Thursday, January 13, 2011

صياد


ثبت كعب البندقيه في تجويف كتفك الأيمن , نعم هكذا ,ثبته جيداً , أحتضنها كما لو كنت تراقص إحداهن التانجو , ألمس بخدك الأيمن جسدها البارد , دعها تأخذ من الدفأ الذي يسري في جسدك ,أحتض براحة يدك اليمنى الحلقة , ودع إبهامك يتسلل في حنو إلى التتك , أما يدك اليسرى فتوّق بها مؤخرة الماسورة , ضمها بعنف إلى صدرك , دعها لا تفلت منك , كأنها جزء من جسدك, فإن خفتها أستنقصتك , دعها تشعر برباطة جأشك, إغلق عينك اليسرى , وخذ نفساً عميقاً حتى تشعر أن صدرك أمتلئ هواءاً,حدد هدفك جيداً ساكناً كان أو متحركاً , خذ نفساً أخر إذا أردت ولكن ,لا تشعرها بتوترك حتى  لا تهتز بين يديك ,هل أنت جاهز الأن ؟ أسفل منتصف هدفك وأسحب التتك ببطأ وأجذب جسدها إليك ودع الطلقة تشق الفراغ
جيد جداً أصبت الهدف , ينطلقا إلى الهدف الساقط من السماء , الذي يبعد بضع أمتار
أنت الأن أصبحت جاهزاً لتصبح صياداً ماهراً , فقط إتبع إرشاداتي وستصبح محترفاً , بل أنت الأن محترفاً  
أتخذا طريقهما بين الحقول الشاسعة, فيما يتحدثان 
أخيراً أتقنت الصيد وسأصبح مثلك 
بالتأكيد وأفضل مني ,ألا يتفوق التلميذ على الأستاذ أحياناً
لا , أبداً يا أستاذي
يصلان أخيراً إلى الهدف الساقط على الأرض, مجرد حُلم أخر ساقط من السماء, ينظر إليه بفرحة عارمة ويرفعه من الأرض ويضمه إلى صدره كما لو كان أول مولود له 
يندهش معلمه, ماذا تفعل ؟ أنه ميت 
أعلم أنه حُلم ميت , ولكنه ثمرة جهدي طوال الفترة الماضية 
أستحوذت عليه تلك الهواية , هواية الصيد , صيد الإحلام ,يشعر بسعادة بالغة وهو يقنص الأحلام ويحيلها صريعة بطلقة تنفذ إلى قلبها ,يراها تطير فرادى أو في جماعات , يشعر بذاته بقوته وقدرتي على إنهاء حياة كائن ما , حتى لو كان حُلماً يطير ولا يؤذي
ربما تندهشون وتعتقدون أنه مريضاً نفسياً , ولكن يرى إنه مجرد حُلم تافه ليس له وزن في هذا الكون , والله أعطاه تلك المهارة على إقتناصها , إذن فلا ضير من ذلك 
كانت كل رحلة صيد تضيف إليه الكثير , ربما لاتضيف إليه الكثير مادياً, ولكنه يصبح كبالون منتفخ , يرتفع في سماء بلاحدود
هناك أحلام قيّمة وثمينة , كان يحنطها ويضعها كقطعة ديكور في منزله الذي إمتلئ بفرائسه الجاثمة هنا وهناك لتشهد على قسوته  
وهناك أخرى كان يُطعمها لكلابه الجائعة , لا يهمه إذا كانت أحلاماً مُحنطه أو أحلاماً تأكلها الكلاب المهم أنه يُغذي مهارته 
يعود بحقيبته المملوءة أحلام ,ويأخذ في إستعراض أشكالها وأحجامها وألوانها المتعددة, ولكن هل يعلم أنه بإصطياده الأحلام يحيل أصحابها أيضاً إلى أموات , يموتون بموت أحلامهم 
يوم أمس أصطاد حُلماً لفتى في العشرين كان يحلم بأن يتزوج فتاته , سقط الفتى صريعاً, وأصبح جسداً فارغاً بلا حُلم , ينبض قلبه ولكن بلا روح  بلا حُلم يحلق , يعيش كشبح أو طيف يتخبط في الظلمات , ويبقى هكذا حتى تخبو شعلة قلبه بالتدريج
الجو صحو والنسمات تلاعب الغصون والسماء صافية والأحلام ترفرف في السماء, إنه الطقس المثالي للصيد, جهز بندقيته وحقيبته وأصطحب كلباً وأنطلق بين الأحراش ,يبحث عن حُلم يزقزق هنا يرفرف هناك, يضرب بأجنحته الهواء ويحلق بعيداً,
هناك عند بركة الماء ,يرى سرباً من الأحلام , يتجه إلى هناك ويرفع رفيقته إلى كتفه ,يعمرها و يثبتها جيداً , ويغلق عينه اليسرى وينتقى حلماً , أحدهم يقف هناك على غصن يوشك طرفه على إحتضان صفحة البركة الساكنه , يقترب ببطأ ويحاول أن يتفادى الأوراق الجافة والأعواد المتناثرة على الأرض حتى لا يحدث جلبة تنبه الحُلم من مصرعه الوشيك , يتخذ من أعواد الأحراش ستراً له ويُمد فوهته  بين الأعواد , يأخذ نفساً عميقاً  ويوجهها إلى الحُلم ويضغط على التتك فتنطلق الرصاصة نحو الهدف مباشرة
يشعر بغصة , وتزداد نبضات قلبه , يسحب نفساً بصعوبة , يضع بندقيته على الأرض ويحاول رفع قدميه بصعوبة بين الأعواد الرفيعه  ويشق طريقه نحو الحُلم الذي يطفو فوق صفحة الماء , يدنو منه وقد فقد الشعور , فقد شيئاً ما , لا يعرف له وصفاً 
أصبح خاوياً , يرفع بيديه المرتعشتين الحُلم المألوف بالنسبه له , لايشعر بتلك الفرحة العارمة ولا بنفس الشعور الذي يصاحبه كلما أوقع بحُلم جديد
بل يشعر بكآبة ووجوم سرت في جسده كما لو كانت أنتزعت منه روحه , بل ...بل أنتزع حُلمه

14 comments:

مصطفى سيف الدين said...

اخي العزيز
لو كان للابداع مكان سيكون في تلك القصة ليس في مكان اخر
لا ادري بما اعبر وانا اقرا تلك القصة
اعتقد انك لمست شيئا بداخلي لمست حلما ميتا قد حلمته وربما اكون مثل بطل قصتك انا من قتلت حلمي بداخلي
لقد شعرت بالارتجاف وانا اقراها
تملك قلما بل اقصد تملك ريشة تحسن استخدام الالوان لرسم لوحة متكاملة الجوانب
اخي العزيز انك حقا كاتبا عبقريا
تحياتي وتقديري واحترامي لشخصك الكريم
واتمنى ان اري الكثير من ابداعاتك

إنسان || Human said...

لا لا يا مصطفى انا ما أقدرش على كلامك ده
انا كده هاروح فطيس...؟
يابني حرام عليك..أنا مش قد كلامك ده
ههههههههه
والله انا سعيد جداً يا مصطفى انا كلماتي تعجبك ..وتؤثر وهذا اذاكان فهو بسبب ان انت ذوقك راقي

Mona said...

ماشاءالله إيه الجمال ده فعلا مبدع وأنا سعيدة أنى تعرفت على مدونتك مرة ثانية

تحياتى

Unknown said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طرح رائع وراق ..ولغة منسوجة باقتدار

تقبل خالص تقديرى واحترامى

sal said...

نص جميل يا هيومن

بس يا ريته نشن على اللى فى دماغى وبلاش يقتل حلمه الجميل
ههههه

احلم اوى احلم بجد
دا الحلم عمر جديد فى ايامك يمد


تحياتى

شمس النهار said...

ماشاء الله

وصفك لطريقة الصيد رائعة

اسلوب جميل واختيار الكلمات وتركيباتها بديع

هبة فاروق said...

انت كاتب عبقرى عجز لسانى عن التعبير عن مدى اعجابى بهذة القصة
امتعتنى حقا شكر لك وسلم قلمك المبدع يا عبقرى الكلمة

Unknown said...

انت قاص موهوب و أسلوبك راقي
القصه فاقت الروعه و وصفك جذاب جداً
تحياتي الشديده لك

Unknown said...

السلام عليكم

ما زلت عند رأيي.. أكثر ما يميز أسلوبك الوصف الدقيق بلا ملل.. (تخيل أكثر من سبعة سطور فقط في وصف الإمساك بالبندقية ثم إصابة الهدف)...

رائع التشبيه الطويل الذي ذرعه القصة بأكملها... صائد الأحلام...!

لكن كان معنى اصطياده لحلمه هو بالذات غامضة لدي بعض الشيء..!

إجمالا.. نص إبداعي بلا جدال.

دمتَ مبدعا أخي الكريم.

زينة زيدان said...

صديقي
هيو من"إنسان"

قصتك تحمل للانسانية اعظم جانب
رغم لغة القتل التي تملؤها
ما أجمل تصويراتك وتعبيراتك
ووصفك العميق للاشياء
حقا هي تحفة نثرية تستحق الاعتناء
والاحتفاظ
والاعتزاز
لك كل لتحية

إنسان || Human said...

Mona
أنا أسعد يا منى واتمنى دوماً التواصل
--------------
محمد الجرايحي
أول زيارة لك أتمنى ألا تكون الاخير
ومدونتي دائما ترحب بكلماتك
--------------
Sal
ليه كده بس ..ينشن ليه على في دماغك
هو استهال اللي حصله
عانى مما جعل الآخرون يعانون منه
------------
شمس النهار
الله يخليكي ياستي
ده بس من ذوقك
-----------
هبة فاروق
وأنا مش عارف أقولك إيه
وهو ده الهدف اللي دايماً بتمناه
أن يؤثر
----------
شيرين سامي
وأنا أحييكي بشدة أيضاً
على تشجيعك
----------
ماجدالقاضي
وعليكم السلام أخي ماجد
لا أعلم ولكن الفكرة بالتحديد هي أن هناك الكثير ممن يهون صيد آحلام الآخرين
وقتلها بدم بارده هذه هي الفكرة الاساسية
ماحدث أن هذا الصياد وقع في نفس الشرك الذي كان ينسجه للآخرين وقتل حلمه ونال جزاءه
----------
زينة زيدان
لكي كل التحية أشكرك بشدة على هذا الإطراء
وتعليقك دوما يعني لي الكثير

نور said...

مساؤكم خير وبركة

صياد ماهر وإن ماتت الأحلام حلماً تلو الآخر .. لا زال هناك متّسعٌ للمزيد

تُتقن انتقاء الأحرف وتُبدع في صفّ الكلماات ببراعةٍ غريبة ...

إن ماتت الأحلام سنموت وما دام الصياد بارعاً , من حقّه أن يحلم بل من يحقّه أن يحلم ببراعة .

لن اقول أكثر من أنك أبدعت في قصتك
دعائي لك بالتوفيق أخي الكريم ودوام التألّق .

إنسان || Human said...

مشكورة أختي نور على هذا الإطراء متمنيا دوام التواصل

نيسآان said...

مساء الخير
اشكر الاستاذ مصطفى سيف الذي رشح تدوينتك هذه لتكون من التدوينات المميزه ادبيا لعام 2011
اشكره لاني استمتعت جدا بقرائتها وتألمت بالقدر نفسه
اتشرف بمتابعتك

بالنسبه للترشيح...موافق عليه ام لا ترغب في ذلك؟
ارجو الرد هنا او في مدونتي
مع تحيتي
نيسان