Tuesday, March 29, 2011

- معطف من قيود - الجزء الثامن

 مــعـــطـــف مـــن نـــوع آخــــر
كأنه صادق حانات وكؤوس النسيان , يعود كل ليلة إلى غرفته المعتمة التي عششت في جوانبها خيوط العنكبوت , كروحه تماما , تجد الكتب المتراصة كأنها تجذب الغريب أن يرفعها , ينفخ الأتربة من فوق الغلاف , ويقلب بين الصفحات التي ما أن يفتحها , تهاجمه رائحة الأوراق العتيقة , الأوراق الصفراء الشاحبة التي تاهت بين سطورها الكلمات.
كاتب قصص , نعم هو كاتب قصص وحكايات , يعشق البوح , يعشق أن يخلق أبطاله ويزج بهم في أحداث تحركهم وتدفعهم دفعا, يتحكم بمصائرهم ويقرر سعادتهم وبؤسهم , أبطال على الورق , يشكلهم من الحروف والكلمات على هواه, هنا على مكتبه بين أقلامه وفي غرفته المنعزلة عن ضجيج الكون , يجلس بين أبطاله و يشعر أنه الآمر الناهي , هنا فقط وليس في أي مكان آخر.
بالتأكيد قصاصاته لا تأمن له خبزاً كافياً يقتات عليه , بل له وظيفة أخرى لايحبها ولا يحب ذكرها أبداً بين أصدقائه , قالوا يعمل  نادلاً في خمارة يقدم كؤوس شراب  , وقالوا يعمل في مكتبة عتيقة في مصر القديمة مع كهلٍ نساه الزمن , وقالوا يعمل مع طبيب للأمراض النفسية والعقلية كتمرجي , قالوا وقالوا كثيراً ولا أحد يعلم الحقيقة أين ؟ ... يستيقظ مع انسحاب آخر أشعة للشمس , ليبدأ رحلة ليلية يعود بعدها مع شمس الصباح ... وهكذا دواليك .
الإنسان كائن محبٌ للبوح ... عاشق ومتيم ومجذوبٌ بالحكايات حتى لو كانت أساطير وخرافات , ولكنها تومض أجزاءاً في سبات عميق , عندما تبدأ في سرد حكايتك , تجدهم قد أودعوا لديك أذانهم وخيالهم ... تتسارع نبضات قلوبهم عندما تقترب الأحداث من ذروتها , من اللحظات الفاصلة , تجدهم قد قدموا لك دموعهم تأثراً بشخوص في خيالك أنت , ولكنك كأنك تزرعها في خيالاتهم , لتجعل تلك الشخوص من لحم ودم , كأنك تصورها أمامهم وهم يمارسون حياتهم اليومية , هنا يجتمع أفراد أسرة يتناولون وجبتهم الآخيرة وهم لا يعلمون ذلك , وهنا فتاة في العشرين تقف خلف النافذة ولا تعلم أن حبيباً يطرق الأبواب الأن ,ليأخذها إلى عالم حلمت به منذ أمد , وهنا سائق عربة لا يعلم أنه سيعود إلى بيته ليجد زوجته تبشره بآمال تعاود من جديد .... لا تنتهي الحكايات , هي مستمرة بإستمرار الحياة , كأننا نعيش حكاية كبيرة نحن ننسجها ولا ندري , نعيشها ولا نعي ما تخبئه بين ثنايها , كأن تلك الحكايات نتوارثها كجينات داخل خلاينا من جيل إلى جيل إلى يوم الدين .
وضع القلم وآخذ يرسم في خياله تلك البطلة كأنها مركزاً لمجرة جديدة ولكنها على الورق , تدور في فلكها الأحداث والشموس والكواكب والأقمار والشخوص في دوران لامتناهي , فبعد أن كتب مقدمة بسيطة عن البوح والحكايات , آخذ في تشكيلها ونحتها كأنها تمثال لأفروديت أخرى , آخذت تتعاظم وتتعاظم حتى ......... طرق شديد على الباب , الساعة الأن تقارب السادسة صباحاً , من ياترى يطرق الباب في ذلك الوقت , قرر ألا يجيب , ولكن الطرق تزايد , قام في عصبية ليفتح الباب , ليجد صديقاً , يدخله مستفهماً عن سبب زيارته له في هذا الوقت المبكر ... كانت علامات الذعر والإنهاك ظاهرة على وجه صديقه , حاول أن يستفهم , وصديقه يشير له بيده أن ينتظر قليلاً حتى يسترد أنفاسه .........
وضع القلم مرة أخرى , ليست بداية موفقة , أحياناً تهرب منه الأحداث المتلاحقة كما لو كانت فرسه جامحة تطيح بفارسها ولجامه, إما ضعفاً من الفارس أو لجموح الفرسه , نعم لقد نحت تلك الشخصية الخرافية لإمرآة تدور في فلكها الأحداث والشخوص وتوقف عند ذلك الجرف لا يعرف أين يذهب ولا يعرف له سبيل , ينظر إلى الساعة التي قاربت منتصف الليل , يقرر النزول متجاهلاً كل مخاطر تلك الساعة , يرتدي معطفه القديم ويلف وشاحه المغبر , لا بأس من تمشية في شوارع وسط البلد الخالية الآن من المارة , عله يتصيد أفكاراً لحكايته الجديدة , كان يسمع من بعيد ضجة تحملها الرياح مصدرها ميدان واسع ورحيب يعج بالآلاف , لم يلتفت وآكمل طريقه , لم يشعر برغبة في التوجه الى هناك الى حيث اصدقاءه جميعاً , يتذكر تلك الليلة التي قرر فيها أن يبيت هناك , وطاردته الأسئلة كما لو كانت وحوشاً تنهش فيه , كانت النظرات تلتهمه التهاماً وتلقي به في قبو مظلم كالشارع الذي يسير فيه الآن , قطع تفكيره نحيب مكتوم يأتي من آخرالشارع , لم يتبين من أين , ولكنه تخيل أن شخص ما يجلس على الرصيف هناك في نهاية الشارع , لم يتبين ماهيته بسبب الظلام وربما بعد المسافة , آخذ يقترب في هدوء وهو يوقن أن مصدر الصوت ذلك الشخص , وما أن قطع نصف المسافة حتى وجد هذا الشخص, الذي تبين انه آمرأه تنهض بسرعة وتبتعد مسرعة مُخلفة وراءها شئ ما , كأنه طفل رضيع ..... أقترب أكثر وهو يسرع عله يحمل الطفل ويعطيه لأمه , حمل بين يديه ما كان يظن أنه طفلاً ... ولكنه تبين أنه ليس طفلاً ...أنه .. أنه معطفٌ مكوّم .
واضعاً المعطف الذي ظنه طفلاً تحت إبطه وصاعداً السلم إلى غرفته , وما ان دخل إلى غرفته حتى فرَدَ المعطف, وكأنها تجسدت أمامه تلك الخرافية , كأنه يراها الأن وهي تتبختر بمعطف أبرز مفاتنها , بطلته التي نحتها بكلتا  يديه على الورق , كأن المعطف قد صُنع لها خصيصاً هي وحدها فقط , وضع المعطف بحذر على أريكته كأنه يحمل رضيعه الأول ويضعه في سريره الصغير . ووقف هنيهه يتابعه ويتأمله وكأنه فتن به , أبتعد عنه ببطأ إلى الوراء ولم يرفع ناظريه عنه حتى أقترب من سريره , فجلس قليلاً ثم مال بظهره الى الوراء شارداً ومستلقياً على السرير حتى ذهب بعيداً .. بعيداً حيث عالمه .. عالم الحكايات .
لي شئٌ يخصني عندك " هكذا فتح عينيه في وقت مبكر لم يعتاد ان يستيقظ فيه , انها العاشرة صباحاً وقد ذعر على طرق شديد ,ليفتح الباب فيجد حارس العمارة وبجوارة إمرآة فقط ...... هكذا هي امرآة , لا توصف بكلمة أخرى غير أنها امرآة , امرآة بكل ما تعنيه الكلمة .... دعاها للدخول وشكر الحارس , " أعتذر المكان لا يليق كما ترين" .... " لا يهم , لا يهم ولكن لي شئٌ يخصني عندك "
" ها ... ماذا تقصدين " ....... " هذا هو ... النائم على أريكتك" 
" هذا المعطف ... هو لكي "
" نعم هو لي "  وبدأت المرآة في رفع المعطف ولكنه سارع و اختطفه من بين يديها 
" ماذا هناك ... أليس من العيب أن تأخذ شيئاً ليس لك , أنك غريب الأطوار حقاً .. ماذا تفعل ياترى بمعطف نسائي كهذا"
.....
" أتعطيه لحبيبتك ؟ "
" ليس لي أحباب "
" إذن لماذا انت متمسك به هكذا ؟ "
" وكيف أعلم انه لكي ؟"
"هناك حيث الميدان ...ميدان واسع ورحيب يعج بالآلاف, هناك حيث اصدقاءك جميعاً , هناك حيث الشارع المظلم الذي كنت أجلس في نهايته على الرصيف "
ولماذا كنتي تبكين ؟
لا يخصك
" إذن لماذا تركتيه ؟ "
" جل من لا يسهو "
في أثناء ذلك الشد والجذب , كان المعطف يُسحب من بين يديه , ليستفيق فجأه وهي ترتديه , ليرى فيها بطلته التي تحولت فعلاً إلى حقيقة من الورق إلى كائن من لحم ودم , نعم إنها هي مجرة تدور في فلكها الشموس والكواكب والأقمار .
توالت اللقاءات هنا وهناك , كأنه أقتيد في طريق لا يعلم له آخر , طريق يُسمى مجازاً بالحب , أحب بطلته الجديدة , عرف النهار وعرف الميدان وعرف الحرية ,بالتأكيد لاحظ أصدقائه ومعارفه تغيراً ملحوظاً وغير متوقع أبداً, فلأول مرة يخبر أصدقائه أنه يعمل في عيادة لطبيب ليس مغموراً هناك عند أسوار القاهرة القديمة , كان يستيقظ مبكراً ليهجر الليل وكائناته الكئيبة , ليبدأ حكاية جديدة يصنعاها سوياً كأنها عجينة يشكلنها كما يحبان بالزعتر كانت أم بالنعناع , فنجان قهوة صباحية يقلبانه سوياً فتغمس أصبعها ليتذوق الحلاوة ويحدد .. مقطوعة موسيقية يؤلفان نوتة لها سوياً ويرقصان رقصتهما على آلحانها ، هما فقط . نسي المعطف وتعلق بصاحبته التي لايعلم من أين هبطت عليه , لم يستفهم ولم يسئل كثيراً , كأنها هدية من السماء لا يجوز السؤال لماذا ولا كيف بل عليه أن يتقبلها فقط .
وضع القلم أخيراً بعد أن أدرك الأن أنه تمرس في ترويض فرسته الجامحة , تمكن من الأحداث تمكناً تاماً , وأصبح يوجه الدفه أينما يشاء , نظر إلى الساعة التي قاربت على الرابعة عصراً , لتعلن عن قرب مجيئ المرأة ذات المعطف , يفكر كيف غيرت تلك المرآة  حياته من النقيض الى النقيض بدون أن يدري , سلبته عقله وفؤاده معاً حتى بات لا يفرق بين الواقع والخيال , بين مالمسه بيديه وما يدور في خيالاته.
ينظر في الساعة مرة أخرى ليكتشف أنها قاربت على منتصف الليل,ويكتشف فجأة أن المعطف مازال جاثياً بثقله على أريكته لم يتزحزح , أين بطلته وأين ...... 
يبدو ... يبدو أنه تاه في وسط النص في دوامة ..كأنها أحدى المجرات , نعم تلك المجرة التي تدور في فلكها الشموس والأحداث والكواكب والأقمار و الشخوص وكل شئ , إنها تلك المرأة , إنها تلك المجرة , هل أصبح هو الآخر يدور في فلكها بدون أن يشعر , جذبته في مدارها حتى أصبح واحداً من تلك الأشياء ... مجرد شئ , لم يصدق أنه أسر بتلك السهولة , فجأة وبدون مقدمات بات أسيراً لكائن خلقه بيديه .. شكله ونحته كتمثال آخر لأفروديت ... حمل المعطف بين يديه ونزل إلى الميدان باحثاً عنها ... إمرأة ... إمرأة بكل ما تعنيه الكلمة , لم يُدرك أنها لم تخلق بعد لم تخلق إلا في خيالاته , كان مازال مأسوراً بها هائماً على وجهه باحثا عنها بين الوجوه , رفع المعطف عالياً في وسط الميدان وأخذ يصرخ " لمن هذا المعطف ؟ "  ظنوه مجنوناً !  كان الجموع في وادي وهو في وادي آخر, لم يجدها ولن يجدها برغم أن داخله آمل أن يصحو على طرقات سريعة وعنيفة على الباب لتوقظه من نوم ثقيل ليسارع لفتح الباب ويجدها تأتي لتسترد معطفها الذي نسيته في أحد المرات السابقة .
ترك القلم وأحتضن المعطف وقرر أن يخرج من دائرة النص التي صنعها بنفسه وأُسر داخلها ... ليفتح الباب ويسمع من بعيد ضجة تحملها الرياح مصدرها ميدان واسع ورحيب يعج بالآلاف... ويقرر أن يترك نفسه للرياح علها تحمله إلى صاحبة المعطف الذي يحمله.

Sunday, March 27, 2011

مُـــخـــتـــلـف


كنت أسارع الدقائق والثواني , قبل أن ينتقل العقرب الصغير ليعلن منتصف الليل , كانت دقات قلبي قد توحدت مع ساعة اليد في معصمي , أسارع الخطى قبل الثانية عشر , قبل موعد حظر التجوال , أنظر إلى الهاتف الجوال , الذي أستسلم منذ قليل للإنهاك والتعب بعد يوم شاق , أحاول أن أنعشه قليلاً عله يعود , كل ما أخشاه الآن أن يحدث لي مكروهاً ولا أستطيع أن أخبرهم في المنزل عن مكاني , بالتأكيد هم الآن في غاية القلق والفزع , أتخيل أبي يقف أمام الباب , وأمي تبحث في المفكرة عن أرقام أصدقائي لتتصل بهم وتسألهم عني , بالتأكيد سيخبرونها أنني تركتهم منذ أكثر من ساعة , اللعنة على الطرق وخطوط السير المزدحمة قبل ساعات الحظر.
أنها الثانية عشر وأسمع الآن بأذني صوت أبواق عربات دوريات الحظر, وقد بدأت في شق طريقها الخالي والموحش إلا من بعض الهوام و بعض سيئي الحظ مثلي , أركض وأركض في الشوارع الجانبية , تتقافز الأفكار في خاطري  , رؤيتهم لي فقط وأنا أركض كافية لتثير الشك والريبة في نفوسهم , إذاً ماذا أفعل هل أسير بشكل طبيعي , أم ماذا ؟  
أحاول أن ألتقط أنفاسي مختبئاً بجوار صندوق نفايات في زقاق ضيق جانبي , أقرر أن أركض على جانب الشارع وإذا شعرت بقرب إحدى الدوريات , فلأختبئ بسرعة في أحد الأزقة الجانبية,
أسير على الخطة التي قررتها , ركضت كثيراً على الرصيف , وفجأة رأيت أضواء مصابيح عربات الدورية الساقطة على الإسفلت عند التقاطع , تراجعت بخطوات فزعة حتى لا أثير جلبة, وما أن استدرت لأدخل زقاقاً حتى شعرت بكفٍ ثقيلة تدفعني بقوة لأرتطم بالرصيف , أحاول أن ألتفت إلى الوجه , ولا ألمح إلا خوذة صماء ... أرى فيها انعكاس ملامح موجهي المذعورة !

لا أشعر إلا وإبرة تنسحب بعنف من يدي , لأكتشف أني قد وقعت في يد دوريات الأمن , كنت مستلقياً على سطح أملس وبارد و يدي اليسرى مُقيدة في أحد الأعمدة خلفي , جاء أحدهم ليفحص يدي اليمنى ويرفع ذقني إلى الخلف , ويذهب ... لا تتخيلون أبداً كم الأفكار الرهيبة التي كانت تتخبط في رأسي وتتصارع , كانت تتوالد وتختفي كأمواج هادرة تضرب بلا هوادة داخلي مُخلفة رعشة قوية ليست سبباً لبرودة الجو أو حتى السطح البارد الأملس الذي أرقد عليه , قطع شرودي في السقف المصمت أحد الحراس ( هكذا ظننت ) ليفك القيد ويصطحبني إلى غرفة أخرى تشبه غرفة تحقيق , تشبه التي أراها في الأفلام , مصباح صغير معلق في وسطها , مُسقطاً ضوءه في وسط الغرفة .

 في ذلك اليوم عندما عدت بصحبة أبي وأخي , نُهرت كثيراً من كليهما , وما أن فتحت الباب حتى أخذتني أمي بين ذراعيها وتخيلت أنها لن تتركني بعدها أبداً , نظرت لي ولطمتني لطمة خفيفة , كان لها وقعاً أكبر من تلك الضربة التي تلقيتها في الزقاق تلك الليلة , كانت تحاول النظر في عينيّ وأنا أشيح بوجهي إلى الأرض , لا أريدهم أن يروا دموعي رفعت رأسي و كانت تقبض بيديها على كتفيّ وتهزني بعنف " أنت رجل ... أنت رجل ..الرجال لا يبكون " .

لا أنسى أبداً تلك الدقائق الأخيرة في مقر الأمن في تلك الغرفة , رجل في اواخرالثلاثين يجلس على كرسي خلف المكتب الصغير , يشعل سيجارة , يقدم لي واحدة  فأومئ برأسي بالرفض على استحياء و يبدأ في الحديث : أنت تعلم ظروف البلاد جيداً لذا أنصحك في المرة القادمة ألا تتأخر إلى هذا الوقت , تواجدك في الطرقات إلى هذا الوقت يعرضك إلى الإعتقال .
أتهيأ لإطلاق بعض الكلمات ولكنه يسبقني "أعلم أنك لم تقصد ذلك لقد تأكدنا من هويتك " ...... وفي لمح البصر قفز بجسده فوق المكتب ليمسك بذقني بعنف " إذا كان هذا لايعجبك .... هَاجر ..أترك البلاد ..نحن لسنا جالسون هنا لنقبض على أمثالك لنكتشف بعدها أن طفلاً كان يلهو في الشارع لوقت متأخر " ....كان صوته يعلو ويعلو ورذاذه يخترق مسام وجهي بعنف , ترك ذقني وانتفض من مكانه فقمت بدوري لأجده يقبض بيده رقبتي ويدفعني إلى الحائط " إياك ... إياك أن نجدك مرة أخرى حينها لن يعثر عليك أباك أبداً " و سدد في بطني ضربة سقطت على الأرض على إثرها وأنهال بقدميه يركلني في أنحاء جسدي بعنف, وعاد إلى كرسيه لينفس الدخان كما لو كان ثعباناً ينفس سُماً و هو يطلق بعض الضحكات وأناأتلوى من الألم.
هَاجر" تلك الكلمة التي ترددت لأيام داخلي , بل لأسابيع كنت أتحاشى النظر إلى أبي , وهو أدرك السبب , يبدو أنه كان مُتفهماً , ترك ذلك المحقق داخلي أثراً سيئاً لا تمحوه الأيام ولا الأسابيع , كنت لا أطيق النظر في وجه أبي , كنت أشعر أنه يتألم بل يتقطع من داخله , لم ... لم تتلاقى عيوننا منذ فترة طويلة , في تلك الليلة , كنت مستلقياً على السرير .. لم أغفو بعد , وسمعت طرقاً على الباب , أجبت " من ؟ " ..... " أنا ... أنا أبوك " ..بصوت منخفض ومستكين , عضضت على شفتي , ونهضت في بطأ إلى الباب , وأرتميت جالساً وراءه " ماذا تريد ؟ .... أتركني أرجوك ..أتركني الأن , لا أريد أن أراك , لا أريد أن أسمع صوتك ..!؟
أرجوك يا بني .....أ ..أ..أنا أبوك وليس المحقق ...أعلم  أن هذا مؤلم ....؟
أرجوك ...أرجوك إبتعد ...إبتعد ..إذهب بعيداً 
  لمـــاذا "  أطلقها أبي وكأنه يقتلع شوكة من قلبه , أحسست بالألم في بحة صوته المتهدج وهو يمتنع عن البكاء 
ضربت على الباب عدة ضربات ...ونهضت من مكاني وفتحت الباب بعنف 
نظرت في عينيه ..وكأنه تلقى ضربة مني ...." أتعلم لماذا لا أريد أن أراك ...أتعلم لماذا؟  لأنك تذكرني به ..أنت لم تشعر بالإزدراء والقهر والظلم من رجل يحمل وجه أبيك ...لم تشعر بتلك المشاعر التي تدفعك إلى الجنون..أتعلم لماذا ؟ علمت الأن ...بالتأكيد لا تعلم شعور أن يسبك ويلعنك بنبرة صوت أبيك ..؟
علمت الأن ... أن يقهرك و يسبك أبيك 
أنا لست من قمعك أنت تعلم ذلك ... وليس لي ذنب في ذلك , أنت من تسببت بذلك
نعم بالفعل أن السبب ...أنت بالتأكيد لست هذا المحقق أنا أعلم ذلك ولكنك تحمل ملامح وجهه ونبرة صوته 
هذا ليس ذنبي .... هكذا هو العالم , هكذا خلقنا ...كلنا لنا نفس الملامح والصفات والعقول والأفكار والهويّات , والتقاليد و كل شئ ... كل شئ , ألست تشبه أقرانك في سنك , وأمك كذلك , وأختك أيضاً وأخيك وكل البشر من حولنا ... كلنا متشابهون , كلنا نمطاً واحداً , نفكر بنفس الطريقة , ونسلك نفس السلوك , ولنا نفس المعتقد والدين؟
لماذا ؟
لا تسأل ..لن تجد إجابة 

----------
هكذا ولدت في هذا العالم الذي تطابق فيه الجميع ليصبح كأنه نسخة واحدة , فمنذ ان تفتح إدراكي على هذا العالم وانا لم أبلغ اصابع اليد الواحدة , لم اميز أبي وأمي من صوتهم ولا وجوههم أو حتى أشكالهم , وعندما أرتدت مدرستي الاولى كان أقراني متطابقين في الشكل و في الهيئة وفي نبرة الصوت , وعندما كبرت قليلاً علمت ان هناك رقماً وإسماً على يدي اليمنى و أعلى رقبتي مطبوعاً منذ ان ولدت , وأيضا بطاقة هوية معلقة في الرقبة ...هكذا أعتدت على هذا العالم المتطابق, فكلنا نمتلك نفس الافكار والتقاليد والمبادئ , لذا اعتدنا على التطابق الذي وهبنا الراحة , هم كانوا يقنعونا بذلك في المدارس والجامعات, ان التطابق نعمة وميزة , لأن الإختلاف يسبب لنا الكثير من المشاكل والكوارث , وكانوا يبرهنون على ذلك بالآخرون ,  ولم يعطونا تعريفاً محدداً للآخرون ,  فقط أخبرونا انهم يقتلون بعضهم البعض , بل أنهم سينقرضون في النهاية بسبب إختلافهم , وقالوا أيضاً أننا تعرضنا لغزو ما تسبب في شذوذ بعضنا في أفكاره أوحتى هيئته , فأصبح مريضاً " بالإختلاف "؟
كان ذلك منذ سنوات طويله , سمعت أن النظام قاوم ذلك و نجح بالفعل في القضاء على معظم المختلفين عن طريق محاكم التفتيش التي كانت تعدم كل من يُتهم بالإختلاف , فكانت تهمة واحدة بالإختلاف من أحدهم كفيلة بالقضاء عليك انت واسرتك , وان كان القضاء على المختلفين من حيث الشكل كان سهلا ولكن كان القضاء على هؤلاء المختلفين من حيث الأفكار كان صعباً ,هكذا خلقنا نرفض الإختلاف بعنف ,لاننا أعتدنا على التطابق في كل  شئ 
منذ أن يولد الطفل الصغير وتولد معه مشاعرٌ تغرس في قلب أمه , تميز طفلها بين العشرات برغم تطابقهم في الشكل , هناك رابطة غيرمرئية ما تربط بين أفراد العائلة الواحدة , فأنت لا تميل إلى احدهن لأنك أعجبت بملامحها ,بل لأن هناك قوة خفية تجذبكما سوياً .
أعتدت تلك الحياة ورتابتها , فكل شئ هنا متطابق يسير على نفس المنوال, فالبنايات هنا ذات نفس الطراز حتى الطرق والمركبات والملابس , هنا لا مجال للإختلاف ولا مجال للتميز, لا مجال للشذوذ عن القاعدة, تلك القاعدة التي خرقتها تلك الليلة وأنا أركض في الشوارع عند منتصف الليل , هنا مقرات علاجية للمختلفين , فهنا أضحى الإختلاف مرض , والمختلفون مرضى ...؟
--------------------------------------------------------------------
أنتهت القصة ولم ينتهي عالمنا من إختلافه وتباينه منذ أن هبط آدم عليه السلام من الجنة لأنه أختلف, وسفك الأخ دم أخيه لأنه أختلف معه , وأختلف كل الأنبياء مع أقوامهم فإما أهتدوا وإما ذهبوا بغير رجعة , وأختلفت الشعوب مع حكامها فقامت الثورات , وأختلفت الدول فقامت الحروب , وأختلف رجل وآمرأة .... فخلفا طفلاً ممزقا ؟
قبل مئات السنين أختلف المسلمون مع ماجاورهم من حضارات مختلفة ومتباينة , فأنصهروا جميعاً في إناء واحد , أنغمست فيه فرشاة لترسم لوحة بديعة على مر العصور , ذاب فيها المسلم وغير المسلم , المسيحي واليهوي , حضارة مازالت تتحاكى بخرافيتها الأجيال حتى الآن,عندما يتتلمذ المختلفون على أيدي بعضهم البعض فيشكلوا لنا أربعة مذاهب كأربعة أعمدة ترفع سقف الإسلام عالياً...إختلافنا رحمة

Wednesday, March 16, 2011

السياسة في مصر


في أحد زياراتي القليلة نسبياً لمعرض القاهرة للكتاب بمدينة نصر , منذ سنتين تقريباً , كنت بمفردي وأثناء إجتيازي لإحدى البوابات العديدة والتي كانت مزدحمة بفعل اجراءات التفتيش الشديدة , بوابات آمنية وتفتيش متعلقات شخصية ونحو ذلك , كان يبدون أن النظام مرعوباً من فكرة تجمع هذا العدد من المواطنين ( يمكننا ان نطلق عليهم مثقفين ) , أجتزت البوابة الآمنية بعد أن أطلقت صفارة , أشرت على إصرها للقطعة المعدنية المثبته بالحزام , ومررت اشار لي احدهم بلباس مدني , وطلب مني ان اعطيه حقيبتي الصغيرة , فتحها , وجد بعض الكتب , قلب فيها جذبه عنوان أحدها , لم يكن كتاباً بالتحديد بل كانت مجلة , " مجلة السياسة الدولية ", نظر اليها كأنه أكتشف إكتشافاً عظيماً " سياسة ؟ " , " انت بتقرا سياسة ؟ " ... " إنت منين ؟" .... أستدركت الأمر قبل أن يتهمني بقلب نظام الحكم .." لا لا سياسة إيه ... دي مجلة بتصدر تبع مؤسسة الأهرام ..الأهرام ؟ حضرتك عارفها ؟ وبعدين أنا اشتريت الأعداد دي من جوه ..  " أعاد الكتب إلى الحقيبة وسمح لي بالذهاب  , الصراحة أكملت تجولي داخل المعرض وأنا أضحك وأحدث نفسي كلما تذكرت هذا الموقف .
هذا هو النظام , كان يعتبر أن السياسة من المبيقات , أو من مبطلات الوطنية , فمنذ ان أراد الله لنا أن نُحكم , لم نرى حياة حزبية سليمة ترقى للدول والأنظمة الديموقراطية الأخرى في العالم , فبعد أن قامت الثورة وحلت الأحزاب , حتى تذكر السادات بعدها بسنوات عديدة ضرورة إيجاد مناخ سياسي صحي , وبالتأكيد وجب وجود الأحزاب , ثلاثة أحزاب فقط , وبعدها رأينا وتابعنا عن كثب مسرحية الأحزاب الكارتونية الهزلية على مر ثلاثون عاماً , وحتى الأن لم يتواجد ذلك المناخ السياسي الصحي القائم على أحزاب أياً كانت توجهاتها , يمثلون توجهات الشعب وينتخب ممثلي الشعب إنتخابات تعبر عنه وتفرز لنا حياة سياسية سليمة .

كانت علاقة السياسة بالمواطن المصري البسيط , تنحصر في متابعته لموجز أنباء يقطع فيلما أو مسلسلاً أو حتى أخبار التاسعة وهي يتناول ثمرة البطيخ في ليلة صيفية ساخنة , أو تنحصر في جريدة معارضة كالدستور أو الأسبوع تسبب له أعراض مختلفة تماماً عن تلك الأعراض التي تسببها له صحف أطلق عليه مجازاً بالقومية , أو تنحصر في حديث عابر مع زملاء في العمل أو مع ركاب آخرون من نفس الوطن محشورون في إحدى وسائل المواصلات( مع اتخاذ الحيطة ) , وبالتأكيد فتلك الأحاديث لا تجد لها متسعاً داخل الأسرة السعيدة المغموسة  في حساب المصروفات والمرتب, غير ذلك فالمواطن متفرج ومحلل وناقد من الدرجة الأولى .
هكذا أقصى نظام سلطوي ومستبد طوال سنوات المواطن بعيداً عن أي مشاركة فعالة في الحياة السياسية , حتى أنه لم يعطه الفرصه أصلاً ليشكل وعياً سياسياً أو اتجاه أياً كان , وبالتأكيد كما أشرت سلفاً أن البيئة الصحية للحياة السياسية لم تكن موجوده , بل بالعكس كانت بيئة مناسبة جداً لتربية الفطريات والميكروبات والفيروسات بل والأورام في حالات متقدمة حتى باتت الحالة مستعطية وتستوجب البتر , فقد حوّل النظام المواطن لجرذ يجري في عجلة تدور إلى مالانهاية , فلا العجلة تتوقف والمواطن يدور داخلها ولا الجرذ  ..أقصد المواطن يتوقف عن الجري والهرولة خشية السقوط والموت .

المـــــــواطــــــــن فــــــــي عيــــــــــــــــن النظــــــــــــــام  

ربما كان النظام يصنف المواطنين على هذا الأساس : (1) مواطن ( في حاله ) لا ينتمي الى اي احزاب او تيارات سياسية أو جماعات دينية , فقط يبحث عن قوت يومه ورزقه ويعاني من نقص حاد في الوعي السياسي نتيجه لعدم توفر رؤية واضحة  ولا ادراك ولا احساس بمسئوليته عن هذا الوطن وبالتالي عدم رغبته في التغيير .. يمكن ان يكون هذا المواطن يمتلك رؤية وادراك للموقف ولكنه فقد احساسه بدوره او فعاليته , فهُم افقدوه دوره السياسي , أفقدوه احساسه بصوته واهميته في صنع القرار لذا من الطبيعي جدا ان نجد هذه المعدلات الهزيلة في المشاركة في الانتخابات , حتى لو شارك فهو يشارك بمقابل مادي فوري وملموس , طبعا هناك عدد قليل جداً من يقرر من نوعية المواطن رقم (1) أن يشارك بإيجابية في الانتخابات ( أبسط وأسهل أنواع المشاركات السياسية ) ولكن للأسف المواطن رقم (1) يمثل الأغلبية العظمى من مجتمعنا .

مواطن رقم (2) المواطن الذي قرر ان يمارس الحياة السياسية ممارسة آمنة وبالتأكيد فقد استخدم كافة الوسائل الآمنة التي لا تجعله ينجب ...أقصد لا تجعله ذو فعالية حقيقية , فهو يمارس ولكن لايمارس , فهو عضو في حزب الحاكم , نعم أستخرج كارنيها يمكن أن يفيده في أي مكان صحرا ان كان او بستان , متفاخراً وسط  زملاؤه السذج بأنه حزب وطني , مشهراً في وجه من يعترضه الكارنيه كسيف بلاستيكي , وهكذا أصبح مدرج عندنا خمسة ملايين في الكشوف على أنهم حزب حاكم , هذا النوع من المواطنين يفتقد إلى الرؤية الواضحة للمشهد السياسي ولا يدركه أصلاً إدراكاً جيداً , بالإضافة إلى انه يعاني من احساس مزيف بالمسئولية ولذا لا يشعر بأي دافع للتغيير , أقصد هنا أن معظم من انضم إلى هذا الحزب أو أدرج اسمه في قوائمة ليس بدافع المشاركة السياسية ولكن بدوافع أخرى وان كنت اشك أن هناك أعداد قليلة جداً كانت تنضم إليه بدافع إيجابي وحقيقي للمشاركة .


مواطن رقم (3) مواطن (جماعات) ويمكنك أن تميزه بسهولة ويسر بلحيته الطويلة وثوبه القصير أما الأنثى فهي منتقبة , وهذا المواطن لايمارس اي شكل من اشكال النشاط السياسي وينوء بعيداً عنها , فلا هو ينضم الى حزب ولا جماعة سياسية , بل يكتفي ببعض الأنشطة الدعوية المحدودة ومرتبط بالمساجد (بشكل مبالغ فيه من وجهة نظر النظام طبعاً) ويمكننا أن ندرج إلى هذا النوع من المواطن رقم (3)الباقون على قيد الحياة والخارجون عن الجماعات الإسلامية وجماعات التكفير والهجرة , بالنسبة للرؤية والإدراك للمشهد العام فهو ضعيف جداً وبالتالي فهو لايشعر بمسئولية واضحة في هذا المجال بالذات ولا يمتلك الدافع للتغيير , بالتأكيد فهو ذو توجهات ودوافع في منطقة مختلفة و بعيدة كل البعد عن الحياة السياسية  .

مواطن رقم (4) المواطن المعارض , هذا المواطن الصبور الحمول وكل شئ على وزن " فعول "  وهو يمارس الحياة السياسية فقط  بدون اتخاذ اي حيطة او حذر , لذا فهو عرضه في اي وقت لأي مفاجأة من مفاجأت النظام , ..... ومرتبط بصناديق الإقتراع أحياناً , ويمكننا أن نضيف إلى هذا المواطن صفة ناصري , ليبرالي, إخواني , قومي , يساري , إشتراكي, وهذا هو المواطن الوحيد والمختلف عن الثلاثة السابقون فهو يمتلك رؤية واضحة - إدراك لما حوله - إحساس بالمسئولية - رغبة في التغيير, وإن كانت تختلف من جماعة إلى أخرى .
توضيح بسيط يجب التنوية إليه وهو أن المواطن المعارض المضاف إليه صفة ( إخواني - أي يتبع جماعة الإخوان المسلمين ) يمكننا أن نضيف أنه يمارس الحياة الدعوية بجانب السياسية , لذا فساحات أنشطته تشمل أيضاً المساجد بجانب صناديق الإقتراع.

ملحوظة رقم (1) المواطن رقم (1) و(2) و(4) يمكننا أن نجد المسلم والمسيحي مندرجاً تحت أي من تلك الأنواع الثلاثة , فيما ينحصر المواطن رقم (3) في نوع واحد فقط وهو المسلم .
ملحوظة رقم (2) يندرج عدد محدود (في تزايد) من المواطنين الذين يعانون من التخمة جراء أنواع متعددة من الفساد تحت بند المواطن رقم (2) وبالتأكيد فهو إما طالب سلطة أو مال  أو الله أعلم .

يمكننا أن نصف الوعي السياسي للشعب المصري بالمتدني , بالتأكيد الأمر يختلف تدريجيا مع الوقت بعد ثورة يناير , ففي اعتقادي مازال وعينا السياسي يتشكل ويتكون في تلك الأيام مع وجود عدد كبير جداً من الشعب مازال يفتقد ذلك الوعي.
لم يعي النظام أبداً ان مصر لم يصل تعداد سكانها إلى تلك الدرجة , ولم يعي أيضاً أن نسبة المتعلمين علاقتها كانت علاقة طردية مع تعداد السكان , ومؤكد أن نسبة الوعي السياسي تزداد وسط المتعلمين , أزداد الوعي السياسي بطريقة ملحوظة نتيجة الإعلام الخاص بالتأكيد من قنوات خاصة وصحف معارضة بالإضافة إلى مواقع ( Twitter & Facebook ) والتي أطلق عليها مواقع إجتماعية ( Social) برغم أنها كانت في مصر على عكس ذلك حيث ظهرت بصبغة سياسية , كما ساهمت التكنولوجيا التي حولت المواطن إلى راصد ومسجل لكل حدث , فأصبح المواطن  يحمل كاميرا يصور بها الحدث لينشره على الشبكة العنكبوتية ليراها العالم خلال لحظات.

تحولات بــــعد الثـــــورة 
التحول الأبرز الذي أود أن أشير إليه هو التحول الجذري للمواطن رقم (3) ممن يُطلق عليهم سلفيين , لأول مرة آراهم يتحدثون عن الدستور والسياسة , هل هذا تطوراً في فكر جماعة كانت تنأى بنفسها عن السياسة ؟

نسبة من فئة المواطن رقم(1) ---تـــــحـــولـــــت ---إلى مواطن رقم (4)..(عقبال الباقي)

تحول العديد من المواطنين( الشباب) من المربع رقم واحد إلى المربع رقم أربعة , ليشارك بفاعلية نتيجة إلى تراكمات من مساوئ وكوارث للنظام السابق أظهرتها وسائل الإعلام والإنترنت جلية , فهاهو عدد لا بئس به من المواطن رقم (1) أصبح يمتلك الرؤية والإدراك كما شعر أنه مسئول عن الوطن بعكس أسلافه وبالفعل أرد التغيير وهو ما ترجم في ثورة , فا لأول مرة نتحدث عن مواد دستور كانت بعيد كل البعد عن  وعي وادراك الشباب والناس, ونناقش مواداً بعينها , ونتحدث عن القائمة النسبية في انتخابات البرلمان و وزراء تكنوقراط ونظام برلماني ونظام رئاسي , ولكن مازال أيضاً هناك غالبية عظمى من الشعب لا تعلم شيئاً , ومازالت مغموسة في مستنقع الجهل السياسي ... بالإضافة إلى أننا لم ننضج بعد سياسياً ومازال وعينا يتكون ويتشكل و بالتأكيد يتطلب ذلك جهداً من الجميع .

لتتحول السياسة من كونها مبيقات و مبطلات للوطنية ..... لتصبح ركناً أساسياً للوطنية

Friday, March 11, 2011

يمامة



كان لي صديق أعتبره واحداً من الأصدقاء المُقربين , صهرتنا السنين معاً لنشكل مزيجاً متجانساً برغم إختلافنا , أعرفه منذ الكثير, نعم منذ الكثير ,سنين تكفي لأعرف تقريباً كل تفاصيل حياته ,اشاركه أفراحه و أحياناً همومه التي يبوح بها , فرقتنا الحياة ورغم ذلك بقينا سوياً , تقاربت عائلتينا كرد فعل طبيعياً , كان له أخاً كان يصغرني بحوال أربعة سنوات.
كان الأخ الأصغر المدلل دائماً أخر العنقود كما يطلقون عليه , كان لطيفاً ومرحاً ومحبوباً من الجميع , أتذكر ألعاب الطفولة في الشارع والعراكات الصبيانية , يوم ان كانت ضحكاتنا تعلو لتلمس السحب , كنا نضحك حتى تكاد تتوقف قلوبنا من كثرة الضحك, كانت أمي تسمينا عصابة , كنا نقضي الوقت سوياً أناوأختي الصغرى وصديقي وأخيه الأصغر أكثر مما نقضيه مع عائلتينا , في مدخل بيت الجدة نجتمع وكل منا يخرج الأشياء التي أتفقنا على أن يحضرها منا سلفاً , فهذه أعواد خشبية طويلة وهذه قطع "مشمع " وأكياس وهذه بكرة خيوط وهذا صمغ و هذه أوراق ملونة , كل هذا لنصنع طائرة ورقية .
كان حُلماً بعيد المنال حينها , نعم أن نصنع طائرة ورقية وتطير عالياً لتلمس السحاب كما تفعل ضحكاتنا , أنهمكنا نحن الأربعة ولو كانت أختي الصغرى ليست كبيرة كفاية لتدرك تلك الأحلام ولكنها كانت تشاركنا ذلك لم تكن قد تجاوزت السابعة , كانت تضحك لأننا كنا نضحك , فقط هكذا , فالنعد لحُلم الطائرة الورقية , ربما لم نكن نحكم ربط الأعواد جيداً من الوسط لذا لم تنجح , أم أن الذيل ليس طويلاً كفاية , كنا أصغر من أن نتقن صنع طائرة ملونة كبيرة , سئمنا من تلك الطائرات الصغيرة التي لا تقوى على مواجهة الريح ولاترتفع عالياً . في المحاولة الثالثة أو الرابعة على ما أتذكر نجحت , أتذكر تلك البسمة التي أرتسمت على وجه أختي وهي تقفز عالياً والطائرة تعلو وتعلو وتعلو وتعلو وتعلو , وتعلو ضحاكتنا نحن الأربعة و وترتفع " يمامه " هكذا أسميناها , أختارته أختي , كانت تحب اليمام وحلمت أن تقتني واحدة , كانت تحبها لأن جدتي حكت لها كيف أن اليمامة ساعدت النبي في الغار , لذا أحببنا نحن أيضاً " يمامة "أتفقنا أن تنام بين أحضان كل منا ليلة , كنت أساعد أختي عندما كانت تمسك بالخيط حتى لا ينفلت منها لجذب الرياح وحتى لا تطير نعم هكذا كنت أظن أني لو تركتها ربما ستطير مع " يمامة " .
كانت في البداية أياماً صعبة علينا, كنت أنتظر تلك الصورة المنطبعة في ذهني له , يوم أن جاء صديقي من أول زيارة له , أخرج هاتفه لأشاهد صورته , تغير تماماً أو ليس تماماً , فقد الكثير من وزنه بجانب شعرة القصير جداً , أشعر أنه أصبح أطول , أصبح لون بشرته داكناً إلى حد ما , متى أول أجازه له ؟ سألت صديقي , أجاب بعد شهر , وقت طويل ولكن هو أختار ذلك الطريق فليتحمل ويدفع الثمن .دقت أختي على الباب بعنف لأستيقظ , فتحت ووجدتها تلهث وتحاول تكوين جملة , لقد جاء !!.... من؟ وكأني أسأل السؤال وأستحضر الإجابة في نفس الوقت " ديدو " ,أومأت برأسها وألمح في عينها دمعة تحاول سحبها بسرعة , هرولت بسرعة وأنا أقفز على درجات السلم , وأفتح البوابة , وأجري إلى وسط الشارع لأحتضن " ضياء" , أحتضنته بدون أن أدقق في وجهه أو فيما يرتدي ,كان صديقي يقف بجواره " ديدو " لا هذا الأسم لا يليق أبداً بضابط شرطة , كفارس يرتدي بذته البيضاء النقية , دققت في وجهه أصبح رجلاً , كأني أكتشفت رجولته فجأة بدون مقدمات , برزت عظام وجهه , أصبح في طولي لفقده بعض وزنه , كان يبدو قصيراً فيما مضى ,لمحت أختي تقف في الشرفة , نظرت ورأيت نفس بسمة يوم أن أرتفعت "يمامة" و" ضياء" هو الأخر نظر ,أشار لها وأتسعت ضحكته بعرض وجهه تقريباً , ولمحت حباً ينبت ولم أشأ أن أتدخل .هاهي العصابة أجتمعت مرة أخرى " وتعالت الضحكات , أطلقتها أمي كمزحة وهي تقدم العصير للضيوف صديقي وديدو ووالديهوأضافت أم صديقي " كبرتم و شيبتونا " أتتذكرين يا "هند" وأنتي لم تتجاوزي الخامسة عندما كنت تنادين على ضياء ب "ديدو " هاهو ضياء سيصبح ضابطاً , أجابت أمي "كان صعباً عليها كثيراً لفظ ضياء وقتها , كان ديدو أسهل , " والله ومازالت تناديه ديدو بل نناديه جميعاً " وتعالت الضحكات ووجه هند قد أزدادت حمرته وهي مرتبكه تهرب من النظرات .أخرج سيجارة من علبة كانت متخفية في جيب سترته أثناء ما كنت أقود وكلينا متوجهين إلى وسط المدينة , أسترقت نظرة إليه تاركاً الطريق , ووجهي يعلوه نصف بسمة وحاجب مقتضب جراء إستنكار ومفاجأة , " منذ متى ؟" لم يجب , لا حظت قليلاً أنه تغير , حاولت أن أبدأ حواراً معه لأحاول أن أفهم , " ها كيف الحياة هناك ؟ هل أنت سعيد ؟ " أجاب بلا إكتراث وهو ينفث دخانه من النافذة التي أجبرت على أن أفتحها " نعم , قليلاً " , حاولت أن أستفهم منه عن وجود مشكلة ما , حاولت أن أسلك طريقاً ربما تكمن فيه المشكله , وحاولت أن أقنعه" تبقت سنة فقط على تخرجك من كلية الشرطة ", وأنه يجب أن يصبر قليلاً , غداً سيتخرج ويُعيّن ويصبح ضابطاً . لكن يبدو أن تلك ليست هي المشكلة , تركته قليلاً ربما يتكلم من تلقاء نفسه .أرتجلنا ومشينا وسط زحام وسط المدينة , لنصل إلى أحد المتاجر التي أقنعني أنها تبيع ملابس جيدة أبتاع منها في أحد المرات .
كنت أسير معه تاركاً له الشوارع التي نسلكها لمعرفته مكان المتجر , وجدته متوجهاً نحو شارع ضيق يقف بعرضه صفاً من الجنود الذين يسدوه , لم أشأ أن أعلم لماذا هو مسدود, ولكني وجدته متوجهاً مباشرة إلي ذلك الشارع بالذات , جذبته من يده وسألته إلى أين هو ذاهب , يبدو أن هناك مشكلة ما في هذا الشارع , وأشرت إلى الشارع المجاور والموازي له , أعتقد أن هذا الشارع سيوصلنا إلى نفس الإتجاه , أجاب " لا لا سنمر من هنا تعال " , لم أفهم ووجدته أخذ بيدي مخترقاً صف الجنود , وقام الجندي بدوره بالوقوف أمامه قائلاً " ممنوع يا أستاذ " غضب ديدو أوضياء لا يهم , وحاول دفعه ولكن الجندي كان أسرع فدفعه هو , لم تكن الدفعة قوية لدرجة جعلت ضياء ينعته بالجنون ويلطمه على وجهه وينهال عليه ضرباً , كنت واقفاً مذهولاً لا أتحرك ,و كان الجندي أيضاً مذهولاً وسقط على الأرض جاحظاً وناظراً إليه , فتجمع الجنود عليه وكادوا أن يفتكوا به , لم ...لم أعلم ماذا أفعل حينها هل أضرب صديقي الأرعن أم أضرب الجنود , ولكن أستدرك هو الأمر صارخاً فيهم " الا تعلمون من أنا ؟ " " أين الضابط المسئول هنا ؟ " جاء الضابط وأخرج ضياء " الكارنيه " ضحك ضحكة حاول أن يكتمها " فعلت هذا وأنت طالب فماذا تفعل وأنت ضابط " .

لم أشأ أبداً أن أتحدث أو أبدأ حواراً لأنني الأن فهمت , كنت أقود السيارة في طريق العودة والصمت يقودني في طريق الوجوم وهو ينفث دخان سيجارته الذي يكون غمامة رعدية فوق رأسي تضرب برعدها بعنف .هرولت لأفرغ ماتبقى في جوفي , ولم أتبين السبب هل كان دخان السجائر أم سبب أخر , سحبت قدمي إلى غرفتي , وأغلقت بابي لاحظت صغيرتي " هكذا أدعوها " حالتي تلك فتسللت في حنو إلى قلبي , أحتضنتها حضناً طويلاً ونظرت في عينيها وأنا أرى حزناً يشبه حزناً يوم علقت " يمامه " في سلك عمود الإنارة .
------------------  
كُتبت قبل الثورة بأسبوعين بعد أن أستلهمتها من موقف حقيقي

Thursday, February 17, 2011

قصة ثورتين أو ثلاثة


أستمتع .......وأفتخر أولاً
-------------------------------------------------------------------------------
نحن الأن في منتصف الطريق , إذا ظن الكثير أن الثورة أنتهت , أعتقد أن هذا ليس صحيحاً , النظام كان أشبه بورم خبيث تم إجتثاثه من بدن الوطن وهذا لا يمنع أبداً أننا في مرحلة تطهير للجرح المفتوح الأن وبالتأكيد مازال البدن عليلاً بعد تلك العملية الصعبة التي كادت أن تودي بحياة الوطن , مازال في الوطن الكثير من أذناب النظام السابق وما تخلصنا منه هو فقط رأس النظام وهو بالتأكيد الجزء الأهم , بالتأكيد ما حدث في الأيام الماضيه قبل التنحي من مراوغات للإبقاء على النظام التي كانت تشبه طائرة تهوي ويحاول قائدها التخلص من الأوزان الزائدة للإرتفاع مرة أخرى والتحليق ولكن لا جدوى ...سقط النظام سقوطاً ذريعاً ولكن ماذا الأن ؟

فلنبتعد قليلاً عن هنا , هناك في أوروبا بالتحديد في جنوب غرب أوروبا في القرن الثامن عشر , تلك الثورة التي غيرت الكثير من الأمور في أوروبا  وهزت عروش الملكية في أوروبا عملياً كانت أوروبا هي التي تقود العالم حينها فلم تكن قد ظهرت أمريكا بعد على الساحة , أنا أتحدث هنا عن الثورة الفرنسية , يُقال أنها أعظم الثورات في العالم , بالفعل هي غيرت خارطة العالم , ولكن أنتظروا قليلاً  , أولاً ما هي أهداف الثورة الفرنسية ؟ بالتأكيد الثورات تسقط أنظمة متغلغلة في أرض الوطن , أسقطت الثورة الفرنسية النظام الملكي والنظام الإقطاعي هذا أبرز ما نجحت الثورة في إسقاطه ولكن بعد أن تم إعدام الملك , للأسف أتخذت الثورة طابعاً دموياً تمثل في إعدام كل من كان ضد الثورة وكان هناك ما يسمى بالجمعية الوطنية وهم من أمسكوا بزمام الأمور وسُمي عصرهم بعصر الإرهاب , كانت الفترة الأشد دموية بالفعل حيث تحولت الثورة إلى إنقسام وتصارع على السلطة و مقاصل لكل من يُتهم بأنه ضد الثورة بل خلقاليعاقبة ( وهم من كانوا يمسكون بزمام الأمور في الجمعية الوطنية ) ديانة جديدة تم محو الكاثوليكية على إثرها وسميت بعبادة العقل 
بعد ذلك كانت حكومة الإدارة التي يمكن أن نقول أنها أعادت الأمور إلى نصابها السليم لولا بعض المشكلات الداخلية والثورات الصغيرة وبالتأكيد العديد من الأرواح التي أزهقت , كل ذلك مهد لقدوم نابليون بونابارت وميلاد الإمبراطورية الفرنسية , ما أود أن أشير إليه :
أولاً - أن النظام الملكي والإقطاعي لم يسقط بسهولة ودُفع الثمن غالياً من دماء الفرنسيين لإسقاطه هو ونبلاؤه المزعومين
ثانياً - ليس معنى إعدام الملك في ميدان الجمهورية بباريس أن مؤيديه سقطوا هم ايضاً .
ثالثاً - ألبست الثورة ردائاً دامياً بأيدي بعض الثوار الذين أنشقوا على بعضهم و ارتكبت مجازر في حق الملكيين أي مؤيدي الملك السابق
رابعاً- بالتأكيد أبتعدت الثورة بكيلومترات كثيرة عن مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ الحرية والإخاء والمساواة
خامساً - الثورة بالتأكيد أطاحت بكل الأنظمة الفاسدة ولها الكثير من المميزات ولكن استغرقت فرنسا أعواماً طويلة جداً حتى يتخلصوا من هيمنة جماعة معينة أو فرد معين على الحكم وما كانت الثورة إلا خطوة أولى في طريق طويل وممتد إلى الحرية التي تنعم بها فرنسا الأن .

نعود مرة أخرى إلى مصر , فبعد أن تتبعنا الثورة الفرنسية وسقوط الملك والجمعية الوطنية وحكومة الإدارة ومن ثم الإمبراطورية الفرنسية وانفراد بونابارت بالسلطة حتى وصلنا الى الجمهورية الخامسة بنظام برلماني نصف رئاسي .
لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نفصل ثورة يوليو عن الثورة الحالية لأننا بالتأكيد نسير على خط ومسار واحد , فبعد أن قامت ثورة يوليو أسست ما يمكن أن نطلق عليه الجمهورية الأولى برئاسة عبد الناصر ومن بعده السادات ثم مبارك , الثلاثة كان حكمهم قائم على الحكم العسكري المتمثل في حكم الفرد الواحد , لا نستطيع تجاهل مكاسب الثورة التي قام بها الضباط وكان أهمها أيضاً إنهاء النظام الملكي والنظام الإقطاعي والأهم من ذلك كله جلاء الإستعمار الإنجليزي ولكن ماذا قدم المصريون ثمناً لتلك الثورة ؟
كانت ثورة بيضاء بالتأكيد ولم يتم سفك دماء مصري واحد , فكما يطلقون عليها هي ثورة بدون نقطة دم واحدة , حيث تم إجلاء الإنجليز عن مصر بدون حرب , هذا ما يُقال .
دعونا نتفق في البداية أن الثورة ضد الظلم والفساد وقتها سواءاً ضد الملك وحاشيته أو ضد الإنجليز كانت ستقوم إما عاجلاً أو آجلاً , حيث أن الحنق ضد القصر كان يتنامى بعد النكبة في فلسطين وفالثورات ضد الظلم لم تنتهي من مصر ابداً قبل ثورة يوليو فكانت هناك ثورة 19 ومن قبلها الثورة العرابية وان كانت ثورات غير مكتملة ولكنها ثورات حققت مكاسب وان كانت ضئيلة ولك الشعب المصري أثبت التاريخ أنه ليس شعباً خانعاً , إذن الثورة كانت قادمة لا محالة إما على عربات الجيش أو حتى بأيدي الشعب المشكلة فقط من يقوم بالثورة أولاً ليسانده الأخر الشعب أو الجيش .
مرة أخرى ما هو الثمن الذي دفعه المصريون لتلك الثورة .
أولاً - حرب 56 حيث كانت تلك الثورة مرفوضه من القوى الخارجية والإستعمارية لأن إستقلال دول المنطقة توالى تباعاً
ثانياً - إنفراد مجموعة بالسلطة والحكم 
ثالثاً - أكلت الثورة نفسها وليس بالأحرى أن نقول أن الضباط قتلوا بعضهم البعض ولكن حدث ذلك بشكل أخر حيث أنقسم البعض عن الضباط  وأبرزهم محمد نجيب لذا تم التخلص منه ومن غيره
رابعاً - كلفت الثورة مصر الكثير حيث عاشت مصر في أحلك عصور الإستبداد والقمع على يد فرد وجماعة مستفيدة فقط
فلا ديموقراطية ولا حرية وبالتأكيد الحياة السياسية تؤثر سلباً على الحياة الإقتصادية وأنا هنا أتحدث عن ثلاثة حكام توالوا مستخدمين نفس الأدوات .
خامساً - كانت أعتى سقطات النظام نكسة 67  وبالرغم من أن مصر أستعادت الأرض ورأت بعض الإنفراجه في عهد السادات ولكن تبعتها نكسات أخرى وتردى المجتمع طوال ثلاثون عاماً من نكسات متوالية صغيرة كادت أن تبتلع الوطن .

إذن كان الثمن القمع والإستبداد والسلطة المطلقة زاعمين أن مصر تحررت ولكن ما حدث أنها خرجت من حفرة إلى حفرة أخرى 
لتتراكم وتتراكم مسببات ثورة أخرى لتنفجر في وجه الثورة الأولى تلقائياً وهذا ماحدث بعد تسعة وخمسون عاماً من القمع والإستبداد.

الجمــــهوريــــة الثـــــانيـــــة
كانت ثورة يوليو هي أيضاً الخطوة الأولى في طريق طويل إلى الحرية والمساوة والعدالة بين كل أفراد الشعب, نحن الأن في منتصف الطريق , فنحن لا نعود إلى الوراء وحكم العسكر( هو الأن مؤقت ) أنتهى وأتمنى أيضاً أن تكتمل ثورة 25 يناير بنظام ديمقراطي يؤسس الحرية والمساوة بين الجميع لأن الشعب دفع الكثير ولا أقصد بضع المئات من القتلى أو حتى آلاف المصابين ولكن دفع الثمن طوال مايقرب ستون عاماً لأنظمة فاسدة , وأود أن أشير إلى :
أولاً : أنه ليس معنى أن حكم مبارك أنتهى أن نظامه مايزال قائماً بشكل أو بأخر هنا وهناك ومازال هناك أذناب للنظام
ثانياً : الثورة تمثلت في تظاهرات وإعتصامات طوال ثلاثة أسابيع ماضية أسقطت النقطة الأقوى في النظام .
ثالثاً : أنتقلنا من مرحلة التظاهرات بعد التنحي إلى تشكيل لجنة من الشباب للحوار مع المجلس العسكري في بقية الإصلاحات لإنهاء نقاط النظام الأضعف التي مازالت تصارع لإبقاءها .
رابعاً :أنتهت التظاهرات ونحن الأن في مرحلة إنتقالية تتكون من جزأين وهي التنظيف والبناء , إذن لا معنى للتظاهرات الأن بل هي تضر بالثورة قبل أن تضر بجسد الوطن العليل .
خامساً: يحاول بعض أذناب النظام الأن للتبرير والتلون لمحاولة الهروب من المحاسبة وأيضاً إختلاق مشاكل داخلية في شكل إعتصامات في أكثر من مكان حساس في مصر بالإضافة إلى خلق جو من التعاطف مع الرئيس بإشاعة أخبار عن سوء صحته.
سادساً : كل ما أخشاه أن تأخذ الثورة مساراً يبتعد عن المسار الأول الذي خلقته لنفسها , بإعتلاء السلطة نظام جديد استبدادي أو حتى نظام قديم ألبس رداءاً جديداً .

أصنــــــــــع التــــــــاريخ
ولكن ما يبعث في نفسي الأمل أن الشباب  تنفس الحرية  ولن يفرط فيها مرة أخرى , لأنه عرف طريق الميادين والبهجة والتحليق .
وكل ما أريد أن أنصح به نفسي وإياكم أن نكتمل مسيرة الثورة ونعمم خلق وحضارة التحرير وغيرها من الميادين لتشمل كل حياتنا ولا ندع أحداً يشكك في الثورة ولا نفرط في حساب كل من فرط في حق الوطن .

Tuesday, February 08, 2011

قبسات ثورية


  

 في أحد المرات كان هناك راعي خراف , عصف به الملل فصرخ عالياً مستغيثاً بالجوار لينقذوه من الذئب الذي يهاجمه الأن , فهرول الجميع لينقذوه ولكن لم يجدواً ذئباً , ضحك الراعي مستهزئاً من فزعهم وعاد الأهالي ساخطين , تكرر ذلك مرتين أو ثلاثة وكل مرة يعود الأهالي ساخطين ناقمين على الراعي , وقد حسموا أمرهم أنهم لن يستجيبوا أبدا له , وفي أحد المرات هاجم الذئب الخراف بالفعل , صرخ واستنجد الراعي بالناس لينقذوه , ولكن لم يصدقوه هذه المره. 


أن تمتلك شعباً نصفه من الفقراء  وتأخذ الترتيب السابع على مستوى التعليم في عدد الآميين بالإضافة إلى أن هناك طبقة عريضة من الشعب إن كانوا قادرين على القراءة والكتابة ولا يصفوا بالآميين فهم معدومي الثقافة وسطحيين إلى أقصى درجة فهم قد تلقوا تعليماً متدني جداً  بالرغم من أن هؤلاء هم أكثر من عانوا من الفقر والجهل والمرض وويلات النظام..؟ 
هناك فئة أخرى وان كانت حصلت على قدر جيد من التعليم إلا أن التعليم في هذا الوطن لا يعني أبداً أن تكون واسع الأفق وواعي بما يجري حولك أو حتى على أقل تقدير تمتلك معرفة جيدة تمكنك من قراءة جيدة للمجتمع على الأقل .



كنت منذ البداية داعماً لفكرة مظاهرات يوم الغضب, أرأيت ماذا قلت " مظاهرات" , كنت قد أغرمت بالثورة التونسية وتسألت هل لنا بمثلها , لأكن صادقاً لم أكن أتخيلها أن تمر علينا حتى مرور الكرام , ومن قرأ مقالي السابق ربما أشرت ولمحت كثيراً إلى بوادر ثورة في 2008 في مدينة المحلة ولكنها أجهضت بالقمع , لا أنكر أبداً أن الثورة التونسية كانت مُحفزاً قوياً , لم تلقى فكرة أن تكون ثورة بموعد صداً حتى معي أنا شخصياً , ولكني كنت أدعم وأؤمن بأي شكل من أشكال الإعتراض والتعبير بصوت مسموع .



25 يناير  : لم أكن قد قررت فعلياً هل أشارك مشاركه فعليه أم أكتفي فقط بالجلوس متفرجاً ومتابعاً فقط مع إيماني المبتور والغير مُفعل على أرض الواقع , قررت أن أشارك ,أجريت إتصالاً مع أحدهم الذي يمتلك نفس الميول , أتفقنا على أن نتجه سوياً حيث الحرية , كان عليّ أن أرضخ في النهاية إلى الضغط الذي مارسته " أمي " وإجباري على عدم النزول بعد أن باءت محاولاتي في إقناعي لها أنها " سلمية " بالفشل .
في الحقيقة لم أكن باراً ومطيعاً لأمي , و لم ألبي ندائها الذي كان يتصاعد كلما تصاعدت أصوات المتظاهرين , لم تقدم لي أمي الكثير الذي يدفعني إلى التلبيه , أعلم أن الأمر ليس في متناولها وأنها تمر بظروف قاسية , ولكن أتذكر جيداً سنة قدمتها ودفعتها كثمن لإنتمائي إليها , وهل هناك أكثر من العمر يدفعه الإنسان ثمناً , لا أظن أن هناك أغلى من العمر, كثيراً ما سئمت من أمومتك القاسية التي قذفت بي في الصحراء في مدرعة صماء , كثيراً ما تعرضت للإهانة بإسمك , كنت أتمتم بإسمك في نومي في صحوي عند طلوع الشمس وغروبها , والأن أنتِ تنادين مرة أخرى يا أمي لألعن من أهانني بإسمك , صراحة لي أمًُ أخرى قدمت أكثر من تلك السنة التي قدمتها , إذن فهي أولى منكِ الأن على الأقل حتى نصل إلى تسوية ما في ذلك الأمر.


إذن الوصفة بسيطة جداً فقط تحتاج من أن تمتلك شعباً نصفه من المعدمين بالإضافة إلى شرطة وجيش
مجرد محتجين ومتظاهرين لهم مطالب يحاولون التعبير عنها بشكل سلمي , لم تستطع القوة البوليسية في ردعهم وإعادتهم إلى منازلهم  بالرغم من أن الردع والقمع في منتهى القسوة , فقد أستخدمت كل الوسائل المشروعة والغير مشروعة ولكنها فشلت , إذن نحن أمام قوة متنامية في الشارع لم تفي القوة ولم تفي الاعتقالات 
إذن الدولة في مأزق الأن ماذا تفعل ....؟
أن تسمح الشرطة بمرور هؤلاء إلى ميدان التحرير وبذلك أنتصروا وتتزايد الأعداد ويتزايد الضغط , ذلك ما حدث ولكن ليس بالضبط , ماحدث بالتحديد هو تعريض الوطن لحالة من الفوضى خلقوها هم , أنا أستغرب تلك العقل الجهنمية والشيطانية التي يمكن أن تفكر بتلك الطريقة 
كيف تخلق حالة من الفوضى في وطن نصفة من المعدمين ( سواء كانوا فقراء أو جاهلون أو آميون )؟
- أن تخلي هذا الوطن من أي مظهر من مظاهر الأمن حتى لو كان عسكري مرور في إشارة
- فرض حظر تجول في مدن كبرى ورئيسية ...ليصاب الوطن بشلل في كل مصالحة مما يؤثر على المواطن  ويشمل ذلك من إغلاق بنوك ومصالح كبرى.
- أن تورط الجيش وتكلفة بمهام ليست هي مهامة الأساسية , ليس من مهام الجيش الوقوف في اشارات المرور وتفتيش المركبات والقبض على المجرمين والهاربين , بالتأكيد من مهامه حفظ أمن الوطن ولكن ضد أي هجوم خارجي , وهذا بالتأكيد يؤدي إلى  إرباك خطير للجيش مما يؤدي الى التأثير المباشر على إستقرار الوطن .
- خُلق جواً من السخط نتيجة لتلك العوامل التي خلقها النظام مما أدى إلى ظهور رأياً مضاداً للإحتجاجات يدعو إلى التعقل والإستقرار وكأن التظاهرات هي التي أوصلتنا إلى تلك الفوضى .



- بعد أن سُحبت قوات الأمن المركزي من مواجهة الثورة , كان يجب أن يسد النظام تلك الثغرة , لذا أستعان بتجنيد الإعلام كقوات أمن مركزي جديدة ولكن ليست لمواجهة الثورة في الشارع وعلى الأرض , بل في البيوت وعلى الشاشات , لتكن أخطر بمراحل من الأمن المركزي الحقيقي , أجد أن تلك الخدعة قد أنطليت على الكثير من الشعب . 
- أعتقد هنا أن النظام كان شديد الذكاء بإستغلال حالة الفوضى التي أختلقها هو لبث الأفكار , نعم فنحن هنا أمام نظام أنتقل ولو جزئياً من محاربة الأفكار بالقوة والعنف إلى محاربة الأفكار بأفكار مضادة , وهذا الفضل يرجع بالتأكيد إلى الثورة والشباب لذا ساهمت الثورة في تطوير فكر النظام ( ولو بشكل طفيف ) وإن كانت الأدوات المستخدمة ليست شريفة أو أخلاقية بل بالعكس أقل ما توصف بالدنيئة والخسيسة ( كما هو النظام بالضبط ) .
لاقت نظريات المؤامرة رواجاً وصداً واسعاً لدى الكثير , وكأننا نستمد من تلك الأفلام التي تظهر لنا أن هناك يقبع وراء الستار يحرك وينفذ المخططات التأمرية , ويأتي البطل في النهاية ليكتشف تلك المؤامرة التي دائماً ما تحاك ضد الوطن وبالتأكيد دائماً المتأمر يكون " إسرائيل " . 
- أظن أن هناك تحالف قوى بين النظام وما يُعرف بالجماعة (السلفية ) التي تُحرم الخروج عن الحاكم ,كنت أعلم ذلك جيداً منذ فترة طويلة ولكن ما هالني بالفعل أنني تلقيت ما يشبه لكمة قوية من أحدهم في أحد اللجان الشعبية , لم يكن لنا غير الحديث عن الأوضاع , لأجده يستنكر مصدوماً أنهم يدفنون الموتى ( الشهداء ) في المظاهرات بدون تغسيل , وأن من يموت في تلك المظاهرات  يموت موتاً جاهلياً ( كمن يموت في الجاهلية ) - مَن خرج من الطاعة ،و فـارقَ الجماعة فمات ؛ ماتَ مِيتـة جاهلية .. - 
وهو يعتقد أن المظاهرات والإحتجاجات خروج عن الحاكم وخروج عن الطاعة وعن ولي الأمر , بحكم خبرتي الواسعة في جدال هؤلاء تراجعت عن فكرة محاولة إقناعه حتى أو الدخول في متاهات وأزقة لا أعلم لها نهايات , لذا تراجعت .
صبيحة يوم جمعة الرحيل فوجئت ولأول مرة في تاريخ التلفزيون المصري فوجئت بالشيخ محمود المصري , أحزنني كثيراً وعندي رؤيتي له فهمت جيداً عما يتحدث .
  
هناك حيث مصر الحرة , أطلوقوا عليها المدينة الفاضلة أو اليوتوبيا , حيث أجد أمي , هناك حيث أرتميت بين أحضانها مُقبلاً كفيها , طالباً أن تسامحني على تقصيري متعللاً بأن كليهما أمي , هناك حيث تجلس القرفصاء وكأنها عادت شابة في العشرين , ويلتف حولها أبنائها وأنا منهم و وهي تغني الأهازيج والأغاني ونحن نردد ورائها ليرتفع صوتنا عالياً , الأن وقد  أفرغت ما تبقى في رئتيها من دخان مسيل للدموع , ووضعت الزهور فوق قبور الشهداء المغسولين بماء الورد , بعد أن لثمت جبين كل أم شهيد غسل عارها , آن لها الأن أن تتنفس حرية بعد أن أنقشع الدخان الذي ألتف حول المأذن حول أبراج الكنائس , آن لها أن تصغي لصلوات الأحرار حين يسجدون للخلاص, لميلاد جديد يأتي لينسهم آلام الجروح ,  حُلمي الأن أن أذهب إلى هناك .



علمٌ من ثلاثة ألوان , أمتزجت ألوانه الثلاثة لتشكل أيقونة ساحرة , أتعجب ما الجاذب والساحر في قطعة قماش تعبر عن الوطن ,ما السرى يا ترى في قطعة قماش , كأنني أشعر أن الوطن بث من روحه في ألوانه وطائره الذهبي, ما تلك القشعريرة التي أنتابتني عندما رأيته ضخماً يرتفع على الساري , وهو يعانق الرياح , ويترقصان على نغمات النشيد , نفس القشعريرة التي تسري في جسدي أثناء ترديد النشيد قبيل إحدى مباريات كرة القدم الدولية , تسري أيضاً عندما أراه يكسو بألوانه الزاهية المدرجات , يلوح لي من بعيد ولكن منذ فترة ليست ببعيدة 
وجدته يلوح لي نازفاً تكسوه بقعاً من الدم , كأنه جرح برصاصة طائشة وعمياء .
وجدته قد أختنق من سحب الدخان الأبيض الخانق الذي أطبق على رئتي العلم
وجدته مبتلاً بمدافع الماء في أوج البروده ولم أستطع بعدها أن أفرق بين إبتلاله بمدافع الماء أم لدموعه
وجدته يحمل حجارة 
وجدته مجثياً في المشرحة أو فوق خشبة وهم يصلون عليه في الميدان .



أنت كنت ميت بالفعل ياصديقي .....صدقني أنت ميت , انت لا تشعر والمرض يتسلل داخلك 
هم خلقوك هكذا مستكيناً خائفاً مرتعداً , تعاني من حساسية مفرطة من ضوء الشمس ونسائم الحرية
خلقوك جاهلاً ويستوطن بدنك الأفكار والأمراض العفنة .....خلقوك صامتاً مرتعداً لا تعترض, تلهث وراء الفتات المسرطن والقطرات الملوثة كأنك من الهوام التي تقتات على تلال النفايات ,
خلقوا أجيالاً وأجيالاً من هؤلاء المغيبين الذين يفتقدون أدنى    أشكال الإنسانية 
 فهم يُحشرون في معلبات معدنية بأربعة عجلات , ويعالجون ويتعلمون في أقل ما توصف بأنها مستشفيات أو مدارس
  صديقي ما طعم الحرية وأنت تتنفس هواءاً فاسداً
صديقي كيف ترفع رأسك في هذا الوطن بعد أن أمتطوا ظهرك
كيف تسير في الشوارع والدماء تصرخ منتحبة على الأرصفة وفوق الأسلفت
ما بال صرخات الثكالى واليتامى ألا تسمعها
صديقي كيف تسير مطـأطأ رأسك , تشيح بنظرك عن الظلم 
ماذا ستخبر ولدك ؟
أنك فضلت لقمة من أجل الحرية 

لا تصالح لأمل دنقل
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدّنس
كيف تنظر في عينيّ امرأة 
تعرف انك لا تستطيع حمايتها
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غداً ....لوليد ينام
كيف تحلم أو تتغنى بمستقبل لغلام
وهو يكبر - بين يديك - بقلب مُنكّس ؟

Monday, January 24, 2011

أنظمة

في السادس من إبريل من عام 2008 قام عمال المحلة بإضراب عن العمل , وعلى إثر ذلك دعت حركات المعارضة المصرية إلى مظاهرات للمطالبة بحقوق طبيعية وعادية جداً للمواطن المصري , وحدث الإضراب وأستمر عدة أيام , وأنقلبت المدينة رأساً على عقب بل عمت المظاهرات بر مصر وتركت صدى في العالم كله , سقطت صور الرئيس في شوارع المدينة المدججة بعربات الأمن وهتفت الجموع ضد النظام , وكالعادة كان القمع هو الرد , كان ذلك الحل الوحيد والمتاح هو القمع والضرب بيد من حديد لإسكات أي أصوات معارضة ومحتجه حتى لو كان الثمن هو الدماء , اليوم وحتى اليوم لم تتحقق أي من مطالب المواطن البسيط .
لسنا هنا بصدد عرض تلك المطالب فالمطالب معروفة للجميع وأحوال المواطن المتردية ترى بالعين المجردة كشمس في كبد السماء تلفح الأفئدة العارية التي لاتجد كساءاً .
في التاسع عشر من ديسمبر من عام 2011 أشعلت محاولة شاب في مدينة سيدي بوزيد التونسية مظاهرات ومصادمات بين الشرطة ومعترضين , وكالعادة كان القمع وكانت نفس اليد التي تضرب بيد من حديد في تونس وكان العنف هو السائد , وكما سقط مصابين وقتلى في المحلة سقط مثلهم في المدينة التونسية , وعمت المظاهرات أيضاً في عموم بر تونس بسبب نفس المطالب إياها , فكلا هما يعاني الفقر والبطالة وإرتفاع الأسعار وفوق كل ذلك الظلم والتعنت من قبل الآمن , عمت الاحتجاجات في العديد من المدن التونسية من القيروان وصفاقس وسوسة حتى وصلت إلى تونس العاصمة والمنستير وقفصة , تطورت الإحتجاجات العنيفة لتجبر زين الدين بن علي على إقالة العديد من المسئولين ومنهم وزير الداخلية , وهنا نرى تذبذباً وتوتراً في الإمساك بزمام الإمور وإدارة ذلك المأزق الذي وضع في النظام , أعتقد أن ذلك التذبذب والتوتر الذي ظهر جلياً هو الذي شجع المحتجون على التمادي في احتجاجهم وامتد احتجاجهم على الفساد والمطالبة بالعدالة الإجتماعية إلى المطالبة بإقصاء الرئيس من الحكم .
يُقال أن الرئيس التونسي السابق كان قد أمر  الجنرال رشيد عمار بمساندته واالتصدي للإحتجاجات التي قاربت الوصول إلى رقبته ولكن الجنرال رشيد قائد الجيش التونسي رفض أن يقتل ويسفك دم شعبه , ويقال أن الرئيس السابق أقال رشيد عمار ةعيّن بدلاً من  رئيس الإستخبارات العسكرية , ولكن بالتأكيد كانت الجماهير أسرع و هرب بن علي تاركاً الجيش التونسي وقائده رشيد يحاول إعادة الإستقرار .
في الثاني من فبراير من عام 1982 ضربت وحدات من الجيش السوري بأمر الرئيس حافظ الأسد مدينة حماة السورية وسقط الآلاف من المدنيين واستأصلت شأفة المعارضة السورية بالسفك والقتل والقمع وساهمت تلك الحملة الدامية في إسكات المعارضة وإخراسها لإعوام , فبدلاً من تحرير الجولان استخدم النظام السوري القوة المفرطة للتنكيل بالمعارضة بل وكافأت المسئولين وكان على رأسهم رفعت الأسد شقيق الرئيس الذي عُين فيما بعد نائباً له , بالتأكيد لم يكن وقتها هناك فيس بوك أو وعياً عالمياً يتوجه نحو كل ثقب إبره في جنبات المعمورة , فلو قتل أحدهم على يد شرطة فوق أعالي الهيماليا  الأن سيعلم العالم كله وسيهاجم نشطاء العالم ذلك .

المحلة الكبرى وسيدي بوزيد وحماة , مدن عربية مختلفة في وطننا السعيد , أختلفت الأماكن والأزمان وكان المواطن المقموع و جنرالات الأنظمة المستبدة هي الجانب المشترك , تشابهت كثيراً درجة القمع ولو أختلفت درجتها من مدينة إلى أخرى , في تونس كانت درجة القمع شديدة ولكن كانت الأصوات أعلى وأقوى لتقصي زين العابدين ( رئيساً منذ 1987) ومازالت تنادي بحل حزبه وسيحل , أما في مصر كان القمع شديداً ومازال ولكن النظام كشجرة ليس طيبة ضاربة بجذورها في هذا الوطن ( منذ 1981) ربما كانت المعارضة لم تمتلك نفساً طويلاً كمثيلتها في تونس ولكن أيضاً الرئيس يستند على رجاله المخلصين وزيرا الداخلية(1997) والحربية(1991)  لحمايته . وفي سوريا لم يختلف إستبداد النظام السوري عن أشقائه في الظلم وساهم الجيش السوري كثيراً في قتل شعبه والتنكيل به ونجح حافظ الأسد فيما لم ينجح فيه بن علي في إستمالة جيشه ودعمه له ضد شعبه , بل سجل الجيش التونسي دوراً بطولياً في حماية جيشه مع العلم أن هذا الجيش حديث نسبياً وقليل ولا يقاس جيشاً قوياً بجوار جيوش أخرى في المنطقة العربية ولكنه أثبت أنه أقوى جيوش العرب و أثبت الشعب التونسي أنه شعب عزيز بكرامته ومطالبته بحقوقة ,
للأسف ظن الكثير أن التجربة التونسية يمكن أن تقص وتلزق في أي قطر عربي آخر ( Copy &Paste) ولكن كل وطن وله ظروفه ويختلف النظام من دوله لإخرى برغم أنها أنظمه أساليبها واحده ولكن كل نظام وله درجة عمق في أرض الوطن فهو كمرض السرطان أستشرى في الكثير من الأجساد , ولكن درجة المرض مختلفة من جسد لأخر, متى يدركون أنه آن الوقت ليعيدوا حساباتهم, وأن العالم إختلف عن ذي قبل عندما جلسوا على عروشهم التي باتت مهتزة ؟

Thursday, January 13, 2011

صياد


ثبت كعب البندقيه في تجويف كتفك الأيمن , نعم هكذا ,ثبته جيداً , أحتضنها كما لو كنت تراقص إحداهن التانجو , ألمس بخدك الأيمن جسدها البارد , دعها تأخذ من الدفأ الذي يسري في جسدك ,أحتض براحة يدك اليمنى الحلقة , ودع إبهامك يتسلل في حنو إلى التتك , أما يدك اليسرى فتوّق بها مؤخرة الماسورة , ضمها بعنف إلى صدرك , دعها لا تفلت منك , كأنها جزء من جسدك, فإن خفتها أستنقصتك , دعها تشعر برباطة جأشك, إغلق عينك اليسرى , وخذ نفساً عميقاً حتى تشعر أن صدرك أمتلئ هواءاً,حدد هدفك جيداً ساكناً كان أو متحركاً , خذ نفساً أخر إذا أردت ولكن ,لا تشعرها بتوترك حتى  لا تهتز بين يديك ,هل أنت جاهز الأن ؟ أسفل منتصف هدفك وأسحب التتك ببطأ وأجذب جسدها إليك ودع الطلقة تشق الفراغ
جيد جداً أصبت الهدف , ينطلقا إلى الهدف الساقط من السماء , الذي يبعد بضع أمتار
أنت الأن أصبحت جاهزاً لتصبح صياداً ماهراً , فقط إتبع إرشاداتي وستصبح محترفاً , بل أنت الأن محترفاً  
أتخذا طريقهما بين الحقول الشاسعة, فيما يتحدثان 
أخيراً أتقنت الصيد وسأصبح مثلك 
بالتأكيد وأفضل مني ,ألا يتفوق التلميذ على الأستاذ أحياناً
لا , أبداً يا أستاذي
يصلان أخيراً إلى الهدف الساقط على الأرض, مجرد حُلم أخر ساقط من السماء, ينظر إليه بفرحة عارمة ويرفعه من الأرض ويضمه إلى صدره كما لو كان أول مولود له 
يندهش معلمه, ماذا تفعل ؟ أنه ميت 
أعلم أنه حُلم ميت , ولكنه ثمرة جهدي طوال الفترة الماضية 
أستحوذت عليه تلك الهواية , هواية الصيد , صيد الإحلام ,يشعر بسعادة بالغة وهو يقنص الأحلام ويحيلها صريعة بطلقة تنفذ إلى قلبها ,يراها تطير فرادى أو في جماعات , يشعر بذاته بقوته وقدرتي على إنهاء حياة كائن ما , حتى لو كان حُلماً يطير ولا يؤذي
ربما تندهشون وتعتقدون أنه مريضاً نفسياً , ولكن يرى إنه مجرد حُلم تافه ليس له وزن في هذا الكون , والله أعطاه تلك المهارة على إقتناصها , إذن فلا ضير من ذلك 
كانت كل رحلة صيد تضيف إليه الكثير , ربما لاتضيف إليه الكثير مادياً, ولكنه يصبح كبالون منتفخ , يرتفع في سماء بلاحدود
هناك أحلام قيّمة وثمينة , كان يحنطها ويضعها كقطعة ديكور في منزله الذي إمتلئ بفرائسه الجاثمة هنا وهناك لتشهد على قسوته  
وهناك أخرى كان يُطعمها لكلابه الجائعة , لا يهمه إذا كانت أحلاماً مُحنطه أو أحلاماً تأكلها الكلاب المهم أنه يُغذي مهارته 
يعود بحقيبته المملوءة أحلام ,ويأخذ في إستعراض أشكالها وأحجامها وألوانها المتعددة, ولكن هل يعلم أنه بإصطياده الأحلام يحيل أصحابها أيضاً إلى أموات , يموتون بموت أحلامهم 
يوم أمس أصطاد حُلماً لفتى في العشرين كان يحلم بأن يتزوج فتاته , سقط الفتى صريعاً, وأصبح جسداً فارغاً بلا حُلم , ينبض قلبه ولكن بلا روح  بلا حُلم يحلق , يعيش كشبح أو طيف يتخبط في الظلمات , ويبقى هكذا حتى تخبو شعلة قلبه بالتدريج
الجو صحو والنسمات تلاعب الغصون والسماء صافية والأحلام ترفرف في السماء, إنه الطقس المثالي للصيد, جهز بندقيته وحقيبته وأصطحب كلباً وأنطلق بين الأحراش ,يبحث عن حُلم يزقزق هنا يرفرف هناك, يضرب بأجنحته الهواء ويحلق بعيداً,
هناك عند بركة الماء ,يرى سرباً من الأحلام , يتجه إلى هناك ويرفع رفيقته إلى كتفه ,يعمرها و يثبتها جيداً , ويغلق عينه اليسرى وينتقى حلماً , أحدهم يقف هناك على غصن يوشك طرفه على إحتضان صفحة البركة الساكنه , يقترب ببطأ ويحاول أن يتفادى الأوراق الجافة والأعواد المتناثرة على الأرض حتى لا يحدث جلبة تنبه الحُلم من مصرعه الوشيك , يتخذ من أعواد الأحراش ستراً له ويُمد فوهته  بين الأعواد , يأخذ نفساً عميقاً  ويوجهها إلى الحُلم ويضغط على التتك فتنطلق الرصاصة نحو الهدف مباشرة
يشعر بغصة , وتزداد نبضات قلبه , يسحب نفساً بصعوبة , يضع بندقيته على الأرض ويحاول رفع قدميه بصعوبة بين الأعواد الرفيعه  ويشق طريقه نحو الحُلم الذي يطفو فوق صفحة الماء , يدنو منه وقد فقد الشعور , فقد شيئاً ما , لا يعرف له وصفاً 
أصبح خاوياً , يرفع بيديه المرتعشتين الحُلم المألوف بالنسبه له , لايشعر بتلك الفرحة العارمة ولا بنفس الشعور الذي يصاحبه كلما أوقع بحُلم جديد
بل يشعر بكآبة ووجوم سرت في جسده كما لو كانت أنتزعت منه روحه , بل ...بل أنتزع حُلمه

Friday, January 07, 2011

مِصرُ عَسكري آمَن مَركَزي


 تسللت أشعة الشمس في هدوء شديد لتصنع ظلالاً مرتعشة أمامهم , كأن الشمس ترفق بهم لتنسحب من فوق رؤوسهم وجباههم العارية  ,لا يتذكر بالضبط كم من الوقت وهو على هذا الوضع , قدماه وكأنهما مسماران قد دقا في الأرض , أصبح لا يشعر بهم من كثرة الألم , يحاول أن يستغل غفلة  " الصف " ليتكأ على قدمه اليمنى ومن ثم يتكئ قليلاً على اليسرى عله يُسكن الألم , يدور "الصف" كثعبان يحمل خرطوماً غليظاً ينهمر على قدم كل من يتحرك , ينظر إلى قبعته الملقاه والممرغة في التراب , يتمنى فقط أن يضعها فوق رأسه  علّها تمتص بعض العرق المنهمر الذي بلل ملابسه الداخليه  , يشعر بحبات العرق التي تسيل في تشققات جسده الممصوص وهي تشق طريقها  خلال ظهره , أردافه وقدميه إلى أسفل , يشعر بأنفاسه المتقطعة والتي تحمل حرارة تخيل أنها يمكن أن تشوي عليها "كوز ذرة "
" ثـــــــــــــــــــابت منك ليه "
أنا هاخلي الراجل فيكم يجيب ميه من كل حته في جسمه "
" الكل واقــــف إنتباه من حديد ...إيديك لزقه في جسمك الشمس ماتعديش بينهم "

يحاول أن يقاوم أجفانه التي تنهار, وكأن صداعاً بدأ في ثقب رأسه بالتدريج , وفجأة يفتح جفنيه على صوت إرتطام وإذا بمن أمامه قد سقط مغشياً عليه منكباً على وجهه ,بين ذرات الأتربة التي تصاعدت جراء إرتطام الجسد  , أثار ملح العرق الذي ترك بقعاً بيضاء يظهر جلياً تحت إبطيه وبين أفخاذه وكأنها غمامات في زي حالك السواد ,لم يتحرك عضو ولم ينطق لسان وكأن شيئاً لم يكن , ظل الصريع ملقاً على الأرض حتى أنتهى
 " الطابور الزيادة "

يرى دائماً العالم من خلف قضبان عربة وحتى عندما تفتح الأبوب يكون أسيراً لزيه الأسوّد الحالك , يرى الناس ويرونه , يبحث بين الوجوه على ملامح مألوفة في حين أن زملاؤه يحاولون إختزان  صور أنثوية يسترجعونها في نومهم القصير , أحياناً يرمقه الناس بنظرات شفقه يفهمها ولا يحبها أبداً , وأحياناً يرمقه آخرون بنظرات ازدراء  لا يفهما أبداً ولا يحبها , يرى أنه رجل و زملاؤه يرون أنه غبي , لو كان أحد زملاؤه لاستغل الفرصة ونجا بجلده من هذا الشقاء , ما لضير من غسيل بعض الأطباق والأكواب وصنع الشاي والقهوة وتقديم بعض الوجبات إذا لزم الأمر وتلميع الأحذية لو أراد وغسيل بعض الملابس إذا كان ضرورياً .
كانت الإجابة " لا "  قاطعة عندما مال "الصف" على أذنه هامساً في أذنه أن "الباشا " يريده معه في المكتب.
ماذا سيخبر أبيه عندما يعود ويسأله عن عمله في المعسكر "بّغسل صحون " ,لم يكن مقتنعاً أن خدمة الوطن يمكن أن تكون "غسيل صحون " في حين أن الكثير كان مقتنعاً بذلك.
دائما ما تكون العودة إلى المعسكر كئيبة حتى لو كان عائداً من فض شغب أو مظاهرة عنيفة , المعسكر حيث كل شئ بــ"صفارة "  الأكل بصفارة والاستيقاظ بصفارة والنوم بصفارة والطابور بصفارة ...العديد من الطوابير والقليل من النوم , يتأهب أن يندس في الفراش لينال قسطاً من الراحة القصيرة بعد يوم شاق وطويل وممل ليستقبل يوماً لم تشرق شمسه بعد لا يختلف عن ما قبله , ما أن يضع رأسه على الوسادة تعلو أصواتاً  مرغم على التكيف معها واعتبارها غير موجودة بالمرة , يحاول الخروج بتفكيره بعيداً عن العنبر عن المعسكر عن المدينة القاسية ,هناك حيث قريته , كان العمل في " الفاعل " أهون عليه , كان المقاول  المستغل أهون عليه مع أن الطوب و"شكائر " الأسمنت كانت أثقل من الدرع والهراوة ولكنه ..... صوت صراخ يعيده ويهب فجاءه ويستيقظ الجميع على زميل لهم يتشنج ويهذي على الأرض , يحاولون الإمساك به , ينصحهم أحدهم بسرعه ليضعوا قطعة قماش في فمه حتى لا يبتلع لسانه , يرتفع الصراخ أكثر ويفشلوا في وضع قطعة القماش كانت عيناه جاحظتان وجسده أصبح متيبساً واللعاب يسيل بغزارة من فمه وأخذ يردد عبارات بصوت عالي
" تمام يـــــافندم "
" تمام يـــــافندم "
" تمام يـــــافندم "
مازالت صورة زميله المصاب بالصرع لم تغادر تفكيره بالرغم من مرور أسبوع كامل على ما حدث ويبدو أيضاً أن الأحداث أصبحت أكثر سخونة أم أن أحدهم أصبح يدفعه إلى كل تلك البؤر العنيفة , كل يوم وحين يريح رأسه طالباً بعض الراحة كان يحمد الله أنه لم يعد جريحاً أو مصاباً أو ميتاً إذا شاء القدر , لم تعد القرية تأتيه في أحلامه ولم تعد نظرات الشفقة التي كان لا يحبها يجدها بل أصبحت نظرات الازدراء تطارده , وأصبح يشعر بالكآبة والضيق كلما ترك المعسكر إلى الشارع ليواجه أعمال عنف أو يفض مظاهرة أو إحدى مباريات كرة القدم الجماهيرية , أصبح عنده المعسكر والشارع سواء بل الشارع أصبح أسوء , ولم يعد يفارقه وجه زميله المصاب بالصرع , أصبح يبتعد عن الصفوف الأولى التي تكون في المواجهة حتى فطنوا إلى ذلك فاخذوا يدفعوا به إلى المقدمة وأصبح مضطراً أن يرفع هراوته ليهوي بها على شخص لا يعرفه  , إذا لم تضرب ستُضرب بقسوة وبعنف , ينظر إلى عيونهم ويوأد الأمل , الآن يعرف لماذا نظرة الازدراء , كانت وجوههم تطارده في نومه مع وجه زميله , كانت عيناه تدمع عندما ترفع العصيّ وتبدأ حلقة جديدة ,كان يتمنى طوابير الذنب والثبات في ظهيرة شهر يوليو عن فض مظاهرة والنظر في عيون هؤلاء المتظاهرين ,
إذا سأله أبيه " بّغسل صحون " ذلك بالتأكيد أهون , لم يكن يفهم لماذا لا يخاف هؤلاء ولا يعبأون بالضرب والسحل ,لم يفهم لماذا ما يزال الأمل ينبعث من عيونهم  , الأوامر دائماً أوامر غير قابله لأي شئ غير التنفيذ , كانت الأوامر صريحة وهي منع المحتجين من التقدم بكافة الوسائل ,لا تبدؤوا في الهجوم , بدأ المحتجين في دفعهم إلى الخلف وتطور الدفع إلى ضرب وركل ........وارتفعت العصيّ والهراوات , وما رفع هراوته هو الآخر ألتفت إلى زملاء له يشرعون في رفع العصيّ على مجموعة من الفتيات والسيدات , هرول سريعاً وألقى بنفسه ليحيل بينهم وانهالت الضربات عليه من كل جانب وهو يصيح "حريم لاااااااء "

ياماااااااااااااااه ......إنت فيييييييييين
ياماااااااااااه  زهقت من الجبنه النستون نفسي في الجبنه اللي بتعمليها بإيديكي
انتي فين يامه...إنتي فين
الناس كلها بتكهرني
مش عارف ليه
مسلمين ومسيحيين بيضربوني ...أسكت ولا أعمل إيه
بضربهم أعمل ايه
ناس بتقول "بالروح بالدم نفديك ياإسلام"
وناس بتقول " بالروح بالدم نفديك ياصليب"
وتلاميذ الجامعة والمدارس والعمال
وبتوع فلسطين واللي بيقولوا " كفاية"
و
 حتى اللي بيشجعوا كورة
هو كده عاد في وطن نخدمه

منذ تلك اللحظة وهو يهذي في تلك الغرفة في إحدى المستشفيات, يتمنى أن يعود إلى قريته التي نساها ليجد أمه وهي تجلس أمام الفرن البلدي تشمر عن يديها المغطاة بالدقيق وهي تعجن العجين لتصنع الخبز الذي يحبه ليأكل بها جبناً .
--------------------------
الصورة فقط من مدونة   يالالاللي