في السادس من إبريل من عام 2008 قام عمال المحلة بإضراب عن العمل , وعلى إثر ذلك دعت حركات المعارضة المصرية إلى مظاهرات للمطالبة بحقوق طبيعية وعادية جداً للمواطن المصري , وحدث الإضراب وأستمر عدة أيام , وأنقلبت المدينة رأساً على عقب بل عمت المظاهرات بر مصر وتركت صدى في العالم كله , سقطت صور الرئيس في شوارع المدينة المدججة بعربات الأمن وهتفت الجموع ضد النظام , وكالعادة كان القمع هو الرد , كان ذلك الحل الوحيد والمتاح هو القمع والضرب بيد من حديد لإسكات أي أصوات معارضة ومحتجه حتى لو كان الثمن هو الدماء , اليوم وحتى اليوم لم تتحقق أي من مطالب المواطن البسيط .
لسنا هنا بصدد عرض تلك المطالب فالمطالب معروفة للجميع وأحوال المواطن المتردية ترى بالعين المجردة كشمس في كبد السماء تلفح الأفئدة العارية التي لاتجد كساءاً .
في التاسع عشر من ديسمبر من عام 2011 أشعلت محاولة شاب في مدينة سيدي بوزيد التونسية مظاهرات ومصادمات بين الشرطة ومعترضين , وكالعادة كان القمع وكانت نفس اليد التي تضرب بيد من حديد في تونس وكان العنف هو السائد , وكما سقط مصابين وقتلى في المحلة سقط مثلهم في المدينة التونسية , وعمت المظاهرات أيضاً في عموم بر تونس بسبب نفس المطالب إياها , فكلا هما يعاني الفقر والبطالة وإرتفاع الأسعار وفوق كل ذلك الظلم والتعنت من قبل الآمن , عمت الاحتجاجات في العديد من المدن التونسية من القيروان وصفاقس وسوسة حتى وصلت إلى تونس العاصمة والمنستير وقفصة , تطورت الإحتجاجات العنيفة لتجبر زين الدين بن علي على إقالة العديد من المسئولين ومنهم وزير الداخلية , وهنا نرى تذبذباً وتوتراً في الإمساك بزمام الإمور وإدارة ذلك المأزق الذي وضع في النظام , أعتقد أن ذلك التذبذب والتوتر الذي ظهر جلياً هو الذي شجع المحتجون على التمادي في احتجاجهم وامتد احتجاجهم على الفساد والمطالبة بالعدالة الإجتماعية إلى المطالبة بإقصاء الرئيس من الحكم .
يُقال أن الرئيس التونسي السابق كان قد أمر الجنرال رشيد عمار بمساندته واالتصدي للإحتجاجات التي قاربت الوصول إلى رقبته ولكن الجنرال رشيد قائد الجيش التونسي رفض أن يقتل ويسفك دم شعبه , ويقال أن الرئيس السابق أقال رشيد عمار ةعيّن بدلاً من رئيس الإستخبارات العسكرية , ولكن بالتأكيد كانت الجماهير أسرع و هرب بن علي تاركاً الجيش التونسي وقائده رشيد يحاول إعادة الإستقرار .
في الثاني من فبراير من عام 1982 ضربت وحدات من الجيش السوري بأمر الرئيس حافظ الأسد مدينة حماة السورية وسقط الآلاف من المدنيين واستأصلت شأفة المعارضة السورية بالسفك والقتل والقمع وساهمت تلك الحملة الدامية في إسكات المعارضة وإخراسها لإعوام , فبدلاً من تحرير الجولان استخدم النظام السوري القوة المفرطة للتنكيل بالمعارضة بل وكافأت المسئولين وكان على رأسهم رفعت الأسد شقيق الرئيس الذي عُين فيما بعد نائباً له , بالتأكيد لم يكن وقتها هناك فيس بوك أو وعياً عالمياً يتوجه نحو كل ثقب إبره في جنبات المعمورة , فلو قتل أحدهم على يد شرطة فوق أعالي الهيماليا الأن سيعلم العالم كله وسيهاجم نشطاء العالم ذلك .
المحلة الكبرى وسيدي بوزيد وحماة , مدن عربية مختلفة في وطننا السعيد , أختلفت الأماكن والأزمان وكان المواطن المقموع و جنرالات الأنظمة المستبدة هي الجانب المشترك , تشابهت كثيراً درجة القمع ولو أختلفت درجتها من مدينة إلى أخرى , في تونس كانت درجة القمع شديدة ولكن كانت الأصوات أعلى وأقوى لتقصي زين العابدين ( رئيساً منذ 1987) ومازالت تنادي بحل حزبه وسيحل , أما في مصر كان القمع شديداً ومازال ولكن النظام كشجرة ليس طيبة ضاربة بجذورها في هذا الوطن ( منذ 1981) ربما كانت المعارضة لم تمتلك نفساً طويلاً كمثيلتها في تونس ولكن أيضاً الرئيس يستند على رجاله المخلصين وزيرا الداخلية(1997) والحربية(1991) لحمايته . وفي سوريا لم يختلف إستبداد النظام السوري عن أشقائه في الظلم وساهم الجيش السوري كثيراً في قتل شعبه والتنكيل به ونجح حافظ الأسد فيما لم ينجح فيه بن علي في إستمالة جيشه ودعمه له ضد شعبه , بل سجل الجيش التونسي دوراً بطولياً في حماية جيشه مع العلم أن هذا الجيش حديث نسبياً وقليل ولا يقاس جيشاً قوياً بجوار جيوش أخرى في المنطقة العربية ولكنه أثبت أنه أقوى جيوش العرب و أثبت الشعب التونسي أنه شعب عزيز بكرامته ومطالبته بحقوقة ,
للأسف ظن الكثير أن التجربة التونسية يمكن أن تقص وتلزق في أي قطر عربي آخر ( Copy &Paste) ولكن كل وطن وله ظروفه ويختلف النظام من دوله لإخرى برغم أنها أنظمه أساليبها واحده ولكن كل نظام وله درجة عمق في أرض الوطن فهو كمرض السرطان أستشرى في الكثير من الأجساد , ولكن درجة المرض مختلفة من جسد لأخر, متى يدركون أنه آن الوقت ليعيدوا حساباتهم, وأن العالم إختلف عن ذي قبل عندما جلسوا على عروشهم التي باتت مهتزة ؟