية , تماماً مثل الباعة الجائلين يجذبون المارة بشتى الطرق , الكاتب وطبيب الأسنان علاء الأسواني كتب ثلاث روايات بالعدد ,أشهرهم إثنتان شيكاغو وعمارة يعقوبيان والعزب روائي شاب له رواية هو الأخر تلك الروايات حققت نسبة مبيعات وإثنتان منهم نشروا في جريدة معارضة رائجه , لاينكر الكاتب الشاب موهبة هؤلاء الكتاب المتحررون " كلمة منمقه أيضاً لها نفس المعنى السابق " ولكنها لاتصلح أن يضعها الأب على رف في مكتبة في غرفة الصالون لتكون في متناول الجميع بكل الأعمار ,لاتصلح لتقرأ بين الصغار أو حتى الكبار , لاينكر أيضاً قيمتها الأدبية الكبيرةالمنقوصة ولكن يتساءل كاتبنا , هل هناك مانع أن يكتبوا مايريدون كتابته بكلمات منمقه أكثر ولاتكون إباحية بكل ماتشمله الكلمه من معنى , سألوا الروائي الطبيب ذات مرة ,مافائدة تلك المشاهد الجنسية الإباحية هل يمكن مقارنتها بقصص البورنو ,أجاب الروائي المحترم ,الأفلام والصور الجنسية أصبحت في متناول الجميع الأن وليس كما في السابق , ولكن لم يلتفت الروائي الكبير إلى أن كل الطرق تؤدي إلى روما , فلن تختلف كثيراً إلى ركبت قطاراً أو مترو أو أتوبيس أو ميكروباص أو حتى طائرة هيلكوبتر للوصول إلى مكان ما , تختلف الوسائل لكن في النهاية سنصل بدون شك , نظر الكاتب إلى الساعة لقد تأخر ,قرر أن ينهي مابدأه معلناً على أنه فشل في إيجاد طريقة مثلى في إيجاد معارضين له طول الخط , فكلما كتب شيئاً وجد من في صفه ووجد المعارض ضده
أتجه إلى أمه التي كانت جالسة أمام التلفاز , أمي أريد أن أسألك سؤالا ولكن أجيبي بصراحة ؟
ماذا هناك
هل ...هل كنتي ...متزوجه من رجل آخر قبل أبي؟

Wednesday, June 20, 2007

عندما سقط القمر



1
جاء المساء الثلاثون ولم يظهر القمر ..إجتمع الخلق في بيت العجوز ...إنها الليلة الثلاثون ولم يظهر القمر ..فكر العجوز قليلا وقال لهم تريثوا قليلا ربما يظهر في الأيام المقبلة
كيف أيها العجوز ؟ ونحن أقتربنا من شهر الصيام والحج ولا نعلم متى يبدأ ومتى ينتهي.غير كل تلك المصالح المعطلة بسبب إختفاء القمر....؟
أجاب العجوز في هدوءه المعتاد ...إنتظروا فحسب حتى يقترب ...وسأخبركم ونظرإلى شيخ القرية وقال : أليس كذلك ..... أجاب الشيخ : نعم ..كل شئ بأمر الله ..
قال أحدهم السماء صافية منذ خمسة عشر يوما ولم يره أحد كنا نقول ربما الغيوم تعوق رؤيته ولكن لا نرى شيئا
ظهر أحد الفتيان جذب الأنظار وهم واقفا وقال بنبرة واثقا: لقد تجهالتم انتم أهل القرية ذلك الأمر ولم تبعثوا بأحد الرسل الى القرى البعيده وسلمتم أمركم لذلك العجوز ؟ عندما قال لكم لاتخرجوا من أسوار القرية التي بنيتموها وتركتو ذلك الجزء الغربي ؟
علت الضجه وكادوا أن يوسعوه ضربا ولكن نهض العجوز من مكانه و أمرهم بألا يقترب أحد منه ......أقترب منه العجوز وسأله من أنت ؟
وحل صمت يصم الأذان من فرط هدوءه ....لم يرد الفتى ....أعاد سؤاله ..من أنت؟
رد الفتى لا يهم من أنا ...ما شأنكم من أنا...أنا من أهل القرية .... أنا من سألت أولا لماذا تمنعنا أن نبعث بأحد الرسل الى إحدى القرى المجاورة؟
رد رجل قوي البنية: أنت تعلم أن أقرب القرى إلينا تبعد مئات الأميال ..وتعلم أيضا أن قطاع الطرق منتشرون في الكهوف المحيطه خارج أسوار القرية لذلك بنيناه .....أنتصبت قامة العجوز وعاد إلى مكانه .......
وماذا عن الجزء الغربي ؟
الرجل: ماذا عنه ....إنه مهجور
ظهر الشيخ بعمته المستديره : لاحول ولا قوة إلا بالله ...(ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة ذلك أمر ربي ورسوله الكريم
الفتى :أيأمرنا الله أن نستكين خلف أسوارنا ونملك رقابنا لقطاع طرق ...أنا أخبركم لماذا تركنا ذلك الجزء الغربي (المهجور) كما يدعون لأن يقع به ذلك النهر ويتمركز بجواره قطاع الطرق
الرجل : من قال ذلك
الشيخ : انه ملعون ومن شرب منه لعن إلى يوم الدين
الفتى : هراء
علت شهقه بين الحاضرين ....أشار العجوز بيده للرجل الذي هم بالقيام إليه
العجوز : ماهو الهراء يافتى
الفتى : كل ماتقولون .....أتحسبون أن إختفاء القمر هو النهاية .......إنها البداية
خرج الفتى مسرعا خارج البيت..................أشار العجوز الى الرجل قوى البنيه بأن يتبعه ...مال الرجل على أذن العجوز ... ولكن العجوز أومأ برأسه رافضا ...وخرج الرجل في إثره
2
دخل الفتى مسرعا الى بيته ......نهضت الأم مسرعه من الفراش
الأم : أين كنت ؟
الفتى : كنت في بيت العجوز ..
الأم : مرة أخرى .....ألن تكف عن ذلك ...ألم تقل لك ألاف المرات ألا تذهب الى هناك
الفتى : لماذا
الأم : لأنك توقع نفسك في مشاكل ....فقد حفظك الله المرة الماضية عندما أشعت بين الناس أن يذهبوا ليحاربوا قطاع الطرق
الفتى : لم ينجحوا لأن ذلك العجوز الخرف منعهم هو وذلك الشيخ المنافق
الأم :شششششش أصمت فرجال العجوز منتشرون في كل مكان
الفتى :لا يهمنى هو ولا رجاله
جذبت الأم أبنها وأجلسته وقالت له فيما يشبه الهمس : ألم أقل لك يابني أننا ضعفاء ولانتحمل بطشهم وظلهم ..ألا تتذكر النجار و أسرته وكيف بطشوا بهم وطردوهم خارج الأسوار ...وبعد يومين وجدوا حمار النجار واقفا بجوار أبواب السور ملطخا بالدماء
الفتى : وأنا لا أتحمل ذلك الظلم وأنا أراه أمام عيني ...لا أتحمل أنا نسلم رقابنا للعجوز ورجاله ..لا أحتمل أنا أرى رجال القرية مغلوبين على أمرهم ومكبلين بتلك الخرافات والأساطير التي تزيدهم خوفا ورعبا
الأم : أي أساطير
الفتى : قطاع الطرق والنهر والجانب الغربي
الأم : يابني بالله عليك ...لا تقحم نفسك في أمور لست قادرا عليها .
3
وفي بيت العجوزاجتمع نفرا من رجاله والشيخ ..دخل الرجل الذي بعثه العجوز ..نظروا إليه جميعا ..هرول الرجل إلى يد العجوز وقبلها ..هه ماذا وجدت ؟
الرجل :إنه إبن الصياد الذي يسكن في الكوخ بجوار البئر المهجور ...
العجوز :كما توقعت..فقد علمت أن ذلك اللسان ورثه عن أبيه المشاغب ولكن ماالعمل
فذلك الفتى لن يكف عن النبش والتدخل فيما لايعنيه.
الرجل: نقتله كأبيه.
العجوز: غبي..غبي..كيف نقتله وماذا نقول لأهل القرية ....هه؟
الرجل :قطاع الطرق..!
العجوز :وكيف دخلوا ؟
الرجل :من الجانب الغربي...
العجوز :مرة أخرى غبي...سينعير الجانب الغربي إهتماما ...وسيشيدوا سورا في تلك المنطقة ..إذا علموا أن الجانب الغربي يهددهم.
4
وجاء يوم جديد ..ولم يتغيرشئ فتلك القرية لاتتغير منذ حوادث النهر الغربي المتعددة والتي أدت الى أن هجر أهل القرية النهر ...كما أمرهم العجوز ..أصبحت كل أمور القرية في يد العجوز ...فالتجارة بين أيدي رجال العجوز يتحكمون بأسعارها كما يريدون ..والبئر التي حفرت في وسط القرية ..يتحكم رجاله بها أيضا وبالتالي يتحكم بكل الزراعة ويفرض على أهل القرية مقابلا للماء الذي يمدهم إياه ....يرجعون إليه في كل أمورهم .....هرول الفتى خارجا من بيته إلى مكانا يقصده كل يوم ..بعيدا عن أنظار الجميع حتى العجوز ..ورجاله ..بعيدا في أحد الأكواخ القريبة من النهر ..ويعود بعدها الى سوق القرية ليساعد أمه قليلا ..وعندما تسأله أمه أين كنت ..يخبرها بأنه كان يلعب مع أصدقائه ..فتنظر إليه في ريبة ..فيتحاشى هو تلك النظرات...
أقترب فجأة من السوق رجال العجوز وأقتربوا من الأم وفتاه ...نهض الفتى : ماذا تريدون
الرجل قوي البنية :أصمت أنت لاتتدخل...هيا ياأمرأة...بعيد من هنا فأنت لا تحملين إذنا من العجوز بالبيع والشراء
أجابت الأم : أي رخصة ...فنحن نبيع هنا منذ زمن
أندفع أحدهم وقام ببعثرة الليمون والبرتقال في أرض السوق وصرخت الأم حاولت منعه ولكن لطمها الرجل لطمة قوية سقطت على إثرها على الأرض وجرها في الأرض وأمسك أحدهم بالفتى .......والناس من حولهم يتفرجون ..يراقبون من بعيد ...هكذا هم أهل القرية لا يتدخلون في شئ ..إلا بأمر العجوز فكل مايفعله العجوز ورجاله صواب ...فهو لا يخطأ أبدا....انفرطت حبات الليمون والبرتقال في أرض السوق وهدم ذلك الكوخ الصغير الذي يأويهم من حرارة النهار وبرد الليل ...جلست الأم بجوار كوخهم المهدم تبكي ...أقترب الفتى وفي يديه بعض حبات الليمون والبرتقال ...تلك الحبات هي مابقت من كل شئ ...ألم أقل لك يابني انهم قوم ظالمين ..لا يخشون الله أبدا
هوني عليك ياأماه
وماذا سنفعل الأن فكل أهل القرية يعجزون عن مساعدتنا خوفا من بطش العجوز
لا عليك ياأماه إن فرج الله لقريب..فكر الفتى قليلا وقال لأمه سنذهب لمن لن يخشى بطش العجوز ...
من؟
تعالي معي فقط ولا تخافي
لا قلي من ؟
ألا تثقين في ولدك...؟
وتبعته الأم وسلك الفتى ذاك الطريق نحو ذلك الكوخ البعيد قرب النهر المهجور....
من يسكن هنا قرب ذلك النهر المسكون .....كل ماتسمعينه عن ذلك النهر هراء
أقتربا من باب الكوخ وطرقه الفتى ..أجابه صوت خافت من خلف الباب ..من ؟
أجابه الفتى ...فتح الباب ..وظهر من خلفه شبحا يحمل شمعة ويحمل وجها شاحبا....
نظرت الأم مليا ......من الشيخ ؟؟
.........................
5

ألم يحن أيها الشيخ أن تظهر على هؤلاء القوم الضالون وترشدهم إلى الصواب ..وتخلصهم من ذلك العبث..وتدافع عن نفسك ضد الإتهامات والزيف الذي قيل عنك..ألم يحن أن نتخلص من ذلك الخوف والترهيب والخرافات
وحدي لن أستطيع
وأنا معك
...كانت الشمس تلفح الوجوه والأبدان وفجأة ظهر الفتى في وسط السوق ...أجتمع الناس حوله مندهشين فقد شاع بينهم الليلة الماضية أنهم حاولوا الهروب وغرقوا في النهر الملعون..
قاطعهم الفتى أتعلمون أين القمر..أنسيتموه كما نسيتم النجاروعائلته ..وأيضا أبي ..وأيضا الشيخ الصالح
نظر إليه أهل القرية في دهشة ..أتقصد الشيخ الطالح ...
الطالح ..أصدقتم تلك المرآة التي صرخت في وسط السوق وأخبرتكم بأن ذلك الطفل هو إبن الشيخ الصالح...لا هذا زيف.وإفتراء
لقد أكد لنا العجوز ذلك ...وقام العجوز بعدها برعاية الطفل وأمه ...وهما الأن في بيت العجوز
ظهر الشيخ الصالح فجأة بين أهل القرية ...هذا زيف فأنتم تصدقون كل مايقوله العجوز ..تلك المرآة التي أفترت علي وأتهمتني بالزور ...أذهبوا وشاهدوها في أحد الأكواخ ..تشكو ضعف حالها وفقرها بعد أن مات طفله من الجوع بعد أن طردها العجوزبعد سنين طويلة بعد أن ظن أنني لن أظهر ثانية .....هكذا دائما العجوز يتخلص من أعداءة بالتلفيق
وتشريع قوانين على هواه كما شرع قانونا ليطرد زوجة الصياد من القرية ..إذهبوا إلى الجانب الغربي ستكتشفون أنه ليس ملعونا ولكنه أطلق عليه ذلك ليحمي قطاع
الطرق....وستجدون أن قطاع الطرق الذين يقيمون عند ضفة النهر في الناحية الأخرى ..وهم أنفسهم رجال العجوز ...وأنه يستعين بهم في التخلص من أعداءة كما تخلص من الصياد والنجار لأنهم عارضوه..
كان يحتاج أهل القرية وقتا ..ليبرهن لهم الشيخ الصالح عن زيف كل ما يعيشون فيه... والخرافات التي إختلقها العجوز وأحاط بها نفسه ليحمي نفسه..
وساعده كثيرا ثقتهم فيه والتي كان يتمتع بها كثيرا قبل الإتهام الكاذب ....أكتشفوا أيضا أشياء كثيرة سقطت وأختفت بجوار سقوط القمر....ربما كانت كرامتهم وحريتهم

Friday, November 03, 2006

و أبيت المضي سيرا


أبيت المضي سيرا وهطول الأمطار أحال الأرض طينا السماء غاضبه,أمتزجت أصوات تخبط الأفكار في عقلي بزئير السماء العاتي, هرولت هربا من مشاهد وحشيه.........هناك في ركن بعيد قد تمددت وقد فارقتها الروح,أوكادت أن تفارقها جريت رفعتها من على الأرض كأنني أعلم أن ملاذها الأخير هو الأرض,هذا الوجه الذي كان يوما ممتلئ بالحيويه,أزداد نضارة الفراق وسعادة المضي بعيدا عن هذا الكوكب الوحشي .......أختاه ماذا أصابك؟
قالت:لقدطالت أيديهم الوحشية روحي ومذقوها,وسلبوني ثروتي في ضعف مني هل نحن دائما من ندفع الثمن ,أين كانوا أصحاب القبعات الزرق؟
أصبحت أنا بكماء ومازال لساني رطبا فلم أستطع الرد
وهي لم ترد بعد ذلك فضلت المضي عاليا ,وتركت جسدها البالي ,بعد أن مزقته براثن الصرب,وأمتزجت دمائها بماء المطر,وغسلتها الأمطار................هناك تستطيعون أن تجدوا النساء والفتيات متناثرات في الأركان ومن نجى مضى منكس الرأس من ثقل الهموم


هل ستغيب.........؟
قال :لا أعلم ربما لا أعود .....ضمني بشده وأحسست قلبه يخفق بشده
قبلها وبكى ...أرتمى في حجري
قلت :ما يبكيك؟
وأعلم الرد قبل أن يتفوه بكلمه ..رده يتردد داخلي .....وصداه يمزق صدري
قال :أسأراها ....فلذة كبدي وحلمي وأملي
قلت:ساره في حفظ الله
قبلها قبلة أخيره ونظر في عينيها الحائرتين.....وبكى
بكى وبكيت ونحن نجهل ما يخبئ المستقبل لنا
نظر نظرة أخيره في عينيها العسليتين بلون أشجار سراييفو ومضى
ضممت ساره و......وأبتلع الظلام أبيها


ساقونا كالبهائم, وكل يجرجر بنيه وجاءت المركبات وفصلونا مجموعات ,وأشترطو أن يفصلوا الأطفال عن ذويهم ,.....صرخت في وجههم المتحجره.........قالوا انها نظم متبعه,صرخت في وجههم أذهبوا الى الجحيم لن أترك ساره حتى لو قطعتموني اربا
أين كانت نظمكم وقت المذابح والمعتقلات وعمليات الأغتصاب ...........لن اترك سراييفو للصرب لن أترك ساره لكم ..........ساره وسراييفو جزء مني ,تلك الأرض التي قاست سنابك وحوش الصرب............وأعراض النساء جالت فيها ايادي العبث,وأجتثت ضمائر العالم,وأصبح يتابع فصول المذبحه من خلف الشاشات


مضيت وأنا أضم سارة الى جبهات القتال ...هناك حيث أبيها يقبع مع فوهات البنادق والنعوش