هناك قاعدة هامة جداً في تاريخ الشعوب تؤكد أن هناك علاقة طردية بين التقدم والرقي الحضاري ونظام الحكم , ومن خلال قراءة متأنية وموضوعية للتاريخ الإسلامي نجد أن الخلافة الإسلامية التي أستمرت قرون من الزمان وأتحد تحت رايتها المسلمون , هي ليست إلا شكل من أشكال نظم حكم الشعوب التي كانت متعارف عليها حينها , وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم بالفعل بأن الخلافة الإسلامية لن تستمر على نفس النهج الذي أسس له وقد ورد هذا في احاديث كثيرة عن الذي لاينطق عن الهوى ومنها هذا الحديث التفصيلي الذي يوضح نظم الحكم المختلفة
" تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم
تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء
الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم
يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن
تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت "
رواه أحمد
وكلمة عاضاً أو عضوض في المعجم تعني فِيهِ عَسْفٌ وَظُلْمٌ " الْخِلاَفَةُ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ عَضُوضٌ " أي أن هذا الملك الذي أستمر لقرابة قرون كان فيه عسف وظلم وهذا لا يعني مطلقاً أن حكم الخلافة الأموية والعباسية وما تلاها كان كله عسف وظلم وكان حكماً دموياً طوال أربعة عشر قرناً ,إذاً هناك فرق بين أن جزء منه فيه عسف وظلم و ان كله عسف وظلم
نستنج من ذلك أنه كان هناك حكم رشيد و خلفاء عادلون قادوا العالم وصنعوا حضارة كانت سابقة لعصرها وشيدوا مدناً كانت قبلة لسائر البشر وشجعوا علوماً أنارت وما زالت تنير العقول , إذن هي حقيقة أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخلافة الراشدة كانت ثلاثون عاماً فقط ومن بعده يكون حكم في عسف وظلم أي فيه قتل ودم وفتن وليس كله .
من الظلم أيضاً أن نتجاهل حضارتنا الإسلامية الذي أجلها واحترمها الغرب ونعتبر تاريخنا الإسلامي بالكامل تاريخاً دموياً قائم على الصراع على السلطة , فقد كان هناك حكاماً لهم ما لهم وعليهم عليهم كأي بشر يخطئون ويصيبون , فعبد الملك بن مروان الذي حارب الصحابي عبدالله بن الزبير ونحن هنا بمنأى عن الدخول في مهاترات فات أوانها ولم يعد يجدي النقاش فيها , ولكنه في نفس الوقت بنى المساجد والمدارس ودور العلم وصك النقود وعرب الدواوين , وسار على حذوه كافة الخلفاء من بعده حيث اتسعت الدولة الإسلامية لتصبح من اقوى الإمبراطوريات في العالم حينها واكثرها ازدهاراً في العلوم والفنون والثقافة , كما أنار الإسلام مدناً لأول مرة في أوروبا وآسيا .
اما بغداد والتي إذا زرتها تكاد تنطق حجارتها بمجدها التليد , تكاد تنطق بغداد بحاكم رشيد أسس للعدل والإسلام , تكاد تنطق أرصفتها وشوارعها بأقدام وطائتها من سائر أنحاء العالم لتنهل من انهار العلم والفن والثقافة , تكاد تنطق جدرانها بما شنفت أذانها من نصوص ومعادلات وألحان فتحت الأذهان قبل أوانها , نعم كان هناك فتن وحروب ولكن كان هناك حاكم كهارون الرشيد الذي تعمدوا تشويهه رغم أنه نقل لنا انه كان ورعاً وكان يصلي مائة ركعة في الكعبة , وفي عهده وفي عهد غيره كانوا يحتفلون بأعياد المسحيين بل أرتقوا في المناصب والدرجات كغيرهم , ألا تعتبر تلك أزهى عصور المساواة والعدل وإلا ما كان الخليفة المنصور لقب " بأبي النصاري " بعد علاقة وطيدة مع بطريرك مسيحي حينها , ألا تعتبر تلك أزهى عصور التعايش والتي أحتضن فيها الشريعة الإسلامية كافة الأديان سماوية وغير سماوية بل حتى الوثنية منها عبدة الأفلاك والنجوم , وكان حاخام اليهود في بغداد رأسًا للطائفة اليهودية في العالم أجمع , ولم تجبر قبائل مسيحية عربية على الدخول في الأسلام , وبنيت في بغداد قلب الخلافة الإسلامية الكاتدرائيات في حين أنه لم يُبنى مثلاً حينها مسجداً في "آخن" وهي مدينة ألمانية كانت مركزاً لحكم شارلمان إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة وبمناسبة ذكر شارلمان هناك قصة مشهورة جداً تبين التقدم الهائل الذي كان يحظى به المسلمون حيث أرسل الرشيد هدية ساعة مائية إلى إمبراطور الروم وكانت الساعة في منتهى الدقة تحسب الوقت بالثواني فحسبها شارلمان سحراً ومكيدة , هذا الزمن الذي لم يتكرر وكان المسلمون يعدون رعباً للإمبراطوريات الأخرى وكان أباطرة العالم يأتون ليعقدوا الإتفاقيات لدرء شرور المسلمين عنهم بل ويدفعون لهم الجزية , أتدري لماذا لأن المسلمون كان قد توحدوا تحت راية الإسلام الذي يهان الأن ويُقتل المسلمون وتتعالى صراختهم في انحاء العالم و لا مجيب ألا تتذكر عبارة " ومعتصماه " ألا تتذكر رد هارون الرشيد على إمبراطور الروم حين نكص بوعده واتفاقه فبعث له هارون قائلاً " من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".
هذه الحقيقة التي يعلمها القاصي والداني , الصغير والكبير , مستشرق كان أم مستغرب , نحفظها نحن المسلمون عن ظهر قلب كما حفظنا حديث الرسول الذي ذكرته سابقاً والذي يؤكد أن الخلافة عائدة شئت أم أبيت وخلافة ليست كخلافة الامويين أو العباسيين بل خلافة على منهاج النبوة يكون أساسها الإسلام القويم , فقط البعض نسى أو تناسى تلك الأمجاد بل يريد أن يمحوها من الذاكرة بإدعاء أنه تعلق بوهم أو محاربة لطواحين الهواء , بل أنت من تحارب طواحين الهواء بإعتقادك بان الحل هو المدنية والديمقراطية في حين أن الإسلام يشمل كلاهما وهو الذي رفع من أتخذوه منهجاً رفعهم إلى أعلى الدرجات وجعلهم يسودون العالم بالرقي والحضارة وليس بحد السيف , فهذه المدنية والديموقراطية منقوصة وما هي إلا لعبة يستخدمها الغرب للوصول إلى مأربهم وإلا ما كانت جثث الأبرياء تناثرت في أنحاء العالم بإسم الديموقراطية , أليست الديموقراطية تلك هي التي تغمض عيونها عن قتل هنا و ترصد بنفس العين تعدياً على حقوق الإنسان هناك , لماذا صمتت ديموقراطية الغرب طوال عقود عن التنكيل بالفلسطينيين في حين لم تتراجع لحظة في احتلال العراق وأفغانستان , لماذا لم تصمت ديموقراطية أمريكا عما حدث في مصر وطالبت بإنتقال سلمي وفوري للحكم في حين خرست عما حدث في البحرين واليمن أو حتى السعودية , إنها الديموقراطية , ديموقراطية تشبه تفاحة مغطاة بالعسل المغري في حين أنها من الداخل عفنة وتفوح بالروائح الكريهة , أليست تلك الديموقراطية .
عرفت الأن لماذا هم يخافون من الإسلام ويحاربونه في أرجاء المعمورة , لأنهم لا يريدون حاكماً مثل المعتصم أو الرشيد أو حتى حاكماً مثل عثمان بن عفان الحيي " ذو النورين " الصحابي الجليل الذي نعتّه بعدم العدل في حين أن هناك حديثاً عن الرسول أشار إلى أنه يموت شهيداً عوضاً على أنه من المبشرين بالجنة ولا يدخل الجنة إلا مؤمن فكيف لا يكون عادلاً, والذي جنى على عثمان هم كما قال كبار المؤرخين أقاربه الذين كان يحسن إليهم. وقد أجمع أهل السنة على أن عثمان كان إمامًا بإجماع الأمة وأنه قتل ظلمًا، فإن كان في الأمة من استحل دمه فقد كفر.
عن أنس رضي الله عنه قال: صعد النبي (صلى الله عليه وسلم ) أحدا ومعه أبوبكر وعمر وعثمان، فرجف، فقال: اسكن أحد "أظنه ضربه برجله" فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان .
هذا هو الإسلام الذي نريد تطبيقه وهذه هي الخلافة التي نريد إستعادتها , خلافة الرسول والصحابة من بعده , وليس بالتأكيد خلافة فيها عسف وظلم , أياً كانت المُسميات ولكن نريد إستعادة أمجاد الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون , نريدها دولة تطبق الشريعة الإسلامية , الشريعة التي شجعت العلوم والفنون والثقافة , الدولة التي جعلت من اليهود وزراءاً ومن الصابئة قضاة , هذا هو الإسلام الذي نريد تطبيقه إذن نحن لا نحارب طواحين الهواء بل نحن في إنتظار جودو " مسرحية الأيرلندي صمويل بيكيت الشهيرة ولكننا نعلم أن جودو قادم لا محالة والفرق الجوهري أن جودو لا يأتي في المسرحية برغم إنتظار كلا الشخصيتين لجودو وثقتهم الشديدة في قدومه ولكنهم ييأسون في النهاية ولكن نحن لا نيأس.... هو قادم بشكل أو بأخر .... قادم... الإسلام قادم بإذن الله.
4 comments:
اللي مستغرب له ان النخبويين بيتكلموا عن الدولة الإسلامية وكأنها دولة ثيوقراطيه و الحقيقة ان الدولة الثيوقراطيه لاوجود لها في الإسلام على الإطلاق .. ويتحدثون عن اننا نحرم الديموقراطيه بينما نحن كل مشكلتنا اننا نريد ان تكون هذه الديموقراطيه ذات اطار اسلامي بحيث لا تحلل حراما ولا تحرم حلالا
الاغرب ان النخبه قاعدين في الدور التاسع بيتفرجوا على الشعب ويتريقوا عليه و يتهموه بالجهل والعماله مش كده وبس دول كمان بيقزقزوا لب على الفضائيات ويرموا القشر على الشعب
أحترم مقالك جدا وأؤيده
لكن الأمر أشبه بمعظم المذاهب الإجتماعية والأخلاقية –مع الفارق طبعا- الغير مطبقة لظروف مجتمعية أو لأخطاء في الفهم والتطبيق
فالأمر هنا يتطلب عدة مقومات كالإتفاق المجتمعي والهدف المشترك والفهم الصحيح والأهم الحاكم الورع ثم القوة الإقتصادية التي تمكنك من الإستغناء عن اخرين يفرضون عليه أفكارهم ومصالحة دولية –تمكنك من التقدم العسكري- وهذه قصة أخري دعنا لا نتطرق لها الأن
بداية هناك من يطالب بتطبيق الخلافة ولا يعلم عنها سوي تطبيق الجزية والحدود والفتوحات والغنائم وهنا من يرفض تطبيق الفكرة لنفس الأسباب السابقة واخر يطالب بدولة مدنية صرفة واخري ذات مرجعية دينية دون أن يكلف احدهم نفسه عناء التفكير فيم يطالب بتطبيقة وهذا ما أغراني بالحديث والإطالة
مع الفارق دوما دعني أعود لذكر بدايات جل الأفكار والمذاهب الإجتماعية والاقتصادية بدأا من الشيوعية فلاشتراكية وحتي الرأسمالية ثم الأناركية واللذين اكتسبوا سمعة سيئة وحتي المذاهب الأخلاقية كالبوذية والكونفوشيوسية واللاتي تحولن لأديان منفصلة والمذاهب الفلسفية التي تحول بعضها لتفرقة علي أسس معينة و لتطهير عرقي الخ الخ فالبدايات كانت دوما لأفكار نبيلة يا محمد قابلها خطأ في الفهم أحيانا وأخطاء كارثية في التطبيق غالبا، لذا قبل ان ننادي بتطبيق الخلافة علينا ان ننادي بفهم تطبيق الخلافة من المسلمين قبل غيرهم
فجل من يعارضون الدولة المدنية لصالح الدولة الإسلامية لم يكلفوا أنفسهم عناء فهم مصطلح مدنية الدولة فأنا ماعدت افترض سوء النية بقدر افتراض الجهاله
كل التحية
السلام عليكم
نحن لا نيأس.... هو قادم بشكل أو بأخر .... قادم... الإسلام قادم بإذن الله.
اخى الفاضل احييك على مقالك الطيب وشعرت بحماسك الجميل وايمانك القوى بكل كلمة فيه
الاسلام باقى ما بقيت الحياة وموجود دائما فالخير فى امة محمد دائما
فربما مسلم واحد بألف من العصاة والكافرين
والحق مع من ينصره ويرفع راياته
احييك جدا جدا بارك الله فيك
تحياتى وتقديرى
الاسلام هو الدين الذي فيه خلاصة كل الاديان السماوية سمي اسلام من سلام
ليس دينا دمويا كما يروج البعض بل هو شريعة ودستور للحياة
من اعتصم به عرف معنى الحياة الحقيقية وفاز بالعزة
تحياتي لك
كعادتك مبهر
Post a Comment