Tuesday, May 08, 2012

هُم تحرروا ..

تتوالى الصوّر طيلة شهور طويلة منذ قيام الصورة .... بل تنهمر على رأسى وتظل راسخة بالذاكرة لفترة ليست بقليلة ... صور كنا نقرأها في الكتب بطولات كنا نظنها خيالاً .... بطولات أهل بورسعيد وأهل القناة وصائدي الدبابات والطائرات  ... أو حتى نراهم في أفلام هوليود والتي صدرتها لنا أمريكا .. لنترك الفيلم بعد أن نجفف بضع دمعات ذرفناها تأثراً بمشهد إنقاذ البطل للبطلة .. أو غيرها من القصص الملهمة بالفعل والتي أحترفوا كيفية صنعها وتسويقها للعالم

تلك الصوّر المنهمرة التي أراها اليوم .. لشاب لم يتعدى العشرين عادي جداً لا يشبه أبطال هوليود .. لا ينبعث من عينيه مثل ذلك الشعاع .. ... أو أخر ترك أسرته الصغيرة و دكانه أو حرفته الصغيره ...ليلحق بإحدى المظاهرات ويضحي بيومية ضئيلة ... أو شابه جامعية يمكنك أن تلامس كتفها في أتوبيس النقل العام .. فتعتذر لها فتبادلك إبتسامة رذينة تقول لا عليك .. أو تلك المنتقبة التي تراها بزيها الفضفاض تستقبل نظرات إستهجان أو رفض أو نبذ في بعض الأحيان ... وأحيان أخرى ينظرون لها نظرات خوف أو خشية أو إرتياب ......

ما رأيتهم في الصور و في مقاطع فيديو تحبس الأنفاس أو في الميدان وقت الحرب ... ما هم إلا أنا و أنت وأنتي .... لهم نفس ملامحنا ... بشرتنا السمراء أحياناً .. بشرتنا التي أحترقت بشمس يوليو ....
لهم نفس رائحتنا .. رائحة الطمي ... يتنفسون نفس الهواء المشبع بعادم الباصات المتهالكة المكتظة .. سيارات الأمن المركزي ... وربما يعانون من " الأنيميا " ... وأمراض أخرى متوطنة منذ ثلاثون عاماً أو يزيد

 ولكن لحظة ...
هناك شئ مختلف ... مع كل صورة ملحمية جديدة ... أشعر بضألتي أمام تلك القامات ... أشعر بضألتي أمام تلك البطولات الشاهقة
وكأن أشعة ما تنبعث من داخلهم فتضفي عليهم مسحة براقة ... هالة تشبه هالات القديسين ...  إذا لم أكن رأيتهم بعينيّ لما كنت صدقت أبداً أن هذا حقيقي ... أنا ... أنا لست مثلهم ... بل هم أختلفوا ..أنطلقوا في سماء الأختلاف .. فتألقوا كنجوم بعيدة نراها ولا نلمسها 

هم تحرروا .. هشموا كل الأطر و التابوهات والأعراف والتقاليد والمفروض والممنوع والخوف .. هشموا كل ما هو ظالم و متجبر ... كل ما هو أبله وأرتضاه المجتمع من المُسلمات ... هم تحرروا وأستمدوا من الحق قوته وجبروته أستمدوا وهجه الذي يغشي الأبصار ... هم تحرروا وأطلقوا المارد .. الذي يرتعد منه كل ظالم بالرغم من عتاده ورصاصة و قنابله التي لم تعد تؤثر .... هم تحرروا ... ونحن لم نتحرر بعد !ّ

Tuesday, April 17, 2012

أنا والضابط شريف



الساعة تعدت العاشرة مساءاً وأنا منكب بين الأوراق منذ ساعات في مكتب , مكوثي حتى هذا الوقت كان تحدياً سافراً لقواعد المكان , ولكن كانت المهمة تقتضي ذلك وكان السهر حتمياً مع " شريف ", أو حضرة الضابط " شريف " ... هكذا تقتضي قواعد المكان.
رغم أن فرق السنون بيني وبين شريف ليس كبيراً ... فهو يكبرني بسنة واحدة فقط , كان منهكاً هو الأخر ... منكباً على الأوراق على مكتب أخر , دلفت إلى ملفات الموسيقى على جهاز " الكومبيوتر " .. وحتى أكثر ملل العمل المستمر ... شغلت بعض الموسيقى ..... فيروز

فيروز ... كانت تذكرني بالخارج ..... خارج الدوائر الصفراء , الدوائر المموهه , القواعد , والأيام , والأسابيع ,والشهور كانت تنسيني كل شئ , حالة كاملة من الدفئ والشتاء والحب والوحدة والوطن الغائب والطفولة و اليأس والطيور والزهور والبحر ... والفتيات الجميلات .. صبية الأزقة والركض ... عالم ساحر من الحواديت اللانهائية كفيلة بصنع غمامة كثيفة حولي تفصلني عن الكون رغم أن في قلب الكون فتخلف مذاقاً جيداً بعد الدندنة في سري ...

قاطعني الأخر .. الجالس في الطرف الأخر من الغرفة

"شغل منير ... ! "
" مش بتحب فيروز ولا إيه ؟ "
" لا بسمعها ساعات.... انت اللي مش بتحب منير ؟ "
" عيب ..إزاي ... حاضر من عنيا "
" شوف كده .. أغنية " إيه .. يابلاد يا غريبة "
"ذوقك عالي ياباشا ... "

تسربت موسيقى ثمانينية ... وصوت منير يبدو غضاً كأنه يغنيها تواً بيننا الأن ... أخذنا ندندنها سوياً ... " يا خطاويَّه الغريبة ...
دنيا ولا متاهة؟ دايرة و بندور وراها
في صبحها و مساها .. آهة و راها آهة
يا خطاويَّه الغريبة ....

أعقبنا الدندنه بضحكة عالية رغم حزن الأغنية البادي من الكلمات .. ضحكة أظن أنها أيقظت النائمين ...

" واضح إن إنت بتعشق منير .... ؟"
نظر لي شريف ... بعينين مبتسمتين وكأنه كان ينتظر هذا السؤال في لهفة ويريده بشده .... " طبعاً ... أكيد ... الحمدلله إن جيلنا إتربى على أغاني منير ... مش حد تاني "

على رأيك .. .. " هو صحيح ... إنت وصلت فين في موضوع البعثة ده ؟"
أه ... الحمدلله لحد دلوقتي ... في مقابلة الأسبوع الجاي ..هاخدك بكرة بعد طابور " الهتاف * ... نقعد نتكلم شوية كده .

" من عنيا ... حاضر , لكن يارب نخلص من الملفات دي ... "

" يا بني .. ولو الملفات ما خلصتش إيه اللي هايحصل ... يا عم فُكك "

" ياسلام ... يا فندم أنا عسكري غلبان عايز أخلص جيشي في معاده .. إنت ناوي تقعدني معاك هنا على طول "

" طيب .. طيب إطبع النموذج ده ... عشان ناقص هنا عندي "

كام نسخة ؟

لحظات قليلة هي التي أشعر بها في هذا المكان أنني إنسان طبيعي غير مُنساق للأوامر والقوانين ... وكانت تلك من اللحظات القليلة ... حيث كان الضابط " شريف " يجلس متجرداً من " النجمتين " ... يجلس ب "ترينج" ... و " شبشب" ..... وأنا الأخر .. ورغم أن هناك سنة واحدة في العمر كانت الفرق ولكن هناك حولي ستة "رتب" عسكرية تفصل بيننا ... رتبة واحدة فقط كفيلة ب"تنغيص" حياتي , ولكن في الحقيقة هذا الضابط تحديداً كان قريباً من قلبي .. وكان هو تحديداً يحب الحديث معي دائماً حتى أنه حينما تم إختياره للتقديم في بعثة للولايات المتحدة .. جاء لي وطلب مني مساعدته في اللغة ... فرحبت بتلك الفرصة الذهبية لتحريك اللغة الراكدة في قعر الذاكرة .....

هل لو كنا تقابلنا في ظروف غير الظروف ... ومكان غير المكان لأصبحنا أصدقاء ... فنحن مشتركون في الأهتمامات.. ولماذا " لو" نحن بالفعل أصدقاء .. فهو يسمع فيروز ومنير ... نعم و أستعار كتاباً مني من قبل
( ربما لم تعجبني طريقة الإستعارة ولكن لا يهم .. المهم أنه أرجعه )
كان كتاب " إستمتع بحياتك " للعريفي " ... وأبدى إعجابه به ولكن كنت أشعر بعض الأحيان .. أنه ....

محمد ... محمد !!

أيوه يافندم ...

إنت نمت ولا إيه .... إملى بيانات الورق ده بسرعة ... يالا

أخذت الورق في صمت وبدأت ملئ البيانات .... وتركت ما كنت أقوم به

" محمد عايز أسألك سؤال ... بس تجاوبني بصراحة وما تخافش ؟"

إبتسمت ... خير يا فندم

" إنت إيه رأيك في شخصيتي ؟ "

إستغربت السؤال ... لم يكن متوقعاً أبداً , ولكن هذا يدل أني بالفعل مُقرب إليه ويهمني رأيه ... جيد , إبتسمت إبتسامه عريضة

" أنا هأقول رأيي ... لكن ..ممممممم

" أقول ... ! "

" بصراحة أنا أول ماشفتك ..أفتكرتك ضابط " إحتياطي " ...شكلك مش حربية خالص "

" أنفجر ضاحكاً ... حتى أنه رجع برأسه للوراء ... فضحكت بدوري

" للدرجة دي .. شكلي طيب مش كده ومش شرير زي ضباط الحربية "

"حضرتك هاتوقعني في الغلط ليه ... أنا قولت كده ؟ "

" إنت يا بني .. ماشفتنيش أول ما جيت الوحدة ... أنا كنت موقف الوحدة على رجل واحدة ... كنت لسه ملازم بقه ومليان حماس ... بس خلاص زهقت ... الحياة مملة زي ما انت شايف ... وسفر ومشاريع وتفتيشات وبهدلة وتحكم ... ده أنا صعبان عليا خطيبتي من دلوقتي .. مش عارف هاتتجنن لما نتجوز ... !

" إنت خاطب ... ؟ "

أه ... ده لسه قريب .. تانية علوم ... "

هاتعزمني عالفرح ؟

رن الهاتف المحمول ... أدار ظهره ... بينما عُلقت أنا بين السؤال والإجابة
ربما لو كانت شائت الأقدار لكنت أنا ضابط إحتياط بدلاً من كوني جندياً... فنصبح أصدقاء !
واتتني تلك الفكرة .. وكأن كان هناك جانب داخلي غير مقتنع بتلك الصداقة التي أحاول أن أقنع بها نفسي .. كأنه يأبي فكرة كوننا أصدقاء .... ويرفض الوقوع في حفرة " ربما " وهاوية " لو" ..... ويعترف بالأمر الواقع .. أما الجانب الأخر ... يتعامل كوننا بالفعل أصدقاء .. ولا عوائق .

أنهى الضابط شريف مكالمته ... ينظر في ساعته .." يااه الساعة واحدة "
أنا جعت .... أنده يا محمد للعسكري بتاع المتابعة وقوله يجهز أكل .. ويطلعه هنا ... فنفذت الأمر سريعاً , دقائق وجاء العسكري الخاص به ... بصينية كبيرة مملؤه بعدد من الأطباق .. " ماتنزل يا باشا تحت في الإستراحة أحسن "

" لا .. لا ... لسه هانزل وأطلع "
" وبينما أنا منكب على الأوراق ... في صمت يقطعه قضمات الضابط "شريف " وصوت الأطباق المهتزة على المكتب الغير ثابت تماماً على الأرض "

شاء جانبي الشامت الأن أن يذكرني بعبارة قالها ضابط ذو رتبة كبيرة لنا نحن الجنود .. عبارة لم أشاء أن أتذكرها أبداً .

نهضت فجأة ... أستئذنته و هممت في الخروج من المكتب لأجعله يكمل طعامه ... فإذا به ينادي عليّ ... ألتفت إليه ...

" محمد .... تعالى ... شغل أه يا بلادي يا غريبة "



إيه يا بلاد يا غريبة .. عدُوة ولا حبيبة؟

في الليل تصحي عيونِك .. و نجومِك .........................

Tuesday, December 06, 2011

كان الميدانُ جسم أحمدْ. وطنٌ من نوع آخر


أحمد  كان يحلم يوماً ... كان يرى وطنه في عين حبيبته  , أحمد كان شاباً يرتدي الجينز ... يطلق النكات " الأبيحة " أحياناً .. كان يخاف أبيه ويُجله كثيراً  ... وإذا أراد طلباً يذهب إلى أمه في المطبخ  ... يمسك بأي شئ على طاولة المطبخ  ليساعدها  ...فتنظر له أمه ,نظرة بطرفها .." عايز إيه ؟" فيبتسم أحمد إبتسامه نصف ماكرة ونصف بريئة ....تلك الإبتسامة التي كانت تحبها كثيراً  حبيبته...  كان يدخن الشيشة أحياناً  في جلسات الضحكات العالية مع الأصدقاء .و تلفت أنظارهم الفتيات الجميلات اللاتي كان يمرن بين الحين والأخر ... كانوا يتبادلون القصص والحكايات ... عن الذكريات والأحلام والأمنيات ... التي تصعد كلها إلى السماء دفعة واحدة

كان أحمد كائناًَ يقتات على الأحلام ... وكانت تشاركه إحداهن... يوماً ما " سأزوركم في البيت .. أجلس في صالون منزلك... ممسكاً في يدي " بوكيه ورد .. نقيت كل ورده فيه بنفسي " ... أعلم أنني حينها ستكون ركبتي " بيخبطوا في بعضهم " ... أنا الأن سأفعل كما يفعلون في الأفلام ... " عمي أنا يشرفني ويسعدني ... إني أطلب إيد بنتك " وأنتي هناك تختبئين وراء الستائر .. تترقبين وحالك لا يختلف كثيراً عن حالي ....


" انت متخيل فرحنا هايكون عامل إزاي ؟
مش عارف ... إيه رأيــِك نحتفل بيه إحنا الإتنين وبس ... ؟
تصف له الكوشه والمعازيم والسيارة التي سيزفان فيها ... تخبره عن كل التفاصيل

وبعد أن نكتشف ..أننا سنستقبل أملاً جديداً يُولد ...بعد تسعة أشهر...
يوما ما سنجلس سوياً نبحث عن أسماء ... نسمي بها أملنا الجديد في الحياة .... وسنعلم حينها من يحب الآخر أكثر ..أنا أم أنتِ ... " لو كان شبهك يبقى انا بحبك أكتر .. ولو كان شبهي يبقى أنتِ بتحبيني أكتر ..." .... طيب لو كان شبهنا إحنا اللي الإتنين ..؟ ..... واخد " مناخيرك النونو دي " ... بلاش بقك ... أصله كبير ... فتنظر له بغضب مُغلف بالحب ... وتضغط على شفتيها في غيظ ... وتوجه ضربه خفيفه بيدها في كتفه 





يوماً ما

... سأعمل في وظيفة أحبها وأتقنها جيداً ..
. يوماً ما " سأشتري أول سيارة بكل ما نملك من مال ... وتكونين " أنتِ " أول من يجلس بجواري ... نتسكع بها سوياً حول المدينة طوال اليوم ...  وحين ينفذ بنزين السيارة ... نترجل سوياً من السيارة المعطلة ... ندفعها سوياً ونحن نضحك ويظننا المارون أننا مجانين ...   حتى نصل إلى محطةالوقود .. فنفتش جيوبنا عن ماتبقى من نقود  " فكة " لنملئ بها خزان السيارة الجديدة "

" يوماً ما ... سنجلس كهذان العجوزان العاشقان ... في الشرفة

نرتشف الشاي مع " البقسماط " سوياً  في الصباح ... نتفرج على السيارات والمارة ... نجلس طول الصباح نتحدث ونتحدث ..ولا نمل من الحديث ... حتى تلفح أجسادنا الضعيفة نسمة باردة ... فنتساند خارج الشرفة ... إلى داخل شقتنا التي وضعنا كل جزء فيها بجوار بعضها البعض 

راح احمدُ يلتقي بضلوعه ويديه
كان الخطوة-النجمه
ومن المحيط الى الخليج، من الخليج الى المحيط
كانوا يُعدّون الرماحَ
وأحمد العربيُّ يصعد كي يرى حيفا
ويقفزَ
أحمدُ الآن الرهينةْ
تركتْ شوارعها المدينة
واتتْ اليه
لتقتلهْ
ومن الخليج الى المحيط، من المحيط الى الخليج
كانوا يُعدُّون الجنازةَ
وانتخاب المقصلةْ



كانت تتوجه كل يوم إلى الميدان ... على أمر أن تراه .. تتلمس خطواته بين الزوايا ... تتنفس بملئ رئتيها .. ربما تمر نسمات تحمل رائحته ... تبحث عن بقع الدم الباقي المترسب فوق الأرصفة ... وعلى الأسفلت .. بين الضمادات .. تتلمس الحوائط والأسوار والأشجار فربما أسند رأسه أو يديه هنا أو هناك ... تبحث عن بقاياه لتخزنها داخلها .. ذهبت هناك لتقف مع آخرون يشبهونه يحملون نفس ملامحه .. كأنه هو ولكنه ليس هو ... كان لهم نفس عينيه... نفس كفيّه  .. لكن مازالت تفتقد ذلك الجزء الباقي ... الضائع ... تفتقد الوطن .. كان وطنها هو أحمد ... مات أحمد... فمات الإحساس بالوطن داخلها ..!؟

 
لا تسرقوه من الأبدْ
وتبعثروه على الصليب
فهو الخريطةُ والجسد
وهو اشتعال العندليب
لا تأخذوهُ من الحَمامْ
لا ترسلوهُ إلى الوظيفة
لا ترسموا دمه وسام
فهو البنفسجُ في قذيفه
... صاعداً نحو التئام الحلم تَتخّذُ التفاصيل 


---------------------




الأبيات باللون الأحمر ... للشاعر محمود درويش من قصيدة   أحمد العربي

Saturday, October 29, 2011

والإنسان فكرة


ماذا لو واتتني الفرصة أن أعود لأعيش حياتي من البداية.... أعود إلى الوراء قليلاً  . تلك الفكرة التي تنتابني من الحين للأخر , هل بإستطاعتي حينها أن أمنع ... تلك الشعيرات البيضاء - التي مللت من عدها -  أن تتسحب في صمت إلى سواد شعري...   لن أمنعها من أن تقف متحدية ... معلنة عن نفسها ... معلنة عن الزمن
لن أستطيع أن ... أمنع الحيرة .. والحزن ... والجرح... هل أستطيع أن أمنع الألم ...أن أتجنب ما يؤلم ؟
ليس بمقدوري ... أن أمنع الخطأ من الحدوث 
لا أستطيع أن أتجنب..... ما هو مُقدر له الحدوث أو الوقوع 

   ولكن تلك الفكرة مُحببة إلى نفس الإنسان ... أن ينظر دائماً إلى الوراء ... أن يتمنى فقط ....."لـــو ..!؟

أن يتمنى تغيير ما فات رغم أنه يمتلك القادم في الحياة ويستطيع أن يغير فيها , فالحياة مازالت أمامي ..الزمن فيها كبحر واسع وهائج ... أمواجه المتوالية - كأحـــداث - ... عاتية كانت أم هادئة , نستقبلها على صدورنا أو ندير لها ظهورنا .... نقفز لنعتليها ..أو حتى نخترقها من أسفلها ..... وإذا  فجاءة  وجدت نفسي  في نهاية المطاف وحيداً , لا تلمس قدمي القاع بعد أن عبرت المنطقة الآمنة ....لا أجد سوى لوح خشبي .... لأتعلق به

هذا اللوح الذي قد يكون بمثابة أمل .... أمل ولو بسيط في النجاه من الغرق .... أو قد يكون حبـــاً ♥   يبقيك حياً, يبقي قلبك نابضاً
أو قد يكون رجاءاً ..... أو أيماناً ..... إصراراً كان أو تحدياً .... حتى ولو كان ضئيلاً ... فالقليل منه يكفي
وكلما كان ما نتعلق به عالياً ....... كلما سما بنا إلى منازل أسمى 

أتذكر جيداً مشهد ذلك الرجل " الباكي " المتعلق بأستار الكعبة ... وذاك الشرطي يجبره على  الإبتعاد كما لو كان يبعد فراشات من حول مصباح وحيد  ذو وهج في شارع معتم جانبي , هو بالتأكيد لا يتعلق بالكعبة لذاتها ... ولكنه متعلق بمن هو أسمى ... بمن هو فوق السموات السبع ... متعلق برحمه , إذا إستطعنا أن نحصيه ... لما أتسعت له الأرض ولا السماء .... 
التعلق تلك الصفة الإنسانية الصميمة ..... تتداخل أحياناً مع التملك ولكنها تشمله ... فالتعلق ليس شرطاً أن يكون تعلقاً بكل ما هو محسوس وحتى إن كان ذلك فهو يخفي بين طياته معنى آخر 
فإحتضان كفي الدقيق بإبهام أبي ...... كان تعلقاً , ربما ليسري بعض الآمان إلى جسدي الضئيل 
وتعلقي بأمي وإلتصاقي بها ...... حباً ,  وتعلقي بلعبة ما ..... تملكاً , وتعلقي بفتاه ..... حباً من نوع آخر وتعلقي بالله .... رجاءاً ... وخشية وزلفى وتقرباً , ولما نبكي الأحبه عند الإفتراق ... أليس لتعلقنا بهم ... لتعلقنا بشخوصهم ..أصواتهم , أنفاسهم , روائحهم , أفعالهم وكلماتهم .....وكل تعلق ... يملئ داخلنا  فراغ لا بد له أن يُملئ.
وكلما تجذبني نفسي بعيداً لتعلقي بها هي الأخرى ..... أهرول عائداً لأتعلق بأستار روحي ... وخالقها .... كذلك الباكي المتعلق بأستار الكعبة .. المتعلق برحمته.

2

 
وبما أني قاربت ربع قرن في الحياة ( إلا سنة ) .... أهوى كثيراًَ أفعال الزمن الحميدة وليست الدميمة منها , فبعد أن باعدت الأيام بيني وبين حياتي  السابقه , أتوق كثيراً لرؤية هؤلاء .... شخوص حكاياتي الكبيرة رغم صغر سني حينها , ألست أنت أيضاً تشعر بنفس شعوري حينما تطالع ألبوم الصور القابع في الدولاب " وأنت منشكح ... " تتذكر هذا وذاك ... وتلتفت الأن لتراهم حولك قد تغيروا .... فتجد الأولاد ..أصبحوا أطول ونبتت ذقونهم ... وشواربهم إن لزم الأمر .... و لا يمنع أيضاً من أن " تطول ألسنتهم أيضاً " .....أما الفتيات  .... فتقال عليهن كلمة شاملة جامعة .... " البنات أدوّرو ...... ومش عارف أيه .. خرطهم خراط البنات .. والخرط عندي مرتبط ارتباطاً شرطياً بالبط"
نحن نندهش من فعل الزمن ..... فالإنسان ليس معتاداً على تغيرات الزمن الفجائية ... نندهش ولا ندرك أننا بصدد معجزة كونية  ..نندهش  بنشوّة ربما لأننا ندرك داخلنا أنها معجزة وهبنا الله إياها .
وصدقني .. لا تعول كثيراً على هؤلاء القادمون من الماضي .... " وهذا ليس تشاؤماً .. بل هو واقعية " فهذا الصديق بعد أن 
" أخشن صوته " إذا كان رجلاً ... أو أصبح أكثر هدوئاً وإتزاناً ... أو حتى جنوناً أو عصبية , طباعه بالتأكيد أختلفت .... ولكن يبقى ذلك الجزء الصغير ... الذي يشبه  الطفل الذي كان يلهو معك ... وربما تستطيعان أن تتشاركان لحظات محدودة ... باعثه ومحفزة للكثير من النشوة والفرح ... لحظات تتذكران فيها ما فات........ " وهي دي بقه اللحظات اللي بفتقدها جداً " ... ولا أستغرب أبدً أن أجلس وحيداً أضحك " مع تفسي " إذا تذكرت بالصدفة ... أو حتى بمرور شئ ما أيقظ تلك الذكرى بداخلي ....
وبذكر جزيئة ..." جزيئة بأضحك مع نفسي ....... أتذكر نفسي أيضاً " الشريرة المسكينة ... و هي تضحك ... أمام شاشة الكومبيوتر....  " ويمكن لما بنضحك قدام التلفزيون بتكون مبلوعة حبتين " .... لكن تخيل مرور " أحد هم" بجوارك  ممن يخشوّن كثيراً على قواك العقلية ....... وردود أفعالهم ........ ولكن في النهاية .... إذا باعدت الأيام بينك وبين أحدهم ... وعدت على أمل أنه مازال كما هو ذلك الطفل .... فالبتأكيد أنت مخطأ ,,, لأنك انت نفسك أتغيرت وفعل بكما الزمن فعلته الدنيئة ولم يترك لكم سوى لحظـــــات  .... تتذكرون فيها .

و ليس مجرد إكمالك لعدد ما من السنين ... تشير بشكل ما للزمن الذي قضيته على وجه الأرض .... ويطلق عليه مجازاً " عُمر"
حافزاً لتفكيرك العميق .... في حياتك التي وُهبت لك كجزء من خطة محكمة ومتقنه لأبعد مما تتخيل , ولكن يجب أن تفكر كل يوم أو كل أسبوع أو حتى كل شهر
أن تجيب على أسئلة ..... ربما يلتف عليك الزمن وينسيك إياها
ماذا تفعل في الحياة ؟
هل أنت مقتنع ... بما تفعل ..أم أنه مجرد كلام أجوف لا يتعدى حدود الغرفة أو حتى حدود الورقة ؟
وهل أنت تسير في الإتجاه الصحيح .؟
طوال السنين الماضية ماذا أنجزت ....؟
وكما هناك إنجاز ..... بالتأكيد هناك فشل ..." ما شاء الله ما فيش أكتر منه "  :)) ؟
هل تخطط ... " إذا كانوا بيخططوا لمتشات الكورة "  ألا أخطط لحياتي .. والتي سأعيشها مرة واحده فقط؟
تقييمك لعلاقاتك مع بني البشر أمثالك .. وعلاقتك مع الحيوانات أيضاً ..." اللي هم مش أمثالك "؟
في رحلتك العظيمة ... مالذي تريد أن تتخلص منه ..... وما الذي تريد أن تتزود به ؟

في الحقيقة - ويقال - أن ما يأتي بعد هذه الكلمة يكون كذب .... ولكن سؤال الإنجازات ده ... صعب جداً , وجلست كثيراً أفكر فيها ... والصراحة هو موضوع نسبي .. يختلف بإختلافنا .... فأنت يمكن أن ترى هذا إنجازاً .... وغيرك لا يراه إنجازاً ...
وخشيت أن لا أجد إنجازات طوال 24 عاماً في الحياة

هذه الأسئلة أجبت عليها بالفعل ... ولكن في المرة القادمة وغيرها من الأسئلة سأجيب عنها بإستفاضه أكثر وفي النهاية حاول أنت الآخر ..... أن تتسأل وتجيب... وتحول إجاباتك على أرض الواقع لإختبارها .....فهي ليست أرخص بل هي أثمن من فرضيات أينشتين و نيوتن ... هي تتعلق بإنسان ... بكائن لم يُخلق مثله... فأنت النسخة الوحيدة المتوفرة منك... بشفرتك الورثية الفريدة 
تفرد ...... أنت الآخر .....فعالمنا هذا لم يتطور إلا بالتفرد الإختلاف بداية من فكرة صنع" الميكرويف وفرشاة الأسنان  " .... حتى " فكرة... إنشطار الذرة ... وتكنولوجيا النانو ...والطيف ." .............. العالم ليس إلا مجمو عة من الأفكار ....والإنسان فكرة


و الإنســــــــان هو الحــــــل

Friday, August 12, 2011

مجرد إجتهاد


نظرت إلى الطفل طويلاً ... تأملته كثيراً وكأن صورة الطفل المتمثله أمامي أثارت داخله الكثير .. فيما يفكر ياترى ؟ يجهل بالتأكيد الغد تماماً , ينتظره الكثير و الكثير من التفاصيل ... تفاصيل الحياة التي سوف تغيره تماماً ... ربما رأيت نفسي فيه .. رأيت ذلك الطفل الغض الذي كانت أقصى غاياته في حياته الصغيره هي شراء لعبه جديدة يضيفها لمجموعته الثمينه ... او فسحة مع أولاد العم تتصاعد فيها ضحكاتهم وصرخاتهم الطفولية يطاردون فيها الزمن ولا يدركون أن الزمن هو من يطاردهم ..أفتقد براءته كثيراً .. أفتقد ذلك البال الخالي .

كنت ذلك الطفل المنطوي الهادئ الذي لا يتحدث كثيراً ... أرادوني طفلاً مثالياً وضعوني في قالب الطفل المثالي .. يضربون بي المثل في طاعتي وإذعاني الدائم ...وصراحة لم يتوانى أبي وأمي في إحاطتي بالحب والرعاية التي كانت تزيد في بعض الأحيان عن الحد.. مازلت أتذكر أمي في تلك الصباحات الغائمة وهي تمشط شعري وتضع عليه زيت رائحته نفاذه يسخر منها أطفال الصف ... أبي يأخذني من يدي إلى المدرسة كل يوم .. يحدثني في طريقنا القصير عن أنه سيشتري لي دراجه إذا أصبحت الأول على الفصل هذا العام ... وأجدني هائماً وعاشقاً لتلك القطعة المعدنية ذات العجلتين .. تناديني أجراسها من بعيد وتداعبني أشرطتها الورديه في زهو ...   أما أصدقائي أو بالأحرى زملاء الصف الذين كانوا يتفانوا في جعلي أضحوكة ..... مثاليتي وربما قصة شعري لم تعجبهم أبداً .. بالتأكيد قصة شعري بيد أمي لا بيدي وربما ساندويتشات " البيض" التي كانت أمي تدسها لي في حقيبتي المثقلة بالهموم .... ذلك الطفل الذي يجلس في أول " دكه "  ويمتلك كل الإجابات على الأسئلة المحيرة ... هو الطفل الذي يحظى بالقُبل من المدرسات الحسناوات منهم وغير الحسناوات ...هو الطفل الذي لم يعجب الكثير من أطفال " النمر الأزرق " هكذا أطلقوا على أنفسهم...... ولا أعلم حتى الأن حقيقة وجود نمر " أزرق " من عدمه .... ولكنهم كانو أطفال يمتلكون خيالاً خصباً .. ودائماً ما كانوا يُعاقبوا ويلاموا على شقاوتهم المستمرة  .

" المـــــوس أو الدحيـــح " ألتصق بي كليهما حتى فترة قريبة ولم أكن أبالي طالما أن الهدايا كانت تهطل عليّ بعد موسم الإختبارات فهذه دراجة وهذا كومبيوتر وهذا موبايل وهذا جهاز "بلاي ستيشن " وهذا وهذ وهذا .... حتى أدركت فجأة ودائماً ندرك بدون مقدمات .. وجدتني في السنة النهائية من المرحلة الثانوية ... كما لو كان حولي ضباب كثيف لا أرى من خلاله أي طريق او حتى زقاق ضيق ... فجأة أدركت أنني بلا رؤية واضحة للغد ..
" أمنية حياتي أن أعمل في مجال هندسة البترول "  كان هذا أحد الأصدقاء
أجبته " إشمعنا ؟ " ...  " حابب أكون مهندس بترول... بيقولوا شركات البترول مرتباتها عالية "
" أه ..." 
تركت فعل  التمني لأبي وأمي .. فمنذ أن كانت أمي تمشط شعري وحتى أصبحت في طولها تقريباً وهي تتمنى بمشاركة أبي حُلمي بدون أن يشركوني فيه , موقنين تماماً أنه حُلمي بديهياً....  " حلمنا ان نراك طبيباً مشهوراً " .. تلك الجملة التي تكررت حتى بت أشك أنها أمنيتي أنا .. باتت تتكرر داخلي كصداً لصرخة في جنبات أودية وجبال .  ولا مجيب .؟

" اقولك أدخل كليــــة   .....

 يا عم والله حقوق وقدم في النيابة 

المدرسين دول يا معلم... واكلينها والعة ...... 

مافيش أحسن من المحامين .... 

أفتحلك صيدلية 

دكتوووور ...قد الدنيا 

إنت عارف السفير بيقبض كام 

إيه رأيك في حربية .... 

تيقنت أن حيلة أبي القديمة " الحمار والجزرة " لم تعد ناجحة ... وتيقنت أيضاً أنني أسير في طريق لا أختاره ,وتيقنت أنني أصبحت لا أملك إجابات لكل الأسئلة المُحيرة , فالأمر بات مُعقداً وتعدى كونه سنة دراسية ما , أحصل فيها على درجات عالية ومن ثم يهدياني هدية ما تذهب نشوتها بالتدريج , هذا الأمر أصبح يتوقف عليه الغد برمته ... بنسبه كبيره ما سأختاره الأن سيحدد  المستقبل ....الذي يخيفني كثيراً . 
اتذكر جيداً حتى الأن دموع أخي التي لم أراها بتلك الغزارة حين وفاة جدتي , 96 هذا الرقم الذي يقترب من المائة وكان بصحبته بعد الكسور المعتوهه , كان هذا الرقم المحوري يتوقف عليه حياة إنسان ببساطة , باالتأكيد أبالغ ولكن لو كنتم شاركتموني بيتي واسرتي في تلك الأيام .. التي أقل ما توصف بالغير لطيفة أبداً ... فغيمة من الوجوم قد ألقت بظلالها الكئيبة على بيتي فترة طويلة فلسوء الحظ لم يستطع أخي برقمه الذي أصبح مصدراً من مصادرالتشاؤم لبقية حياته أن يلتحق بكلية الطب .. حُلم أبي وامي الأبدي .

ولكني لم امتلك بديل أخر غير ذلك الطريق " معقولة  تجيب مجموع كبير زي ده وتضيعه في كلية مجموعها أقل " ...... فمعظم الأمنيات المتاحة في فاترينات الامل مرتبطة بالعائد المادي الأوفر.
"دكتور "  سمعتها حتى قبل أن تخط قدماي الكليه وبدأت تدريجياً في تغيير تسريحة شعري , وأضحت البثور الملتصقة في وجهي أقل , ونسيت لقباي العزيزان اللذان كانت علاقتي بهما بمثابة عشرة طويلة لا تهون الا على اولاد ....
كانت بداية تفتحي على العالم الخارجي المُغري , وكان من المفترض أنني واحد من العباقرة المتفوقين دراسياً , وصراحة فنحن نستحق , يكفي فقط عمليات الإحتراق الداخلي والنحت والفحت والكحت .
عندما يتعرف الإنسان على تلك العوالم الخارجية التي كانت مجهولة بالنسبة له ويبدأ في تحسس تلك المسارات الخفية بالنسبه له بالرغم من كونها أمامه طوال الوقت , تزامن مع بداية دراستي الجامعية ولادة حُب جديد , وربما لأول مرة في حياتي أصبح شئ ما يستحوذ على تفكيري وبالتأكيد في المرتبة الثانية بعد الإستذكار , وبالرغم من فرحة عائلتي الشديدة ولكن كنت مطالباً دائماً بالإجتهاد في الدراسة ... فكما تقول أمي " لازم تحافظ على مستواك وتجتهد ... انت لسه مش دكتور .. السكه طويله .. ذاكر " وأبي يمدني بتلك العبارات التي تفقد معناها أحياناً من كثرة ما تلوكها الأفواه " المحافظة على القمة أصعب من الحفاظ عليها "


فالنعد لحُبي الأول الذي لا أعلم كيف بدأ وأين ومتى ولماذا , فقط كل ما أتذكره أنني وجدت متعلقاً بشدة بتلك العدسة التي أنظر من خلالها إلى العالم , محاولة أخرى مستميته من الأنسان أن يحبس الزمن داخل أطر ... صورة بأربعة أركان , ربما أعوّض ما فاتني من العمر داخل ذلك الصندوق الصغير , أعتبر أنني عدو للوقت والزمن , لأحتفظ بمجرد صورة تحمل بين طياتها ذكرى ما تضئ داخلي أنا ... مصباح أو قمر مكتمل , ولكن ما لا لم أتوقعه أن لا يقتصر هذا الضوء على داخلي فقط ولكن يضئ لي بوضوح طريق .. ضوء يشق لي طريق وسط ضباب كثيف , ضوء يلقي بظلاله المُبهرة ... وأخيراً  على حُلمي , أصرخ بشدة كالمجنون ....
الأن أصبـــــــــــح لــــــــــدي حُـــــــــلم ... ولكن 


يا هل ترى ما وقع ذلك على أبي وأمي ... أن يعلما أننا بصدد ترك الكلية في السنة الثالثة من أجل ...... كاميرا تصوير 
" أنت أتتجننت يا بني ... انت عايز أبوك يروح فيها ... إنت فاضلك اربع سنين بس وتتخرج وتشتغل "
"أضيع أربع سنوات من عمري على حاجه أنا مش عايزها .... على حلم غيري " 
" هو انت مش بتفكر الا في نفسك ...... أبوك وأمك عايزينك أحسن حد"
" أنا كده أبقى أناني ....... عشان عايز أكون حاجه عايزها ... ده أبسط حقوقي "
"إنت مش عارف مصلحتك فين "
" أنا عندي 21 سنة دلوقتي ... وعندي عقل بفكر بيه "


المشكلة أنك تصنع قراراً فاصلاً في حياتك وما أندرها تلك القرارات الفاصلة ... المشكلة الأكبر أن تلك القرارات يتوقف عليها سعادة وبؤس الآخرين , ولأول مرة في حياتي ... أجد نفسي أمام سؤال صعب , إجابته ليست في الكتب , بحثت وفكرت وبحثت وفكرت ... الكثير من التفكير والقليل من النوم والكثير من القهوة والقليل من النوم الكثير من الإنغماس في التصوير , كأنني أهرب به من الحياة المتحركة إلى الحياة الثابته الجامده , تصوير كل شئ وأي شئ عظيماً كان أم تافهاً .  أكتشفت بعد وقت طويل أن هناك أسئلة ليست في كتب نماذج التقويم ... أسئلة خارج المنهج للأسف لا يصلح معها الصم والحفظ الذي أعتدت عليه ... لأنها ببساطة ليست لها إجابات نموذجية .... أسئلة بلا إجابات نموذجية أو محددة ........... مجرد إجتهاد 


أجتهدت وقررت .... أليست تلك الشهادة التي يريدونها , إذن أربعة سنوات ستهرول سريعاً كما مرّ غيرها وبعدها سأكون حراً .

" إنت عبيط .......... عايز تسيب الكلية وتدخل معهد "
" ده معهد سينما ......"



نظرت إلى الطفل طويلاً ... تأملته كثيراً وكأن صورة الطفل المتمثله أمامي أثارت داخله الكثير .. فيما يفكر ياترى ؟ يجهل بالتأكيد الغد تماماً , ينتظره الكثير و الكثير من التفاصيل ... تفاصيل الحياة التي سوف تغيره تماماً , بالتأكيد سيكتشف أن الحياة بها الكثير من الأسئلة ..... نتخيل أنها بلا إجابات ....... صدقني لها إجابات ولكن إجتهد فقط .. ليس شرطاً أن تكون نموذجيه .. ولكن إنه مجرد إجتهاد




Sunday, July 17, 2011

صورة ملحمية

صورة ملحمية .... نُحتت فوق جدران الزمن
حرباً كحروب ألهة القدماء ...
في الخلف هناك ...
القاهرة المثقلة بالجروح .. تُغير جلدها... تنسلخ لترتدي حُلة جديدة لعشاقها الجدد
مُعطرة بنسائم الحرية المنبعثة تجاهد غمامات الظلم الخانقة
.......
كان لقاء جديداً بين عاشقيّن ... . على صفحة النيل المُعتق
النيل الشاهد على قصتي وكل قصص العشاق
جيوش المحبين تأتي تتهادى .... يحملون قلوبهم عالياً
يهدونها لمعشوقتهم الوحيدة .. والأبدية
رغم أنها صورة خالية من ألوان مُبهجة ... ولكني أرى إبتسامتها هناك تظهر حُسنها الذي كاد يخبو خلف الخوذات والدروع السوداء لمائة عام ... من الوحدة

Saturday, June 18, 2011

صُدفة أم ألعوبة


الجمال وهو أمر نسبي يختلف من شخص لآخر فليس هناك مقاييس محددة للجمال

الخُلق ... على خلق أي طيب المعشر وهذا يرجع بشكل ما إلى المحيط والبيئة والعائلة والتربية والتنشئة الجيدة

التدين ... أي التمسك بتعاليم الدين الصحيح وإقامة الفرائض والإلتزام بها وانعكاسه على الخُلق
حتى هنا رائع جداً 

السن ... هو عمر الإنسان أي الفترة التي قضاها الإنسان في الحياة منذ ميلاده و فترة طفولته ثم المراهقة ثم الشباب حتى العجز والكهولة ثم الموت وينتهي عندها عُمر الإنسان .

المستوى الإجتماعي ... وهو مرتبط بالحالة المادية بشكل ما والعائلة إذا كانت ذات سُمعة طيبة 

المستوى العلمي أو التعليم أو الثقافة ويرتبطون ببعضهم البعض بشكل ما .. ويختلف التعليم من أدنى مستوياته حيث يمكن أن يكون منعدم تماماً أو تعليماً أساسياً فقط ..أو حتى تعليماً ثانوياً سواءاً كان عاماً أو فنياً ومن ثم ننتقل إلى أعلى المستويات التعليمية أي التعليم الجامعي ويتدرج هو الآخر في مخيلة المجتمع فيرى المجتمع أن أعلى المستويات التعليمية هي دراسة الطب البشري ويطلقون على مدارسها وكلياتها ..القمة يأتي بعدها الدراسات المختلفة بداية من الهندسة والمحاسبة والتدريس واللغات والمحاماة وغيرها من العلوم الآخرى المتعارف عليها من قبل الإنسان .
وليس شرطاً أبداً أن يكون الشخص الذي يتمتع بمستوى تعليمي عالي أن يكون على مستوى علمي مرتفع أو حتى يتمتع بثقافة عامة أو فكر ما .

المرض أي العطب سواءاً كان مزمناً أو مؤقت وهي حالة أختص بها الله مخلوقاته ليشعره بعبوديته وضعفة وإحتياجه المستمر يمكن أن يكون هذا المرض ظاهرياً أو غير ظاهري .. فإزدياد أو نقصان إفراز الإنسولين مرض ... والسمنة مرض .. والإعاقة الحركية مرض ..والإنفصام مرض أيضاً  الامراض معروفة وغير معروفة  .. ومنها المجهول حتى الأن برغم وجودها .

الحالة المادية سواءاً كان غنى أو فقر وبالتأكيد يتدرج من فقر مدقع حتى غنى فاحش وثراء 

الحُب .. وهو أسمى المشاعر في الوجود والحُب بالتأكيد أنواعه ودرجاته كثيرة ومتعددة فمنه 
الهوى والصبوة - مغرم صبابة -  و الشغف والوجد والكلف و العشق و الجوى و الشوق والوُد و الخُله - خليل- والغرام و الهيام 
ومنه حب الله و حب الأم و حب الأخ وحب الزوجه أو المرآة ويمكن أن يكون أفلاطونياً أو جنسياً وبالتأكيد حب النفس... وما يعنينا الأن ذلك الحب المولود بين الرجل والمرآة .. الحب ليس شرطاً أساسياً لبقاء الإنسان حيث أن عملية تكاثر الإنسان عملية بيولوجية بحته كالحيوان تماماً ولكن مايميزالإنسان هو المشاعر فقط.

ونقلاً عن الموسوعة فالزواج اصطلاحا هو العلاقة التي يجتمع فيها رجل (يدعى الزوج) ومرأة (تدعى الزوجة) لبناء أسرة. الزواج علاقة متعارف عليها ولها أساس في القانون والمجتمع والدين، وهي الإطار المشروع للعلاقة الجنسية وإنجاب الأطفال للحفاظ على الجنس البشري.


أغلقت حاسوبها الصغير وتناولت كتاباً بجوارها وأسندت رأسها على وسادة صغير , ثبتت نظارتها  وبدأت في القراءة
"
زهور الحب حمرا لأنها شايلة دم تجاربنا. شايلة موتنا. يمكن مينفعش ندوق طعم العشق ونرفض مر الموت” فكرت قليلاً , وأين ذاقت عشقاً أو حباً , تبدو الكلمات ضئيلة بجوار المشاعر المختزنه داخلها , تبدو الكلمات دائماً تافهه أمام التجربة و التجربة تعني الألم وما دمت تتألم فأنت حي , بئساً لحياة تؤلمنا وتوخزنا بتجاربها لنستمر في الطريق , طريق الألام , هل هي مجرد صدفة أو ألعوبة جديدة , نجد أنفسنا فجأة في وسط الطريق أمام سيارة مسرعة... ويحدث الإرتطام, ونفيق على واقع مختلف , مصبوغ بالمرارة .


معنى حبى ان قلبك لو نادانى اجمع العمر في ثوانى
واهديهولك في ابتسامة احلى من كل المعانى



هكذا قالوا "أن الأوقات المحلاه بالسكر المطحون تكون ألذ من الأوقات السادة ... تذوب الأوقات المحلاة في الفم سريعاً ولا تخلف إلا القليل القليل من طعمها الذي يترسب في الذاكرة. كان حُباً بكراً , وكانت مشاعر الحب تتقافز داخلهم كطيور الصباح على فروع الحياة  كما لو كانت أول مرة على وجه الأرض , أحب أدم حواء كما لم يحب من قبل , وأحبته حواء كما لم تحب من قبل , ربما أطلق أسمها على النجوم والأقمار وربما هي سمّت الانهار والبحار بإسمه , نقشا أسماءهم على صفحة السماء الزرقاء وخلقا موسيقى فريدة عزفاها سوياً على أوتار الطبيعة, زقزقة العصافير وحفيف الأشجار ونقر المطر, كان الحب الإلهي بداية وتلاه أول حب بشري .. حب بين أدم وحواء كزوجين كرجل وإمرآة ليكوّنا عالماً .... كانت الأجمل في عينيه فهو لم يرى قبلها أنثى .. وهي لم ترى قبله رجل ,خُلقت منه فاتكأ عليها طوال مشوار  , ليرحل الأشخاص وتبقى أساطيرهم وحكايتهم ترفرف في ثنايا الكوكب  وظل كل رجل يحب أمرأة كما لم يحبها من قبل وظل يحسبها الأجمل في الكون كما لوكان لم يرى قبلها أنثى وظلت المرأة تحب الرجل وتهبه ذلك الصندوق الوردي الصغير الذي يضخ مشاعر بكر و يتكأ عليها في الحياة كما لو كانت خُلقت منه.


تقدم لخطبتها , ورُفض ...لماذا؟ كان مُحاسباً .. هكذا كان رأي والديها كما كان رأي أخيها الطبيب المشهور ,  مُحاسب ؟؟ أتتزوجين مُحاسباً وأنتي مُعيدة بالجامعة ..؟ كما أن عائلته ....؟  كتمت داخلها صرخه وأتخذت قراراً ..ستتزوج من تحب وأقنعت بالفعل والديها  و تزوجا وعاشا مايقارب شهر ... شهر فقط أستطعا أن يسرقاه سوياً من الحياه هذا هو ما أستطاعا أن يحصلا عليه , ولكن .. وعندما تذكر "لكن " يتلوها ما لا يسر , أخوها وشقيقها وإبن أبوها وأمها... لم يشأ أن يتركهما وأصر على أن يخرب هذا العُش , هي الأن مُطلقة ولم تكمل بعد عامها الخامس والعشرين ... مُطلقة , أصبحت في نظر المجتمع تلك المُطلقة لأسباب يجهلونها هم ويحاولون أن يحزرونها .
جُل وقتها تقضيه منهمكة في القراءة و تدوين الملاحظات و الإستماع إلى أغنيات لا تخلف إلا ألماً كما تمر عليه الساعات بين أرفف المكتبات ,بين الصفحات والسطور و بين صفحات الإنترنت بين مسارات حاسوبها الصغير وكأنها تختبأ في كل هذا من الحياة من البشر, هي الأن بين أكناف قسمها الذي عشقته دوماً " علم الإجتماع " وأكثر ما تمقته الأن هو .. المجتمع بكل مافيه ,ماذا يعني المجتمع غير مجموعة من الترهات ,  ترى الأن الوجه الآخر من المجتمع , الوجه الأسود القاتم الذي يراقبها كفريسة لينقض عليها وينهش فيها كل يوم, كل ساعة , كل لحظة, ذلك الوجه الذي طالما قرأته في كتب ِقسمها وبين أرفف مكتبتها العامرة بمؤلفات ابن خلدون و أوجست كونت وماكس فيبر وغيرهم ,كفرت بعلمها وليست إلا مجرد إمرآة فشلت في إرتباطها بمن أحبت فقط وجدت نفسها في مواجهة رسالة ماجستير موضوعها فشل الزيجات في المجتمع وأسبابه . -------------------


النص الأول من رواية " نون " لسحر الموجي
الأغنية " معنى حبي " لأنغام

Saturday, June 04, 2011

بلــدي وإن جــارت


 كانت هناك على ناصية الشارع تلقي مجنزرة بثقلها على الأسفلت الذي لم يعتاد على جنازيرها الثقيلة وعليها بضعة من العسكر بزيهم اللافت للنظر
, أصطدم بناظريه ذلك المشهد في صباح السبت الباكر عندما فتح نافذة غرفته , تذكر أياماً شاء أن ينساها دوماً ولو كان بيديه لمَحاها من الذاكرة ..

جندي طبيب
.. أحمد محمد عبد الحي محمد
أفنـــــدم
سين أربعة طب .... تعالى هنا
كان مايزال جندياً مستجداً ولم يعرف شيئاً  وصراحة لم يرغب أن يعرف ما هية تلك السين أربعة التي نطقها الصف الواقف على رؤوسهم , كما لو كان واقفاً في سوق نخاسه , الأفضل في تلك الظروف كما تراءى له أن يظل هكذا منتظراً المجهول كما هو بخيره أو بشره , لا يسأل ولا يستفسر عما سيحدث غداً فقط هو يسير في الركب , على عكس آخرون أعتبروا أنفسهم يُساقون ......

أنتقل أخيراً إلى وحدته تلك السين أربعة التي تشكل نقطة منسية في الكون ..أو نقطة سوداء في بحر من الرمال المتلاطم , كانت المرة الأولى التي يرى فيها دبابة عن قرب ذلك الكائن الثقيل الذي كان يترك غمامة في نفسه بمدفعها الشامخ في السماء الذي يعلن عن وجودها وقسوتها الغير مبرره أبداً , مختبراً بذلك خاصية إنسانية صميمة في ذاته ألا و هي التكيف على كافة أشكال الحياة القاسية والتي أبقت الإنسان حتى الأن عى وجه الأرض , ها هو يختبر تلك النظريات على أرض الواقع , يبدو الأمر كابوساً في البداية ولكن مع مرور الوقت يصبح جزءاً من المكان و يصبح المكان جزءاً منه , كأنه ينحت داخله خصائصه المقيته ويتشكل داخله حتى يظن أنه سيبقى في ذلك المكان إلى أبد الأبدين.

تلك النظرة التي رأها في عين إبن أخته ذو العشرة أعوام كانت تختلف تماماً عن نظرته أول مرة لذلك الكائن الثقيل ... الدبابة , كان الصغير ينظر إليها نظرة إجلال غير عادية كأنه يرى شيئاً خارقاً للطبيعة , طلب منه الصغير أن يحمله ليجلس على جسدها البارد الصلب , ولم يشأ هو أن يقترب أكثر , كأنه كان يخشاها ولكنه رضخ في النهاية ..... " بعد إذنك يا ..... " وفكر في ثواني .. كان يمقت تلك الكلمة" دفعة "...  لم يكمل عبارته و أبتسم له الجندي المصلوب على المجنزرة و أومأ برأسه .. أراد الصغير أن يظهر معه في الصورة . "إلا هذا الطلب " ألتقط له الصورة سريعاً والطفل لم يرفع نظره عن صديقته " الدبابة " الذي تمنى أن يقتنيها كلعبة خاصة به بجانب طائرته النفاثة الموضوعة على رف ألعابة.
كانت حرباً بكل ما تعنيه الكلمة , قتلى و جرحى ورصاص حي وقناصة و مولوتوف ... ودماء يضج بها المكان لتصبح رمزاً أو علامة تلتصق بالذاكرة ولا تبرحها أبداً , كان قد جاء بالأمس بعد أن دعاه صديقه وزميله في المستشفى الواقعة في حي من أحياء القاهرة المُعدمة , هناك في وحدته العسكرية قبل سنوات كان أقصى ما يتعامل معه جرح سطحي نتيجة آلة حادة أصابت أحد الجنود أثناء صيانة أو ما شابه أو حتى إغماء أصاب جندياً من حرارة شمس لا ترحم .....أما الأن رؤوس مهشمه وعظام مفتته وعيون مفقوعة, كانت لحظات صعبة الإدراك بالنسبه له ... أنتصف النهار وهدأت الشمس ولم تهدأ وتيرة الأحداث في هذا اليوم الدامي , الساقطون في تزايد ... وهو و زملاءه يلهثون لمحاولة الإبقاء على أنفاس أخيرة متصاعدة  هناك في "وحدة الجبهة" في الميدان هكذا أسموها كانت قريبة من المتحف حيث يتوالى البلطجية كسيل جارف من تلك الثغرة ويهاجمون المتظاهرين بجميع أشكال المقذوفات .


هناك أحداث لا يستطيع الزمن أن يحتويها , تكون أكبر من أبعاد الزمان والمكان , تتفرد تلك الأحداث بتصاعدها وتلاحقها وكأنها ترغم الزمن أسيراً لديها تسوقه أينما شائت وكيفما شائت على عكس المعتاد , كأنما تسوق وتُسيّر الزمن , كأن الأحداث هي النهر  والزمن هو السفينة , تلك الأحداث تبقى حية إلى الأبد برغم إنتهائها , تبقى داخلنا وتشعر أنها مستحيلة أن ندركها بالكامل وأحياناً تعجز الكلمات عن وصفها .. وإن أدركنا أو وصفنا فالبعض وليس الكل فنحن نعجز عن وصف الألوان , عن وصف الأحمر أو الأسود , عن وصف الحب , عن وصف الشجاعة ..... عن وصف البسالة التي تجلت أمام عينيه في شعب , كأن هذا الشعب غير الشعب الذي يعرفه منذ أدرك الحياة منذ أدرك هذا الوطن وأدرك شوارعه بالسائرين المنصهرين فيه , كان يرى في عيني ذلك الشاب قوة ما خفية ... كأن داخله كائنٌ أسطوري ككائنات الرخ والعنقاء , إنها المرة الثالثة الذي يأتي له فيها بجرح أخر ينزف في مكان مختلف  , يلتقط الطبيب الشاب أداته التي بردت قليلاً بعد أن ألهبها ببعض الكحول الذي أشعله ليطهرها و بيدين مرتعشتين بدأ في خياطة جرح قطعي في الرأس , وأنهي " أحمد "على عجل خياطة الجرح ليعود الشاب مرة أخرى لميدان المعركة .... حيث أطفال في عمر الزهور يحملون الحجارة إلى المتظاهرين على الجبهة ... وحيث أمرأة تملئ زجاجات الماء وتخترق الصفوف الأمامية بها لتسد رمقاً جافاً ... وحيث هناك يُجلون مصابين إلى النقط الطبية ... وحيث أطباء إستشاريون وجراحون كان فقط يتمنى أن يقابل أحدهم في أحد أروقة المؤتمرات ليسلم عليه فقط .... إنها ملحمةٌ تجلت أمام عينيه ... ملحمة لن تتكرر يتذكرها كلما نظر إلى ذلك الجرح الذي أكتشفه في نهاية اليوم ولم يشعر أصلاً به عند الإصابه .



وضع بضعة ورقات من فئة المائة جنية في جيبه وشق طريقه هو وصديقه بعد أن حصلا على قبض شهر متأخر وتركا المستشفى المغلقة تقريباً إلا أقسام قليلة بعد هجوم بلطجية بالأمس إثر موت أحدهم نتيجة أعيرة نارية في مشاجرة في الجوار , وأنطلقا إلى أحد مختبرات التحليل لإجراء فحوصات مطلوبة قبل السفر بعد أن أقنعة صديقه بأن هناك مركزاً طبياً في دولة خليجية في حاجه ماسة إلى تخصصه ... كان "أحمد " يسير معه على مضض وهو يتردد تارة ويرفض تارة ويقتنع بوجهة نظر صديقه الذي يشجعه على السفر معه حيث ان البلد " حالها واقف " ومر شهر على الثورة والأمور تسوء , هو لا يفكر الأن إلا في هناك ... عقله ووجدانه تركه هناك بجوار المتحف وعند المسلة وفي المستشفى الميداني في المسجد  , وجوه الشهداء ونظرات المصابين التي كانت تائهة وموقنة في نفس الوقت , كان لأول مرة لا يشعر بإمتعاض من إرتداء معطفه الأبيض طوال الوقت أو حتى بقطعة الورقة التي لصقت على صدره " د/ أحمد    جراحة  "  ذكرته بأخرى كانت موضوعة أيضاً على صدره ولكن حينها نزعها خجلاً بعد أن أنطلق مع زملاءه ليقوموا بتنظيف الصرف بالأمر .

" أحمد ؟"
" ها .....؟  ماذا ؟"
" هل أنت بخير ؟"

أحياناً يكون التفكير قاتلاً ... كان كذلك مع "أحمد " .. كان شغله الشاغل ذلك القرار الذي أعتبره مصيرياً .. تذكر ذلك الشاب الذي يسكن داخله الرخ والعنقاء والذي جُرح لأول مرة فوق الحاجب  ... ومرة في رسغه الأيمن .. والمرة الثالثة  كانت
في رأسه .. أيقن وقتها أن هذا الشعب غير عادي .. خارق لكل قوانين الطبيعة هل يقول فقط هكذا لأنه ينتمي إليه ؟  هل هناك شعوب أخرى خارقه للطبيعة وللتصور ... أللإستبسال والإندفاع للموت بصدورهم العارية معنى آخر غير ..... مِصري , أم أن تلك هبة للإنسان أجمع .... صدق الرسول ....." لقد قررت ...... لن أسافر ...... ؟"

نظر إليه صديقه وهو في حالة صمت مطبق ... وملامح متجمدة

" أحمد ....... عليّ أن أقول لك شيئاً

.......

نتيجة الفيروس إيجابية .

Thursday, June 02, 2011

خـــــفوت مــؤقــت

 
يترك مصحفاً وعباءة ومسبحة خشبية , ويذهب الى صلاة العشاء ,ليصلى الفجر ويعود شهيداً... يمتلك صوتاً أعلى من صوت الرصاص, تتسع ارادته لتنطلق وتشمل قطاعاً بل لتشمل وطناً , برغم كرسيه الذي اعتاد عليه منذ سنين ولكنهم كلفوا انفسهم الكثير ليتخلصوا منه 

ما بال طفلاً لا يهتم الا بألعابه ومدرسته , ما وجه الضرر الذي يمثله طفلٌ مازال يخطو خطوات قليلة في حياة قاتمة , حياة من خلف المعابر و السياج , حياة تُشكل على هدير الرصاص و أزيز الطائرات الأمريكية الصنع , حينها قبض على أصابع يد أبيه , وكأنه لا يريد أن يتركها أبداً, وجد الأب نفسه أعزلاً عارياً وحده أمام رصاص كأنها حدايات لا تفرق ...شكل نفسه درعاً واقياً لجسد طفله الهزيل. 


  كأن هاجساً يطارده بقرب النهاية ,أراد أن يُطل على قريته البعيدة, كانت الأمور قد ازدادت سوءاً في الأيام الماضية ... فقد أعتقل الكثير وزُج بهم في السجون وتُرك هو وحيداً , وحيداً ليواجه قدره , نعم كان قوياً وصلباً ولكن الضربة هذه المرة كانت قاصمة, يتمنى الأن فقط أن يرتمي بين أحضان مُعلمه و أبيه , مرشده ومن أتكأ عليه , تمنى فقط أن ينحني ليمرر كف ابيه على وجهه , ليشتم رائحته التي تعيده الى أزقة قريته الضيقة و ركضه فيها , صحبته , مسجدها الصغير الذي شهد صلاته الأولى واستمعت جدرانه لترديده آيات من الكتاب

تتباطئ دقات القلب .... وتبدأ شعلة الحياة في الخفوت رويداً رويداً .. رغم أنهم يظلون

Wednesday, June 01, 2011

نحن لا نحارب طواحين الهواء... بل نحن في إنتظاره


  هناك قاعدة هامة جداً في تاريخ الشعوب تؤكد أن هناك علاقة طردية بين التقدم والرقي الحضاري ونظام الحكم , ومن خلال قراءة متأنية وموضوعية للتاريخ الإسلامي نجد أن الخلافة الإسلامية التي أستمرت قرون من الزمان وأتحد تحت رايتها المسلمون , هي ليست إلا شكل من أشكال نظم حكم الشعوب التي كانت متعارف عليها حينها , وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم بالفعل بأن الخلافة الإسلامية لن تستمر على نفس النهج الذي أسس له وقد ورد هذا في احاديث كثيرة عن الذي لاينطق عن الهوى ومنها هذا الحديث التفصيلي الذي يوضح نظم الحكم المختلفة 

" ‏تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا ‏ ‏عاضا ‏ ‏فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا ‏ ‏جبرية ‏ ‏فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت " رواه أحمد


وكلمة عاضاً أو عضوض في المعجم تعني   فِيهِ عَسْفٌ وَظُلْمٌ  " الْخِلاَفَةُ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ عَضُوضٌ " أي أن هذا الملك الذي أستمر لقرابة قرون كان فيه عسف وظلم وهذا لا يعني مطلقاً أن حكم الخلافة الأموية والعباسية وما تلاها كان كله عسف وظلم وكان حكماً دموياً طوال أربعة عشر قرناً ,إذاً هناك فرق بين أن جزء منه فيه عسف وظلم و ان كله عسف وظلم
نستنج من ذلك أنه كان هناك  حكم رشيد و خلفاء عادلون قادوا العالم وصنعوا حضارة كانت سابقة لعصرها وشيدوا مدناً كانت قبلة لسائر البشر وشجعوا علوماً أنارت وما زالت تنير العقول , إذن هي حقيقة أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخلافة الراشدة كانت ثلاثون عاماً فقط ومن بعده يكون حكم في عسف وظلم أي فيه قتل ودم وفتن وليس كله .

عثمان بن عفانمن الظلم أيضاً أن نتجاهل حضارتنا الإسلامية الذي أجلها واحترمها الغرب ونعتبر تاريخنا الإسلامي بالكامل تاريخاً دموياً قائم على الصراع على السلطة , فقد كان هناك حكاماً لهم ما لهم وعليهم عليهم كأي بشر يخطئون ويصيبون , فعبد الملك بن مروان الذي حارب الصحابي عبدالله بن الزبير ونحن هنا بمنأى عن الدخول في مهاترات فات أوانها ولم يعد يجدي النقاش فيها , ولكنه في نفس الوقت بنى المساجد والمدارس ودور العلم وصك النقود وعرب الدواوين , وسار على حذوه كافة الخلفاء من بعده حيث اتسعت الدولة الإسلامية لتصبح من اقوى الإمبراطوريات في العالم حينها واكثرها ازدهاراً في العلوم والفنون والثقافة , كما أنار الإسلام مدناً لأول مرة في أوروبا وآسيا .


اما بغداد والتي إذا زرتها تكاد تنطق حجارتها بمجدها التليد , تكاد تنطق بغداد بحاكم رشيد أسس للعدل والإسلام , تكاد تنطق أرصفتها وشوارعها بأقدام وطائتها من سائر أنحاء العالم لتنهل من انهار العلم والفن والثقافة , تكاد تنطق جدرانها بما شنفت أذانها من نصوص ومعادلات وألحان فتحت الأذهان قبل أوانها , نعم كان هناك فتن وحروب ولكن كان هناك حاكم كهارون الرشيد الذي تعمدوا تشويهه رغم أنه نقل لنا انه كان ورعاً وكان يصلي مائة ركعة في الكعبة , وفي عهده وفي عهد غيره كانوا يحتفلون بأعياد المسحيين بل أرتقوا في المناصب والدرجات كغيرهم , ألا تعتبر تلك أزهى عصور المساواة والعدل وإلا ما كان الخليفة المنصور لقب " بأبي النصاري " بعد علاقة وطيدة مع بطريرك مسيحي حينها , ألا تعتبر تلك أزهى عصور التعايش والتي أحتضن  فيها الشريعة الإسلامية كافة الأديان سماوية وغير سماوية بل حتى الوثنية منها عبدة الأفلاك والنجوم , وكان حاخام اليهود في بغداد رأسًا للطائفة اليهودية في العالم أجمع , ولم تجبر قبائل مسيحية عربية على الدخول في الأسلام , وبنيت في بغداد قلب الخلافة الإسلامية الكاتدرائيات في حين أنه لم يُبنى مثلاً حينها مسجداً في "آخن" وهي مدينة ألمانية كانت مركزاً لحكم شارلمان إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة وبمناسبة ذكر شارلمان هناك قصة مشهورة جداً تبين التقدم الهائل الذي كان يحظى به المسلمون حيث أرسل الرشيد هدية ساعة مائية إلى إمبراطور الروم وكانت الساعة في منتهى الدقة تحسب الوقت بالثواني فحسبها شارلمان سحراً ومكيدة , هذا الزمن الذي لم يتكرر وكان المسلمون يعدون رعباً للإمبراطوريات الأخرى وكان أباطرة العالم يأتون ليعقدوا الإتفاقيات لدرء شرور المسلمين عنهم بل ويدفعون لهم الجزية , أتدري لماذا لأن المسلمون كان قد توحدوا تحت راية الإسلام الذي يهان الأن ويُقتل المسلمون وتتعالى صراختهم في انحاء العالم و لا مجيب ألا تتذكر عبارة " ومعتصماه " ألا تتذكر رد هارون الرشيد على إمبراطور الروم حين نكص بوعده واتفاقه فبعث له هارون قائلاً " من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".

هذه الحقيقة التي يعلمها القاصي والداني , الصغير والكبير , مستشرق كان أم مستغرب , نحفظها نحن المسلمون عن ظهر قلب كما حفظنا حديث الرسول الذي ذكرته سابقاً والذي يؤكد أن الخلافة عائدة شئت أم أبيت وخلافة ليست كخلافة الامويين أو العباسيين بل خلافة على منهاج النبوة يكون أساسها الإسلام القويم , فقط البعض نسى أو تناسى تلك الأمجاد بل يريد أن يمحوها من الذاكرة بإدعاء أنه تعلق بوهم أو محاربة لطواحين الهواء , بل أنت من تحارب طواحين الهواء بإعتقادك بان الحل هو المدنية والديمقراطية في حين أن الإسلام يشمل كلاهما وهو الذي رفع من أتخذوه منهجاً رفعهم إلى أعلى الدرجات وجعلهم يسودون العالم بالرقي والحضارة وليس بحد السيف , فهذه المدنية والديموقراطية منقوصة وما هي إلا لعبة يستخدمها الغرب للوصول إلى مأربهم وإلا ما كانت جثث الأبرياء تناثرت في أنحاء العالم بإسم الديموقراطية , أليست الديموقراطية تلك هي التي تغمض عيونها عن قتل هنا و ترصد بنفس العين تعدياً على حقوق الإنسان هناك , لماذا صمتت ديموقراطية الغرب طوال عقود عن التنكيل بالفلسطينيين في حين لم تتراجع لحظة في احتلال العراق وأفغانستان , لماذا لم تصمت ديموقراطية أمريكا عما حدث في مصر وطالبت بإنتقال سلمي وفوري للحكم في حين خرست عما حدث في البحرين واليمن أو حتى السعودية , إنها الديموقراطية , ديموقراطية تشبه تفاحة مغطاة بالعسل المغري في حين أنها من الداخل عفنة وتفوح بالروائح الكريهة , أليست تلك الديموقراطية .

عرفت الأن لماذا هم يخافون من الإسلام ويحاربونه في أرجاء المعمورة , لأنهم لا يريدون حاكماً مثل المعتصم أو الرشيد أو حتى حاكماً مثل عثمان بن عفان الحيي " ذو النورين " الصحابي الجليل الذي نعتّه بعدم العدل في حين أن هناك حديثاً عن الرسول أشار إلى أنه يموت شهيداً عوضاً على أنه من المبشرين بالجنة ولا يدخل الجنة إلا مؤمن فكيف لا يكون عادلاً, و
الذي جنى على عثمان هم كما قال  كبار المؤرخين أقاربه الذين كان يحسن إليهم. وقد أجمع أهل السنة على أن  عثمان كان إمامًا ب‏إجماع الأمة وأنه قتل ظلمًا، فإن كان في الأمة من استحل دمه فقد كفر‏.‏
  عن أنس رضي الله عنه قال: صعد النبي (صلى الله عليه وسلم ) أحدا ومعه أبوبكر وعمر وعثمان، فرجف، فقال: اسكن أحد  "أظنه ضربه برجله"  فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان .
هذا هو الإسلام الذي نريد تطبيقه وهذه هي الخلافة التي نريد إستعادتها , خلافة الرسول والصحابة من بعده , وليس بالتأكيد خلافة فيها عسف وظلم , أياً كانت المُسميات ولكن نريد إستعادة أمجاد الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون , نريدها دولة تطبق الشريعة الإسلامية , الشريعة التي شجعت العلوم والفنون والثقافة , الدولة التي جعلت من اليهود وزراءاً ومن الصابئة قضاة , هذا هو الإسلام الذي نريد تطبيقه إذن نحن لا نحارب طواحين الهواء بل نحن في إنتظار جودو " مسرحية الأيرلندي صمويل بيكيت الشهيرة ولكننا نعلم أن جودو  قادم لا محالة والفرق الجوهري أن جودو لا يأتي في المسرحية برغم إنتظار كلا الشخصيتين لجودو وثقتهم الشديدة في قدومه ولكنهم ييأسون في النهاية ولكن نحن لا نيأس.... هو قادم بشكل أو بأخر .... قادم... الإسلام قادم بإذن الله.